أعلن 10 نواب من حزب الوطني الحر التونسي، يوم الثلاثاء الماضي، عن استقالتهم من كتلة الائتلاف الوطني (كتلة موالية لرئيس الحكومة يوسف الشاهد)، وانضمامهم إلى كتلة حزب نداء تونس، في هجرة حزبية جماعية أعقبتها ردود أفعال مختلفة، بين من اعتبرها ثمرة مشاورات متواصلة مع بعض الأحزاب والشخصيات الوطنية للاندماج في مشروع سياسي كبير، وفق النائب ما صرّح به لـ”المجتمع” منجي الحرباوي، المسؤول الإعلامي بنداء تونس، وعضو كتلة الحزب.
وبين من اعتبرها نزوات أملتها المصالح الشخصية، والبحث عن ملاجئ سياسية من التتبعات القضائية وغيرها، لا سيما وأن الانضمام إلى كتلة” الائتلاف الوطني” تمت مباركتها من رئيس الحزب الوطني الحر سليم الرياحي، وأن تعلة الخروج من كتلة الائتلاف جاءت رداً على تكوين تنسيقيات للكتلة في الجهات لا أساس لها من الصحة، حسب ما صرّح به لـ”المجتمع” عضو كتلة الائتلاف كريم الهلالي.
حدث سياسي كبير
إلى ذلك، اعتبر عضو مجلس نواب الشعب والمكلف بالإعلام بحزب نداء تونس، منجي الحرباوي، اندماج الحزب الوطني الحر، في حزب نداء تونس، وإلغاء خطة المدير التنفيذي للحزب التي كان يشغلها حافظ قايد السبسي، وتسمية سليم الرياحي أميناً عاماً للنداء، اعتبر ما جرى حدثاً سياسياً كبيراً في المشهد السياسي، خاصة في هذه المرحلة الصعبة المتمثلة في الأزمة السياسية التي من أبرز سماتها التشتت والتشرذم، وضبابية الرؤية.
وتابع، في اتصال هاتفي أجرته معه “المجتمع” بعد إنهاء التوافق السياسي مع حركة النهضة، وبعد هذه الخطوة المهمة التي تم اتخاذها من طرف الوطني الحر: سنحدث رجة جديدة وعودة جديدة إلى المشهد السياسي، مشهد متوازن وقادر على أن يستمر في المسار الديمقراطي، الذي يحتاج إلى قوتين أو ثلاث قوى سياسية كبيرة متنافسة.
وأضاف الحرباوي أن ذلك من شأنه الحفاظ على الاستقرار والتوزان في الساحة السياسية.
وحول انسحاب 4 نواب من النداء تزامناً مع إعلان نواب الوطني الحر الانضمام إلى النداء ذكر الحرباوي أن موجة الاستقالات المتواصلة في النداء أصبحت معلومة النوايا، وكذلك الأهداف، ومعلوم كذلك من يقف وراءها، وهي استقالات لصالح مشروع سياسي يطبخ في الغرف المظلمة، وفي أروقة القصبة.
عبث سياسي
وفي سياق مختلف، اعتبر عضو كتلة الائتلاف الوطني بمجلس نواب الشعب، كريم الهلالي، اندماج حزب الوطني الحر حلقة من حلقات العبث السياسي.
وتابع في تصريحات لـ”المجتمع”: سليم الرياحي ألغى حزبه بجرة قلم، دون العودة إلى حزبه، وهياكله الحزبية، وبدون مؤتمر، وتكوين لجنة لتصفية ممتلكات الحزب، وبدون الإعلان رسمياً في المؤتمر عن حل الحزب يعتبر مخالفاً للقانون، وهذا عبث سياسي، ووصف ما جرى بأنه بمثابة صاحب حانوت قرر ونفذ، ولا يرتقي حتى لمستوى إغلاق شركة فهي تخضع للقانون أيضاً.
وذكّر الهلالي بتهنئة أعضاء كتلة الوطني الحر عندما انضموا إلى كتلة الائتلاف الوطني قبل أن يعلنوا على “فيسبوك” استقالاتهم منه وانضمامهم لحزب نداء تونس، وكشف عن ملابسات انضمام كتلة الوطني للحر لكتلة الائتلاف الوطني قائلاً: لم نتفاوض مع سليم الرياحي في ذلك، ولم نقم بدعوته للحضور للاحتفال بذلك، وإنما فوجئنا بحضوره، ولسنا قلقين ولا مستائين من ذهاب نواب الوطني الحر واستقالتهم من كتلة الائتلاف الوطني، معتبراً حزب الوطني الحر حزباً بالصدفة، وسليم الرياحي سياسياً بالصدفة، على حد قوله.
ونفى الهلالي سعي كتلة الائتلاف الوطني لتنظيم تنسيقيات في الجهات، واستقالة نواب الوطني الحر استخدموا هذه الذريعة للتبرير، وردّ على تصريح البعض بأن كتلة الائتلاف تسعى لانقلاب أبيض، قائلاً: من شكر وذم فقد كذب مرتين، كما كشف لـ”المجتمع” عن مشروع سياسي للكتلة، ينضم للعائلة الوسطية بالبلاد، واصفاً عملية الاندماج بالاجترار، وهي آخر مسمار في نعش النداء، كما قال.
