يهول الإعلام “الإسرائيلي” والأوساط السياسية في تل أبيب من الآثار الناجمة عن إطلاق الطائرات الورقية والبالونات المشتعلة (الحارقة) باتجاه المستوطنات المحاذية لقطاع غزة، بهدف استغلالها لأغراض سياسية، بحسب خبيرين في الشأن “الإسرائيلي”.
عبر ذلك التهويل، وفق الخبيرين، قد تهيّئ الأوساط السياسية المجتمع الدولي لإمكانية قتل الجيش “الإسرائيلي” مطلقي الطائرات والبالونات من غزة باتجاه الأراضي الزراعية “الإسرائيلية”.
ويسود جدل في الحكومة “الإسرائيلية” حول سبل مواجهة مطلقي الطائرات والبالونات، إذ يرى بعض أركان الحكومة، مثل رئيسها بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه، أفيجدور ليبرمان، تجنب قتلهم، لتفادي تأثير سلبي على صورة “إسرائيل” عالمياً.
وواجهت “إسرائيل” انتقادات دولية حادة، لقتلها أكثر من 120 فلسطينياً، في 14 و15 مايو الماضي، خلال مشاركتهم في احتجاجات سلمية، قرب السياج الأمني الفاصل بين غزة و”إسرائيل”.
وتميل المستويات الأمنية في الجيش والمخابرات “الإسرائيلية” إلى التوصية بالامتناع عن قتل المتظاهرين، لتجنب أي تصعيد قد يتحول لمواجهة مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في القطاع.
لكن وزراء “إسرائيليين”، مثل وزير التعليم نفتالي بينيت، ووزير الأمن الداخلي جلعاد أردان، يوصون بضرورة السماح للجيش بقتل مطلقي الطائرات البالونات من غزة، التي تحاصرها “إسرائيل” منذ 12 عاماً.
وتستغل “إسرائيل” ذلك التهويل في محاولة لتبرئة نفسها عالمياً وقصف أهداف ومواقع تابعة لفصائل فلسطينية، أبرزها حركة “حماس”، كنوع من الرد على إطلاق الطائرات والبالونات.
وأعلن المتحدث باسم الجيش “الإسرائيلي” أفيخاي أدرعي، في 10 يونيو الجاري، أنه تم إحباط نفق استثنائي هجوميّ يمتد باتجاه البحر يتبع لحركة “حماس”.
وزعم أدرعي، في تصريحات مختلفة، أن المواقع التي يتم قصفها “هي من البنية التحتية العسكرية للحركة”.
استنزاف فلسطيني
بالفعل تستنزف الطائرات والبالونات الحارقة “إسرائيل” من ناحيتي الاقتصاد والأمن القومي، لكن ليس لدرجة وصف وسائل إعلام “إسرائيلية” ما يحدث بأنه “حرب استنزاف”، بحسب خبيرين في الشأن “الإسرائيلي”.
وقال دودي سيمحي، ضابط في جهاز الإطفاء والإنقاذ “الإسرائيلي”، الجمعة الماضي: إن نيران الطائرات والبالونات التهمت نحو 25 ألف دونم (الدونم= ألف متر مربع) من الأراضي الزراعية، خلال الشهرين الماضيين، وفق صحيفة “هاآرتس” العبرية.
ويبدو أن “إسرائيل” وجدت مخرجاً لتعويض مزارعيها المتضررين من النيران، التي تشعلها الطائرات والبالونات الحارقة، من خلال خصم مبالغ التعويضات من ميزانية السلطة الفلسطينية.
ووجه نتنياهو، الأحد الماضي، بخصم مبالغ مالية من ميزانية السلطة الفلسطينية، لصالح تعويضات لمزارعين “إسرائيليين”.
ويأتي جزء كبير من ميزانية السلطة الفلسطينية عبر “إسرائيل”، إذ تحول للسلطة شهرياً دفعات ضريبية تقوم بجبايتها من البضائع الفلسطينية المنقولة عبر الموانئ والمعابر “الإسرائيلية”.
الشعور بالأمن
وفق أنطوان شلحت، الخبير في الشأن “الإسرائيلي”، فإن هذه الطائرات شكل من أشكال الاستنزاف، فالاحتلال اعتاد على الحروب التقليدية السريعة، لكن مسألة الاستنزاف تصيبه في الصميم.
وأضاف شلحت، لوكالة “الأناضول”، أن “إسرائيل” أثبتت، على المستوى الاقتصادي، خلال العقد والنصف الماضيين، أنها تستطيع أن تمتص الآثار المادية للحروب التي خاضتها.
