قبيل دقائق من أذان المغرب، وبالقرب من ركام منزلها المدمّر، بمدينة رفح جنوبي قطاع غزة، جلست عائلة “زعرب” حول طاولة بلاستيكية صغيرة وضعت عليها طعام الإفطار.
لم يستطع أطفال العائلة الثلاثة أن يشيحوا بأبصارهم عن مشهد الدمّار، الذي خلّفه التصعيد الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، قبل نحو أسبوعين.
عيون لامعة، تستذكر شهور رمضان السابقة، التي قضوها داخل منزلهم، وخلفهم تتلألأ زينة رمضان المعلّقة على الجدران والسقوف.
الكثير من الأسئلة كانت تراود أذهان الأطفال، ليسأل أحدهم والده بتمتمة: لماذا حدث هذا كلّه؟ أين منزلنا؟ لماذا دُمّر؟
لم تنته حالة الحسرة، لكنّ صيام يومهم هذا انتهى وصدح صوت الأذان، فيما لم يعرفوا كيف يبتعلون طعام الإفطار وأرواحهم تخنقها الأسى، كما قال موسى زعرب (30 عاماً) لوكالة “الأناضول”.
وفي الخامس من مايو الجاري، دمّرت المقاتلات الإسرائيلية الحربية عمارة عائلة “زعرب” برفح، المكوّنة من طابقين.
كانت العمارة تضمّ 4 شقق سكنية، فيما يزيد عدد سكانها على الـ20 فرداً، بمن فيهم عائلة “موسى” المكوّنة من 5 أشخاص بينهم ثلاثة أطفال أكبرهم سبع سنوات، وأصغرهم ثلاث سنوات.
بين الركام
لم يتخيل زعرب يوماً أن يقضي رمضان فوق ركام منزله المدمّر، برفقة أفراد عائلته، دون الشعور بأجواء الفرحة، كما قال.
وهو يشير بيده للركام، يضيف زعرب: العام الماضي في شهر رمضان كنا أسرة واحدة مع أسرتي وأشقائي المتزوجين في منزلٍ واحد، لكن اليوم بلا مأوى مشتتين.
هذا المنزل الذي أُحيل إلى ركام، يُخبّئ تحت أنقاضه الكثير من القصص والحكايات التي عشناها بحلوها ومرّها، يضيف زعرب.
وقال في هذا الصدد: أشعر بظلم كبير ووجع وألم لما حل بنا وبأطفالي وبقية عائلتي، ما يحدث لم يكن متوقعًا أو أتصوره في أي لحظة، لأننا مدنيون مسالمون كأي فلسطيني من المفترض أنه آمن في بيته وبين أسرته.
يشعر زعرب بالكثير من العجز، حينما يسمع شكوى أطفاله من البرد ليلاً، بينما يراهم يهربون إلى منازل الجيران في النهار بسبب الحر.
وتحاول العائلة، بحسب زعرب، أن تعيد أطفالها إلى حياتهم الطبيعية قبيل القصف، بقدر الإمكان، كي ينسوا ما حدث، لكن مشهد الدمار والركام الذي كُوّم فوق بعضه بعضاً، سيبقى يذكّرهم بهذه المأساة.
ووصف ما حدث معهم كعائلة بـ”الجريمة”، ويضيف: أين مؤسسات حقوق الإنسان وحقوق الطفل؟ لماذا لم تتحرك حتى الآن لحماية الأطفال وتوفير الحياة الكريمة لهم، ومنع المزيد من الجرائم؟
لحظة القصف
ما زالت الليلة التي دُمّر فيها المنزل ماثلةً أمام عيني زعرب، وحاضرة في ذهنه.
ويوضح أن اتصالاً هاتفياً بدد سكون تلك الليلة، ليظهر أن المتصل من الجيش الإسرائيلي، الذي طالبهم بإخلاء المنزل خلال دقائق.
وهرع جميع سكان المنزل “العشرين”، والجيران الملاصقين لهم أيضاً، بالفرار، بملابسهم فقط، دون إنقاذ أي من المستلزمات أو المدخرات داخل المنزل، كما يقول.
مسافة صغيرة، قطعها هؤلاء المفزوعون، بعيداً عن المنزل، حتّى سقط صاروخ من طائرة “استطلاع” عسكرية، لتتلوه بثوانٍ غارة عنيفة بمقاتلات حربية، سوّت المنزل بالأرض.
ومنذ تلك اللحظة، التي انقشع فيها غبار الحرب والركام، تحوّلت حياتهم من الفرحة والأمان إلى الحزن والتشرد والخوف، كما قال.
وناشد زعرب كافة الهيئات والمؤسسات والجهات الحقوقية بالتدخل لإنهاء المأساة التي يعيشونها.
وشهد قطاع غزة، بداية الشهر الجاري، تصعيداً عسكرياً استمر نحو 3 أيام، شن خلاله الجيش الإسرائيلي غارات جوية ومدفعية عنيفة على أهداف متفرقة أسفرت عن استشهاد 27 فلسطينياً.