بعد سنوات طويلة من الكفاح يُتوج مسلمو الفلبين نضالهم، بالحكم الذاتي الجديد، ويرسمون أولى خطوات خريطة هذا الحكم الذاتي، بالاستفتاء على قانون “بانجسامورو” الأساسي، الذي يجري على يومين أولهما غداً 21 يناير، والثاني في 6 فبراير القادم، لتحديد المناطق التي سيشملها الحكم الذاتي لبانجسامورو المسلمة.
وفي تصريحات لـ”المجتمع” يقول مبارك تيبورون دوماتو، عضو مكتب الإعلام في حزب العدالة لبانجسامورو المتحدة: إن مسلمي جنوب الفلبين حالياً في مرحلة مصيرية، أولى خطواتها هذا الاستفتاء، حيث من المقرر أن يتوجه غداً الإثنين 21 يناير سكان المناطق الواقعة داخل الإطار الجغرافي للحكم الذاتي الحالي في مينداناو، بما فيها منطقة ماجنداناو، ولانو ديل سور، وسولو، وباسيلان، وتاوى- تاوي، ومدينة كوتاباتو، إيزابيلا، ومراوي، ولميتان.
أما اليوم الثاني والمقرر في 6 فبراير المقبل، سيجري الاستفتاء في مناطق الجنوب المجاورة لنطاق الحكم الذاتي الحالي، وهي المناطق ذات الأغلبية المسلمة التي تخضع إدارياً لأقاليم أخرى مجاورة زاد عدد المسيحيين فيها بسبب الهجرة من الشمال، ومنها ست بلديات في محافظة لاناو ديل نورتي (شمالي) ونحو 80 قرية أخرى.
ومن المفترض أن يتضمن الاستفتاء أمرين؛ هما اعتبار الموافقة على ضم مناطقهم إلى النظام السياسي الجديد الذي سيحل محل الحكم الذاتي الحالي، واعتبار ما جاء في القانون الأساسي الجديد دستوراً.
وأوضح دوماتو أن كلمة “بنجسامورو” تعني شعب مورو الذي يضم قوميات مسلمة عديدة تسكن جزيرة مينداناو والجزر الصغيرة القريبة منها، وسيكون اسم الكيان الجديد “منطقة الحكم الذاتي لبنجسامورو”.
من جانبه، يقول عبدالوهاب علماء كويلان، مندوب جبهة تحرير مورو الإسلامية في القاهرة: إن القانون يؤسس لتشكيل برلمان لشعب مورو يضم 80 عضواً، نصفهم من ممثلي الأحزاب، ومن بين تلك الأحزاب حزب “العدالة لبانجسامورو المتحدة” شكلته جبهة تحرير مورو وأحزاب أخرى، و40% من ممثلي البلديات، و10% من ممثلي القوميات غير الموروية والسكان غير المسلمين، وينبثق عن البرلمان رئيس وزراء ونائبان.
وأضاف كويلان أنه من المقرر أن تقود “جبهة تحرير مورو الإسلامية”، سلطة بنجسامورو خلال المرحلة الانتقالية، وسيخول لها إدارة مناطق الجنوب حتى انعقاد الانتخابات عام 2022م، ومن المقرر أن تخصص لها موازنة من الحكومة باعتبارها هيئة تنفيذية وتشريعية مؤقتة أو انتقالية خلال السنوات الثلاث المقبلة.
وأشاد كويلان بالخطوة التي وصفها بالإيجابية خلال هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها مسلمو الفلبين ويترقبون مستقبلهم، وهي أن كلاً من جبهتي تحرير مورو الإسلامية، وتحرير مورو الوطنية اتفقتا على العمل معاً لتحقيق وضع أفضل للمسلمين، وبذل كل الجهود الممكنة من أجل الاستفتاء وتعريف المواطنين بضرورة المشاركة وليكون التصويت بنعم من أجل واقع جديد أفضل لمسلمي البلاد، ودعا المسلمين حول العالم إلى مساندة مسلمي الفلبين لا سيما في الجنوب، والتعريف بواقعهم وقضاياهم ومساندتهم إعلامياً.
ووفق القانون، سيكون للمنطقة نظامها القضائي المستمد من الشريعة الإسلامية، مع عدم معارضة الدستور الفلبيني، بالتوازي مع المحاكم المدنية، وباستثناء الحالات التي ترتبط بغير المسلمين الذين يخيرون بين النظام القضائي الإسلامي أو الوطني.
وسيمنح القانون الجديد 75% من إيرادات المنطقة لشعب مورو، والبقية للحكومة المركزية، مقارنة بنسبة 70% ممنوحة للحكم الذاتي الحالي، إضافة إلى تخصيص 5% من إيرادات الحكومة المركزية للحكم الذاتي الجديد من دون شروط مسبقة، وموازنة تنموية أخرى قيمتها خمسة مليارات بيسو فلبيني سنوياً ولمدة عشر سنوات.
ويستثنى من حقوق وصلاحيات الحكم الذاتي الجديد الجيش والشرطة، حيث ستظل المنظومة الأمنية والدفاعية تابعة للحكومة المركزية، كما ستبقى موارد الطاقة المتجددة والطاقة الكهربائية المولدة مائياً تحت إدارة مشتركة مع الهيئات المركزية.
ويعتبر الاستفتاء الذي يبدأ أول أيامه غداً، تتويجاً لإقرار “قانون بانجسامورو الأساسي” في 18 يوليو 2018م، عندما أقرته اللجنة المشتركة من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب، تبعها التصديق على القانون في أواخر نفس الشهر من قبل الرئيس رودريجو دوتيرتي.
وجاء إقرار القانون بعد نحو 42 سنة من أول اتفاق سلام تم توقيعه في 23 ديسمبر 1976م بين الحكومة الفلبينية وجبهة تحرير مورو الوطنية، في ليبيا، كان يقضي بإقامة حكم ذاتي في إقليم منداناو، لكن تقلصت المساحة المخصصة لهذا الحكم إلى حوالي 30% من مساحة منداناو البالغة 117 ألف كم، وهو الحكم الذاتي القائم منذ عام 1990م.
كما جاء بعد نحو 6 سنوات من الاتفاق الإطاري حول بانجسامورو، الذي تم توقيعه بين جبهة تحرير مورو الإسلامية والحكومة الفلبينية في أكتوبر 2012م، ثم تبعه الاتفاق الشامل في 27 مارس 2014م، وهذه الاتفاقات تقضي بإقامة “كيان بانجسامورو السياسي” الجديد، على أنقاض “الحكم الذاتي” لإقليم منداناو القائم منذ عام 1990م.
جبهة مورو الوطنية
تأسست “جبهة تحرير مورو الوطنية” 1962م، مجموعة من الطلاب، وبعد مواجهات مسلحة وتفاوض، تم توقيع اتفاق للسلام في 23 ديسمبر 1976 بين الحكومة الفلبينية وجبهة تحرير مورو الوطنية في طرابلس ليبيا، يقضي بإقامة حكم ذاتي في إقليم منداناو.
جبهة تحرير مورو الإسلامية
في عام 1978م انسحب الشيخ سلامات هاشم (نائب رئيس جبهة مورو الوطنية) وقتها، من الجبهة حيث رأى أن الاتفاق الذي جرى توقيعه لا يكفل حقوق المسلمين، وأسس وآخرين جبهة تحرير مورو الإسلامية، والتي بدورها دخلت في مواجهات جديدة مع الحكومة الفلبينية، إلى أن بدأت المفاوضات بينهما في عام 1997م، حتى تم توقيع الاتفاق الإطاري حول بانجسامورو في أكتوبر 2012م.