ـ «الشبان المسلمين» بمصر شاركت في تكوين لجنة مستقلة من أعيان الصعيد للاهتمام بنشر القضية وإعانة المنكوبين
ـ طلاب الأزهر طالبوا شيخه بإرسال مذكرة للملك ليتدخل لرفع الظلم عن الفلسطينيين
ـ عام 1931م أرسل حسن البنا رسالة للمفتي دعماً للمؤتمر الأول لفلسطين وقراراته
ـ «النار والدمار في فلسطين» أحد الكتب التي تدلل على الاهتمام الإعلامي للإخوان تجاه القضية
ـ حينما اندلعت الثورة الفلسطينية بقيادة القسام وقف ـ الإخوان خلفها ونشطوا في جمع التبرعات وإمداد الثوار
ـ عمر التلمساني حذر الطائفة اليهودية بمصر من الانغماس في سوءات الصهيونية
ـ بعد انسحاب بريطانيا تحركت كتيبتان للإخوان واحدة اتجهت لغزة والأخرى لسورية تحت إمرة مصطفى السباعي
ما بين «وعد بلفور» عام 1917م و»وعد ترمب» 2017م مائة عام من الظلم والقهر والاضطهاد للشعب الفلسطيني الأعزل، مائة عام من محاولة تهويد القدس واقتطاعها من جسد الأمة الإسلامية لصالح المجموعة الصهيونية التي لم تكتف باحتلال فلسطين، لكنها تحاول بكل السبل السيطرة على أحد مقدسات المسلمين، لإقامة هيكلهم المزعوم، إلا أن هناك أجيالاً من أبناء الحركات الإسلامية المختلفة في العالم كانت لهم بالمرصاد؛ حيث شحذوا الهمم، وأيقظوا الوعي لدى الشعوب، وقادوا المقاومة بكل أنواعها وأشكالها لإيقاف الزحف الصهيوني على أحد المساجد الثلاثة التي يشد إليها الرحال.
يوثق التاريخ جهوداً متميزة للعديد من الحركات الإسلامية في الاهتمام بالقضية الفلسطينية؛ كجمعية الشبان المسلمين بمصر التي شاركت في تكوين لجنة مستقلة من أعيان الصعيد للاهتمام بنشر القضية، والعمل من أجل منكوبي فلسطين، كما تألفت بدار جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة لجنة عليا لإعانة منكوبي فلسطين(1).
ثم يأتي دور جماعة الإخوان المسلمين الذين اعتبروا القضية الفلسطينية قضيتهم الأولى، حيث حدد حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، الرؤية والمنطلق والثوابت بشأن هذه القضية؛ فقال: «فلسطين تحتل من نفوسنا موضعاً روحياً وقدسياً فوق المعنى الوطني المجرد؛ إذ تهب علينا منها نسمات بيت المقدس المباركة، وبركات النبيين والصديقين، ومهد السيد المسيح عليه السلام، وفي كل ذلك ما ينعش النفوس ويغذي الأرواح»(2).
كما أرسل الزعيم الجزائري الأستاذ عبدالحميد بن باديس كتاباً لمفتي فلسطين يعلن مناصرته للقضية الفلسطينية(3).
واهتم طلاب الأزهر في الثلاثينيات بقضية القدس، ورفعوا بياناً إلى شيخ الأزهر يطالبون فيه برفع مذكرة إلى الملك يطالبونه بالتدخل لرفع الظلم عن الفلسطينيين(4).
وبعد فشل مؤتمر لندن بدأت حملة مشتركة من «جمعية مصر الفتاة»، و»الإخوان المسلمون»، و»جمعية الشبان المسلمين» لمقاطعة المنتجات والبضائع الصهيونية، وتم تشكيل لجنة لهذا الغرض سميت باسم «لجنة تنظيم المقاطعة»(5).
وفيما يلي نلقي الضوء على جهود إحدى هذه الحركات بشيء من التفصيل وهي جماعة الإخوان المسلمين:
فقد كانت أول رسالة توضح الاهتمام بالقضية التي أرسلها حسن البنا لمفتي فلسطين عام 1931م أثناء انعقاد المؤتمر الأول لفلسطين، حيث جاء فيها: «إن أربعمائة مليون من المسلمين في أنحاء المسكونة يرمقون نتيجة المؤتمر بقلوب تخفق بالأمل والإشفاق، وإن جمعية الإخوان المسلمين تشارككم فيما تقررون، وتقاسمكم على البعد عبء ما تحملون، ولولا أعذار قاهرة، وظروف طارئة لكان من أعضائها بينكم من ينادي بكلمتها(6).
