بعد إلغاء حركة طالبان محادثات سلام كانت مقررة مع مسؤولين أمريكيين، في قطر، بسبب إصرار واشنطن على ضرورة إشراك حكومة كابل في تلك المحادثات، تحاول باكستان زيادة الضغط على الحركة لقبول التفاوض بشكل مباشر مع الحكومة الأفغانية، من أجل تحقيق السلام وإنهاء الحرب التي طال أمدها.
ورغم فشل محاولتها الأولى في إقناع طالبان بقبول الحكومة الأفغانية في عملية المصالحة، إلا أن باكستان، بحسب مسؤولين، لن تفقد الأمن وستواصل الضغط على الحركة بهدف استئناف عملية السلام.
وترفض طالبان إجراء محادثات مع الحكومة الأفغانية التي تصفها بأنها “دمية” بيد قوى أجنبية، وتشترط الحركة خروج القوات الأجنبية وعلى رأسها أمريكا من أفغانستان، بالمقابل تطالب واشنطن طالبان بإجراء مباحثات مباشرة مع حكومة كابل.
وقال مسؤول كبير في الجيش الباكستاني، للأناضول: “لم نيأس بعد رغم رفض طالبان التام(للتفاوض المباشر). نحاول إيجاد حل وسط لاستئناف عملية السلام على الأقل”.
وأضاف المسؤول الذي فضل عدم الكشف عن هويته أن إسلام أباد تحاول ترتيب لقاء بين طالبان، والمبعوث الأمريكي للسلام في أفغانستان، زلماي خليل زاد، في مسعى منها لكسر الجمود والخروج من المأزق.
ومضى في القول: “نرى أنه ينبغي على طالبان أن توافق على عقد اللقاء. لقد قمنا بالفعل بنقل الرسالة لطالبان، التي قالت إنها تحتاج بعض الوقت للتشاور مع مجلس الشورى كي تتخذ قرارًا بهذا الشأن”.
وتوقع المسؤول العسكري أن يعقد اللقاء بين الطرفين (طالبان وخليل) هذا الأسبوع أو الذي يليه، إما في إسلام أباد، أو في مكان محايد آخر”.
ووصل مبعوث السلام الأمريكي إسلام أباد، الخميس وأجرى محادثات مع القيادة الباكستانية طالبًا مساعدتها في إحضار طالبان إلى طاولة المفاوضات.
وسبق أن أجّل المبعوث الأمريكي زيارته التي هي الخامسة من نوعها، في الأشهر القليلة الماضية، مرتين، ليتيح الفرصة لزعماء طالبان بالتشاور مع بعضهم البعض بشان اللقاء المقترح بينه وبين الحركة.
المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد رفض طلب واشنطن استئناف المحادثات متهمًا إياها بـ”الابتعاد عن جدول الأعمال ” وبـ”إضافة مواضيع جديدة بشكل أحادي”.
وردّ خليل زاد على هذا الموقف بالقول “إذا كان مسلحو طالبان يريدون التحدث، سنتحدث. إذا أرادوا القتال، سنقاتل. نأمل أن يكونوا يريدون إرساء السلام”.
وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أكدت باكستان أنها رتبت محادثات مباشرة نادرة بين واشنطن وطالبان تمهد الطريق لتسوية متفق عليها للنزاع الذي دخل عامه الثامن عشر.
** تزايد الضغوط
بدوره يرى رحيم الله يوسف زاي، الخبير بالشؤون الأفغانية ومقره بيشاور(الباكستانية) أن الضغوط على طالبان من الولايات المتحدة وإسلام أباد تتصاعد والتي قد تجبرها على إجراء محادثات “رمزية” مع الحكومة الأفغانية.
وأضاف في حديث مع الأناضول: “اللقاء مع زلماي خليل زاد وارد جدًا. لكن المسألة الرئيسية هي إشراك الحكومة الأفغانية في عملية السلام، والتي يصعب على طالبان قبولها”.
“لكن في الوقت نفسه لا تستطيع طالبان تحمل استياء إسلام أباد بالكامل، وتحمل المزيد من المداهمات والاعتقالات. لذلك، إذا زاد الضغط ، فقد توافق على عقد اجتماع واحد على الأقل مع الحكومة الأفغانية”.
الخبير الباكستاني كان يشير بذلك إلى الأنباء غير المؤكدة عن حملات الاعتقال التي طالت زعماء بطالبان في باكستان، وهو ما أجبرهم على إجراء محادثات مع الولايات المتحدة.
ومضى يوسف زاي بالقول إن طالبان قد تضع شروطًا ومطالب من الحكومة الأفغانية من المستحيل على كابل أن تطيقها.
وتابع: “في تلك الحالة، فإن الجهود برمتها ستصبح غير مجدية”.
يشار أن الحكومة الباكستانية كانت توسطت للجولة الأولى من المحادثات المباشرة بين الحكومة الأفغانية وطالبان، في إسلام أباد عام 2015، إلا أن العملية انهارت بعد إعلان طالبان مقتل زعيمها الملا عمر، ما أثار نزاعًا مريرًا على السلطة داخل الحركة.
وتراجعت فرص استئناف عملية السلام المتوقفة بعد مقتل الملا منصور خليفة الملا عمر، في هجوم بطائرة أميركية بدون طيار العام الماضي في باكستان، بالقرب من الحدود الأفغانية.
ومنذ ذلك الحين، تم القيام بمحاولات عديدة لاستئناف عملية السلام المتعثرة من قبل مجموعة تضم أربع دول هي: من باكستان وأفغانستان والولايات المتحدة والصين.
وحتى اليوم، باءت جميع تلك المحاولات بالفشل، باستثناء بضع جولات من المحادثات المباشرة بين الولايات المتحدة وحركة طالبان.
وفتحت الحركة جبهات قتالية جديدة في عموم البلاد التي مزقتها الحرب، خلال الأشهر الأخيرة، في الوقت الذي تكافح فيه قوات الأمن الأفغانية، التي تكبدت خسائر في الأرواح والانشقاقات، من أجل صد التمرد الذي أعيد تنشيطه.
يذكر أن السلطات الباكستانية أطلقت سراح اثنين من كبار قادة طالبان، بما فيهم القيادي البارز، الملا عبد الغني برادر، الذي شغل منصب نائب مؤسس الحركة الراحل الملا عمر، في أكتوبر الماضي بناء على طلب الولايات المتحدة، للمساعدة في تسهيل عملية السلام الأفغانية.