يشهد العالم موجة غير مسبوقة من التطور والتغيير تمتد بظلالها كافة الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية وإزاء تلك التحديات كان لابد من مواكبة تلك المتغيرات المتسارعة للأساليب والنظم الإدارية الحاكمة للمؤسسات الحكومية وغير الحكومية والتي أصبحت تواجه مجموعة من التحديات والفرص وأمام مفترق طرق ومن ضمن تلك المؤسسات هي مؤسسات العمل الخيري والتي تواجه تحديات كبيرة في أداء رسالتها بكفاءة وفاعلية، نظراً لاتساع رقعة الفقر والجهل والأمراض من جانب ومحاولة إيصال الخدمة المتميزة في الوقت المناسب وبتكلفة اقتصادية من جانب أخر إضافة إلى إرضاء العملاء الممولين والأطراف ذات الصلة بتقديم الخدمات ذات الجودة العالية والتي هي من مقاصد ديننا الحنيف من ناحية وتعزيز القدرة التنافسية في مجال العمل الخيري.
المنطلق والرؤية
انطلاقا من الرؤية الشرعية بتجويد وتحسين الأعمال والمخرجات للوصول إلى فضيلة الإحسان ووفقا لتوجيهات ديننا الحنيف لقول النبي الكريم ˜: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه), وانطلاقاً من رؤية ورسالة الرحمة العالمية بالريادة والتميز وفقاً لأرفع معايير الأداء المؤسسي وتوسيع مواردها المالية ونظراً للتحديات والمتغيرات العالمية والتي تمثل تهديداً في سبيل تحقيق الرؤية المنشودة ومن جانب آخر تمثل فرصة سانحة لإحداث تغيير جذري في الأداء المؤسسي إيجابياً بتطبيق نظام الجودة الشاملة كخيار إستراتيجي فرضته ضرورة التحولات في النظم الإدارية الناجحة وفي ظل التنافس المحموم للانطلاق من الإدارة إلى الريادة ومن التركيز على الإجراءات والعمليات إلى إرضاء العميل ومن مراقبة التكاليف إلى إدارة الأداء ومن زيادة كمية الخدمات إلى تحسينها وجودتها ومن مراقبة الهدر في الوقت والجهد والتكلفة إلى حسن استثمار الموارد البشرية والمالية والمعلوماتية، إلا أن ذلك يتطلب دعماً من الإدارة العليا في المؤسسة باقتناعها أن التغيير سنة كونية وأن التقييم ضرورة للتطوير وأن لديها الرغبة في تطبيق نظام الجودة الشاملة نظراً للفوائد والثمرات المرتقبة والتي سوف تحقق بإذن الله النقلة النوعية في الأداء المؤسسي المتميز.
مراحل وخطوات
وأول خطوة في هذا الجانب هو استجلاب خبراء مختصين لدراسة وتشخيص الواقع باستخدام أدوات إدارية احترافية لتحديد الفجوات بين الأهداف الإستراتيجية للمؤسسة والمخرجات والإنجازات وتحديد نقاط القوة لتقويتها ونقاط الضعف لتلافيها، وعلى ضوء توصيات الخبراء يتم في المرحلة الثانية تحديد الاتجاه من الإدارة العليا لمدى عمق التغيير المطلوب أفقيا ورأسيا ابتداء من مراجعة الرؤية والرسالة حتى العمليات التشغيلية فخارطة الطريق يجب أن يتم تحديدها من قبل الإدارة العليا والمرحلة الأخيرة يمكن تطبيق أحد النظم الفاعلة لتطوير الأداء المؤسسي مثل بطاقة الأداء المتوازن (Balanced Scorecard) أو نظام التميز الأوروبي (EFQM) أو الأيزو (ISO).
مرحلة دراسة وتحليل الواقع: يتطلب تطبيق نظام الجودة الشاملة كمرحلة أولى القيام بالإجراءات التالية:
إجراء دراسة تحليلية مستندة إلى معايير تميز العمل للجمعيات ذات نفس النشاط ترتكز على استقصاء آراء العاملين والمستفيدين والمانحين باستخدام الاستبيانات وتحليل نتائجها وإجراء المقابلات والزيارات الميدانية على الواقع.
تقييم الأداء الإستراتيجي والتشغيلي وفقا لمعايير التميز المؤسسي.
اعتماد نظام الجودة الشاملة من الإدارة العليا.
وضع خطة لنشر ثقافة الجودة الشاملة في المؤسسة.
مرحلة التطبيق المطلوبة: للبدء بتطبيق نظام الجودة الشاملة يتم القيام بالإجراءات التالية:
تحديد الإدارة العليا للتوجهات المستقبلية لإجراء التغيير المطلوب بدقة تشمل مراجعة الرؤية والرسالة والأهداف الإستراتيجية لتحديد خارطة الطريق للانطلاق للتميز الإقليمي أو العالمي.
عقد ورشة عمل حول أهمية تطبيق نظام الجودة الشاملة كخيار إستراتيجي مستقبلي للحفاظ على سمعة وأداء المؤسسة وثقة المانحين والعملاء بمشاركة كافة العاملين لبناء ثقافة الجودة الشاملة في المؤسسة.
تأسيس وحدة الجودة والرقابة على الأداء يفوض لها مسؤولية تقييم أداء الوحدات التنظيمية في المؤسسة وإعداد تقارير تقييم الأداء للإدارة العليا دورياً.
التعاقد مع مكتب استشارات جودة متخصص للقيام بالإجراءات اللازمة لمنح شهادة “الأيزو”.
التمكين لتطبيق نظام الجودة الشاملة بتضمينه في الخطة الإستراتيجية والتشغيلية للمؤسسة.
إن النهوض بتلك المؤسسة الرائدة في العمل الخيري إلى التميز العالمي لا يتحقق ذلك الحلم إلا بشعور قيادة المؤسسة بضرورة تطوير رؤيتها وإستراتيجيتها وأخذ زمام المبادرة في الوقت المناسب في تطبيق نظام الجودة الشاملة وشعور كافة العاملين بأهمية نظام الجودة الشاملة كخيار إستراتيجي لضمان استدامة الريادة والتميز في مجال العمل الخيري.