جهود مبكرة
لم تتوقف جهود الإخوان على التنبيه للخطر الصهيوني، بل أيقظوا الأمة جمعاء، وحشدوا الجهود لمقاومة ذلك الخطر، وقدموا -وما زالوا يقدمون- التضحيات تلو التضحيات للذود عن فلسطين، فنبهوا الغافلين، وأيقظوا النائمين، وبذلوا المال، وقدموا الشهداء فداء لفلسطين؛ حتى يتم تحريرها من الصهاينة الغاصبين وتعود إلى أحضان الأمة الإسلامية.
وقد تعددت الجوانب التي طرقوها في هذا السياق، ويمكن تلخيصها فيما يلي:
1- الجانب الإعلامي والدعائي:
اهتمت الحركات الإسلامية بالجانب الإعلامي والدعائي والتعريف بالقضية، فنشطت صحف الإخوان المسلمين، كما نشط مكتب الإرشاد ووجه البيان تلو الآخر لشُعب الإخوان وجموع الشَّعب المصري والعربي: أيها الإخوان إن قلوبكم التي تخفق لمصر وتحنو عليها وتعمل لها بحكم البر بالوطن يجب أن تخفق لفلسطين، وتحنو عليها، وتعمل لها بحكم الدين والجوار والإنسانية والوطن أيضاً(7).
لم يكتف الإخوان بذلك بل طبعوا كتيباً صغيراً بعنوان «النار والدمار في فلسطين»، يحوي جميع صور المجازر التي قام بها المحتل البريطاني ضد الفلسطينيين العزل، وقاموا بنشرها على جموع الشعب المصري والعربي حتى أيقظوا الوعي المجتمعي لدى الشعب نحو ما يجري في فلسطين، حتى إن السلطات قامت باعتقال حسن البنا، ويوسف طلعت، كما قامت بتفتيش دار الإخوان بالقاهرة ومصادرة بقية النسخ(8).
2- تأليف اللجان لمساعدة فلسطين:
نشط الإخوان منذ الأيام الأولى فألفوا لجان التبرعات، وكذلك اللجنة المركزية لمساعدة فلسطين التي شكلت من شباب جمعية الإخوان المسلمين، وجمعوا الكثير من الأموال التي أرسلت لفلسطين.
3- إرسال الوفود للدول العربية:
لم يقتصر جهد الإخوان نحو القضية داخل مصر فحسب، لكن حسن البنا أرسل الوفود للعديد من الدول العربية مثل سورية وفلسطين ولبنان لنشر الدعوة وتوضيح الفكرة في بلاد الشام، فكانت أول بعثة للإخوان المسلمين في الأقطار الشقيقة وكان ذلك في 5 جمادى الأولى 1354هـ الموافق 5 أغسطس 1935م، وكانت تضم عبدالرحمن الساعاتي، ومحمد أسعد الحكيم، وفي صحبتهما الزعيم التونسي الثعالبي، حيث آزروا القضية الفلسطينية(9).
وحينما اندلعت الثورة الفلسطينية بقيادة عز الدين القسام وقف الإخوان خلفها ونشطوا في جمع التبرعات وإمداد الثوار بها ومكاتبة الوزراء والملوك لنجدة القدس وما يحدث فيها.
4- التصدي ليهود مصر الداعمين للصهاينة:
عمد الإخوان المسلمون إلى تصعيد المواجهة السياسية والاقتصادية مع يهود مصر المؤيدين للصهاينة، حيث اتسم موقفهم إزاء الصراع العربي الصهيوني في فلسطين بعدم الوضوح، فكتب عمر التلمساني، المرشد الثالث للإخوان، مقالاً بعنوان «أيها اليهود ما معنى هذا؟»، قال فيه: «طالما حذر الإخوان المسلمون الطائفة اليهودية بمصر من الانغماس في سوءات الصهيونية الشائنة التي تريد إنجلترا أن تفرضها فرضاً على أهل فلسطين، وطالما نبهوهم إلى أن يعرفوا أنهم مصريون قبل كل شيء، وأن أي عمل يقوم به يهود مصر مؤازرة لمن يريدون اغتصاب فلسطين من أهلها يعتبر موجهاً إلى المصريين أنفسهم(10).