واستدرك: لكن أخطر ما في ذلك الاستنزاف حسب وجهة نظر دولة الاحتلال هو أن الطائرات والبالونات الحارقة تستنزف الشعور بالأمن لدى المستوطنين.
وشدد على أن الأمن في رأس جدول أعمال الأحزاب السياسية “الإسرائيلية”، وقد تسقط حكومات إذا تخلخل الشعور بالأمن.
وأوضح أن هذا الاستنزاف يشكل ضغطا كبيراً على المؤسستين السياسة والأمنية في “إسرائيل”.
ورأى أن التهويل الإعلامي “الإسرائيلي” لآثار الطائرات الورقية والبالونات الحارقة يخدم أهداف سياسية “إسرائيلية”، أو لتبرير القبضة الحديدة التي تلجأ إليها “إسرائيل” ضد هذه الظاهرة.
ورغم تسببها بزعزعة حالة الأمن في المستوطنات المحاذية لغزة، فإن أضرار تلك الطائرات ليس بالقدر الذي تحدثه الصواريخ والقذائف الصاروخية التي تُطلق من غزة.
وإضافة إلى الاعتداءات “الإسرائيلية”، يعاني أكثر من مليوني نسمة في غزة من أوضاع معيشية وصحية متردية للغاية، جراء حصار “إسرائيل” للقطاع.
وبدأت “إسرائيل” حصارها لغزة عقب فوز “حماس” بالانتخابات التشريعية، عام 2006، ثم عززته إثر سيطرة الحركة على القطاع، في العام التالي، ضمن خلافات مع حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح).
من التحذير إلى القتل
ضمن سياسية متعمدة، تستخدم “إسرائيل” مصطلح “إرهاب الطائرات الورقية”، لإظهارها بمظهر خطير، بحسب وديع أبو نصار، مدير المركز الدولي للاستشارات في مدينة الناصرة شمالي “إسرائيل”.
وتابع أبو نصار لـ”الأناضول” أن المؤسسة السياسية “الإسرائيلية” تسعى بشكل حثيث إلى عطاء تلك الصورة عن الطائرات الورقية، حيث أصبح الرأي العام الداخلي يتبنى ذلك المصطلح.
وأوضح أن ذلك قد يشكل ضغطاً على الجيش “الإسرائيلي” والمؤسسة الأمنية للانتقال من مرحلة تحذير مطلقي الطائرات إلى مرحلة القتل المباشر.
ولفت إلى وجود مشاورات قانونية تبحث إلى أي مدى يسمح القانون “الإسرائيلي” للجيش بتوجيه ضربات مباشرة لمطلقي الطائرات.
وأعرب عن اعتقاده بأن استمرار ظاهرة إطلاق الطائرات الورقية تجاه المناطق المحاذية لغزة سيزيد ضغط المستوى السياسي على الجيش لقتل مطلقي الطائرات والبالونات.
لكن ما قد يحسم أمر تلك الطائرات والبالونات، وفق أبو نصار، هو تسببها بإحداث خسائر بشرية أو أضرار مادية جسيمة في الجانب “الإسرائيلي”.
ومضى قائلاً: لا يمكن استبعاد حدوث خسائر بشرية، فنحن في فصل الصيف، والنار قد تشب بشكل سريع وتخرج عن السيطرة.
تصعيد جديد
ولفت أبو نصار إلى قصف الطائرات “الإسرائيلية” الحربية مواقع تابعة لحركة “حماس”، رداً على إطلاق الطائرات الورقية، كون “حماس” هي المسيطر الفعلي على غزة.
وأعرب عن اعتقاده بأن “إسرائيل” لا تريد أن تتعامل مع مطلقي الطائرات بغزة؛ لكن التعامل الأساسي هو مع “حماس”، كونها المسؤولة عن كل ما يحدث في القطاع.
وربما يدفع القصف “الإسرائيلي” “حماس” إلى التخفيف من حدّة إطلاق المحتجين الفلسطينيين للطائرات والبالونات، للحفاظ على مواقع الحركة، أو تجنيب غزة تصعيداً جديداً.
وقد يعجل سقوط ضحايا في أي من الطرفين بحدوث تصعيد.
وربما تطلق “حماس” صواريخ تجاه “إسرائيل”، إذا استمرت الأخيرة في ضرب مواقع الحركة، رداً على إطلاق الطائرات والبالونات، وهو ما يتسبب أيضاً في تصعيد جديد.