اندماج هش
وفي تعليقه على اندماج الوطني الحر في حزب نداء تونس، أكد أستاذ العلوم السياسية والدبلوماسي السابق عبدالله العبيدي لـ”المجتمع”، أن سليم الرياحي يتحرك وفق أجندته السياسية والقضائية، فقد رفع رئيس الحكومة يوسف الشاهد تحجير السفر عن الرياحي، ولكن أبقى أمواله مجمّدة، ويعرف أنه إذا خرج الشاهد من موقعه كرئيس للحكومة فإن من تبقى معه سيهربون.
وربما يرى الرياحي أن موقفه الأخير ولجوءه للنداء أسلم، ونتذكر جميعاً المماحكات التي تمت سابقاً بين الشاهد والرياحي عندما تساءل الأول عن مصدر أموال الأخير، فرد عليه الرياحي: لماذا تسأل عن أموالي عندما كنت تتلقى راتباً أو مقابل خدمات من عندي؟ وأطنب العبيدي في الحديث عن بحث الشاهد عن سند سواء من حزبه النداء، أو الاتحاد العام التونسي للشغل، رغم تناقض موقف الاتحاد مع البنك الدولي، وفي الأخير لجأ إلى حزب النهضة.
وعرّج على موقف الرياحي الذي اختار النداء في آخر مواقفه المسجلة على اعتبار أن قواعد النداء مع السبسي وليس مع الشاهد، وفي هذا الإطار تأتي القطيعة مع النهضة.
وواصل قائلاً: السؤال المطروح هو: ما المخزون أو الخزان الانتخابي الذي يعتمد عليه الشاهد؟ وفي هذا الإطار أيضاً يبدو أنه بدون رصيد معتبر، وهذا ما يفسر ارتباك وتذبذب الرياحي في مواقفه بحثاً عن مستقر.
وقال: إن الرياحي لديه إمكانات ورغبات وطموحات، وله ارتباطات خارجية، وليس خافياً علاقاته بأبناء القذافي، ولديه برنامج نتفق أو نختلف معه، وبقطع النظر عن المؤهلات.
ويرى الدبلوماسي المخضرم أن الاندماج بين النداء والوطني الحر سيصمد نظراً للمصالح التي أملته، وفي مقدمتها مواجهة هيمنة الشاهد، فهو المنافس والغريم في نفس الوقت؛ أي وحدتهم العداوة مع الشاهد أو قل عدم الاتفاق معه، وما تبقى من حيز زمني ضيق يؤكد ذلك على ضوء لقاء الشيخ راشد الغنوشي مع الباجي قايد السبسي.
وأشار العبيدي إلى أنه لا مناص من لقاء الغنوشي مع السبسي؛ لأن هناك ضغوطاً على الطرفين في هذا الاتجاه، وقد شدد السبسي على ذلك في أرمينيا مؤخراً عندما ذكر أن إمكانية عودة التوافق ممكنة في سياقاتها المستقبلية وعلى أسس جديدة، فالغنوشي، والسبسي لعبا وما زالا، الأدوار الأولى في الحياة السياسية.
اندماج لإزاحة الشاهد
من جهته، اعتبر المؤرخ والباحث في الشأن السياسي عبداللطيف الحناشي، اندماج حزب الوطني الحر في حزب نداء تونس، مدفوع على ما يبدو بمصالح ذاتية، ولا يهتم بمصالح الوطن من منظور آني وحتى مستقبلي، فالحزب الوطني الحر حزب طارئ على الحياة السياسية، يشهد يومياً انشقاقات وتراجعات، ومهازل كاستقالة البعض من النداء، وانتماءهم للوطني الحر، ثم يجدون أنفسهم في النداء بعد صفقة الاندماج.
وتابع في حديث خص به “المجتمع” الأحزاب الطارئة على المشهد السياسي لا تاريخ لها، قياداتها تعبث بأحزابها، وحتى بالوطن الذي تنتمي إليه.
وأردف: الأعضاء المؤسسون ينتقلون من حزب إلى حزب، أو ما يعرف بالسياحة الحزبية والبرلمانية، وهو ما ينطبق على نداء تونس الذي يشكو كذلك من هذه الظواهر البائسة، فأغلب مؤسسيه غادروا الحزب ولم يبق سوى بعض الطارئين أيضاً على المشهد السياسي وبعض المتسلقين ومن لهم علاقة بالنظام السابق.
وأضاف: هذه الظواهر غير سوية ولا تخدم النفس الديمقراطي ولا المناخ الاقتصادي ولا الصورة الداخلية والخارجية لتونس، بل تدعم حالة عزوف المواطنين عن المشاركة في الانتخابات، وبذلك نحن نخسر الكثير والكثير والانتخابات البلدية مثلت رمزية مهمة في هذا السياق.
ونفى الحناشي أن يكون اندماج الوطني الحر في النداء بمثابة إعادة الروح إلى الأخير، فالاندماج ذاته تسبب في تصدع داخل النداء وانشقاقات جديدة، في المنستير وقابس والقصرين وبنزرت وغيرها، وهو اندماج مرتبط بمصلحة شخصية معينة وبحسابات معينة وربما وراءه دوافع سياسية، ولن يستمر هذا الاندماج لأنه بدون قاعدة سياسية ثابتة أو فكرية راسخة، وإنما فرضته أو أملته رغبة الطرفين في إزاحة يوسف الشاهد، وهو أمر لا يمكن حدوثه بدون موافقة حزب حركة النهضة، وفق الحناشي.