5- الدعم العسكري:
لم يكتف الإخوان والحركات الإسلامية بما قاموا به، لكن حينما احتدم الخطر وقررت بريطانيا الانسحاب من فلسطين وترك المصير للأقوى بعدما دربوا الصهاينة وأمدوهم بكل أنواع السلاح؛ قرر الإخوان الدخول معهم في معركة فاصلة، وطلبوا من النقراشي باشا، رئيس وزراء مصر آنذاك، السماح لمتطوعي الإخوان بالذهاب لفلسطين، كما تدخل عبدالرحمن عزام باشا، أمين عام جامعة الدول العربية، وأمين الحسيني، لتحقيق ذلك، وبالفعل تحركت كتيبتان للإخوان؛ واحدة اتجهت لغزة بقيادة المجاهدين كامل الشريف، ومحمد فرغلي، ويوسف طلعت، والكتيبة الأخرى اتجهت لقطنة بسورية تحت إمرة المجاهد مصطفى السباعي، ولقد أفاض كثير من شهود العيان عن دور الإخوان وما قاموا به نحو القدس.
فقد ذكر ذلك قادة الجيش المصري أمثال اللواء أحمد المواوي، واللواء فؤاد صادق، والحاج أمين الحسيني، حينما سُئلوا عن دور الإخوان المسلمين في الحرب من قبل النيابة التي كانت تحقق في قضية السيارة الجيب:
عند دخول الجيوش النظامية أرض فلسطين بقيادتكم: هل كان يقاتل فيها متطوعون من الإخوان المسلمين؟
– نعم لأنهم سبقوا بدخولهم القوات النظامية.
نريد أن نعرف رأي سعادتكم بصفتكم قائداً عاماً لحملة فلسطين عن موقف الإخوان المتطوعين في هذه الحرب وميدانها؟
– كانوا جنوداً أبطالاً أدوا واجبهم على أحسن ما يكون.
هل تعرف عدد المتطوعين من الإخوان؟
– بلغ عدد المتطوعين من الإخوان وغيرهم عشرة آلاف(11).
وكتبت كاتبة صهيونية تدعى “روث كاريف”: “إن اليهود في فلسطين الآن هم أعنف خصوم الإخوان المسلمين، ولذلك كان اليهود الهدف الأساسي لعدوان الإخوان”(12).
ثم توالت بعد ذلك مظاهر اهتمام الحركة الإسلامية بالقضية الفلسطينية؛ حيث حرص أبناء هذه الحركات على أن تكون القضية الفلسطينية على رأس اهتماماتهم على مدار تاريخها، أياً كانت حالة هذه الحركات أو أوضاعها؛ فالقدس بالنسبة لهم هي البوصلة التي تحدد وجهتهم وترسم طريقهم؛ حتى لو كانوا في أضعف حالاتهم؛ فلم تشغلهم محنهم الداخلية عن محنة القدس والأقصى الكبرى.
الهوامش
(1) جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، السنة الرابعة، العدد (12)، 11 ربيع الثاني 1355هـ/ 30 يونيو 1936م.
(2) جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (585)، السنة الثانية، 15 جمادى الأولى 1367هـ/ 26 مارس 1948، ص 3.
(3) جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، السنة الخامسة، العدد (14)، 20 جمادى الآخرة 1356هـ/ 27 أغسطس 1937م.
(4) جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، السنة الخامسة، العدد (22)، 2 رمضان 1356هـ/ 5 نوفمبر 1937م.
(5) د. عايدة سليمة: مصر والقضية الفلسطينية، دار الفكر للدراسات والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى، 1986م، ص 103.
(6) جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (719)، السنة الثالثة، 2 ذو القعدة 1367ﻫ/ 5 سبتمبر 1948م، ص 10 – 11.
(7) جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (6)، السنة الرابعة، 28 صفر 1355ﻫ/ 19 مايو 1936م، ص 19 – 20.
(8) مجلة النذير، العدد (9)، السنة الأولى، 27 جمادى الأولى 1357ﻫ/ 25 يوليو 1938م، ص 3 – 5.
(9) جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، السنة الثالثة، العدد (17)، 7 جمادى الأولى 1354هـ/ 6 أغسطس 1935م.
(10) جريدة النذير، العدد (24)، السنة الثانية، 14 جمادى الآخرة 1358ﻫ/ 1 أغسطس 1939م، ص 15.
(11) كتاب “قضية سيارة الجيب.. الحيثيات.. ونص الحكم”، دار الفكر الإسلامي، 1951م، ص 70 وما بعدها.
(12) جريدة الصنداي ميرور، في مطلع عام 1948م ونقلته جريدة المصري.