يعاني اللاجئون الفلسطينيون في قطاع غزة، الذين يشكلون حوالي ثلثي السكان، أوضاعا قاسية، وظروفا معيشية واقتصادية صعبة.
ويصل عدد اللاجئين في قطاع غزة إلى 1.4 مليون لاجئ، من أصل (مليونان هم عدد السكان)، يعتمد مليون منهم على المساعدات الغذائية، بحسب البيانات الرسمية.
ويصادف الخميس، اليوم العالمي للاجئين، 20 يونيو من كل عام، والذي يأتي في ظل تعرض قضية اللاجئين الفلسطينيين، لمخاطر كبيرة، جراء المساعي الأمريكية والإسرائيلية لتصفيتها، عبر محاربتهما لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
وفي 31 أغسطس 2018، قررت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، وقف تمويلها كليا عن “أونروا”؛ بدعوى معارضتها لطريقة عمل الوكالة، التي تواجه انتقادات إسرائيلية؛ فيما تطالب “إسرائيل”، علانية، بإنهاء عملها.
ويقول الفلسطينيون: إن تلك الخطوة الأمريكية تستهدف تصفية حق عودة اللاجئين إلى القرى والمدن التي هُجروا منها في عام 1948، وهو عام قيام “إسرائيل” على أراضٍ فلسطينية محتلة.
وتأسست “أونروا” بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949، لتقديم المساعدة والحماية للاجئين الفلسطينيين في مناطق عملياتها الخمس، وهي: الأردن، سورية، لبنان، الضفة الغربية، وقطاع غزة.
مخيم الشاطئ
مخيم الشاطئ، غربي مدينة غزة، والذي أُقيم على مساحة لم تتجاوز كيلومتراً مربعاً، يعتبر ثالث أكبر المخيّمات الثمانية بغزة، وواحد من أكثرها اكتظاظاً بالسكان.
شيماء مقداد (27 عاماً) تخرج، صبيحة كل يوم، لتنشر الثياب (المغسولة) على حبلٍ عُلّق على الحائط المقابل لباب المنزل الخارجي، بسبب ضيق مساحة المنزل.
وفي مشهد آخر، يجلس فايز مقداد (58 عاماً)، بجانب طاولة صغيرة (بسطة) وضع عليها بعض المواد الغذائية، بهدف بيعها لكسب لقمة العيش.
منذ 50 عاماً، يعمل مقداد بهذه المهنة، بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية.
تفاصيل الحياة
جمال عليان (64 عاماً)، يقول: إن سكان المخيم يعانون من الفقر الشديد، بسبب انعدام فرص العمل، وارتفاع نسب البطالة، واشتداد الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع.
وفي فصل الصيف، ترتفع نسبة الرطوبة داخل منازل المخيم، المتلاصقة إلى جانب بعضها البعض، وتصبح الحياة فيها مُرهِقة.
كما أن الحشرات، تنتشر في المخيم بشكل كبير في فصل الصيف، مسببةً ازعاجاً كبيراً لسكانه.
ويهرب سكان المخيم، وفق عليان، من هذا الوضع وارتفاع درجات الحرارة، إلى الشارع وشاطئ البحر؛ رغم تلوثه بمياه الصرف الصحي.
ويقول عن ذلك: حتّى البحر، المنفذ الوحيد لنا، ملوث بمياه الصرف الصحي، التي تُضخ فيه بفعل أزمة الكهرباء.
ويحظر عليان على أحفاده السباحة في البحر، نظرا للمخاطر الصحية المترتبة على ذلك.
وفي إطار آخر، يشير عليان إلى ملوحة مياه الشرب التي تصل إلى المنزل ما يجعلها غير صالحة للاستخدام الآدمي، الأمر الذي يدفعه لشراء المياه العذبة بشكل أسبوعي بمبلغ يقدّر بـ(4 دولارات أمريكية).
مهنة الصيد
صخر مقداد (32 عاماً)، يعمل في مهنة الصيد، وهو معيل لـ7 أفراد، يقول: إن الظروف المعيشية في مخيم الشاطئ قاسية للغاية.
ويقول: اللاجئون فقراء، وعلى الرغم من أهمية قضيتهم على المستوى السياسي، إلا أنها لم تلقَ الاهتمام المطلوب.
ويقدّر مقداد أن غالبية فئة الشباب في هذا المخيم اتجهوا للعمل في مهنة الصيد، بسبب ندرة توافر فرص العمل، وتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.
وتعاني مهنة الصيد من انتهاكات إسرائيلية متعددة تمثّلت آخرها بإغلاق البحر في وجه الصيادين الأربعاء الماضي، ومنع الصيد لمدة أسبوع كامل.
ويقول: في فترة الإغلاق، كي لا يموت أطفالنا من الجوع، نخاطر بأرواحنا وحياتنا ونركب البحر، من أجل توفير لقمة العيش التي تكفل لنا حياة كريمة وميسورة.
ويتعرض الصيادون في بحر غزة، لملاحقة وإطلاق للنيران، واعتقالات، من قبل الجيش الإسرائيلي.
واستكمل مقداد قائلا: الوضع جدا سيء ومتدهور، ولم يعد هناك فرق بالنسبة لنا إن كنا أحياء أم أموات (..) معظم أطفال المخيم محرومون تماما من تنمية مهاراتهم اليومية أو التوجه للنوادي الرياضية والثقافية.
وارتفعت نسبة البطالة في غزة في الوقت الحالي، إلى نحو 52 بالمئة، وتخطت نسبة الفقر الـ80%، حسب كل من المركز الفلسطيني للإحصاء (حكومي)، واللجنة الشعبية لرفع الحصار عن غزة (غير حكومية).
ووفقاً لتقرير أصدره برنامج الغذاء العالمي، التابع للأمم المتحدة، 19 ديسمبر الماضي، فإن نحو 70% من سكان غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
تناقضات حياة المخيم
ورغم تلك المعاناة، فإن الصياد مقداد، يقول: إن السكان يحاولون التغلب على الظروف الصعبة.
ويقول في ذلك: إنه يلتقي صباح كل يوم، عقب عودته من البحر، بجيرانه ويجلس في هذا الزقاق، لشرب القهوة وتجاذب أطراف الحديث.
ومن اللافت مشاهدة العشرات من كبار السن والشباب، أمام منازلهم يحتسون القهوة أو الشاي برفقة جيرانهم.
ميسّر الخالدي (65 عاماً)، واحدة من هؤلاء، تخرج صباح كل يوم لتشرب الشاي برفقة جاراتها.
الخالدي، تعيش في المخيم منذ عام 1970، وتعتقد أن الوضع العام للمخيم اختلف تماماً مقارنة بتلك الفترة.
وتقول: إن الفترة السابقة كانت أوضاع اللاجئين الاقتصادية أفضل بقليل، حيث كانت فرص العمل متاحة أمام العمّال، لكن اليوم تجد الشباب الذين نالوا شهاداتهم الجامعية يعجزون عن إيجاد أي عمل.
“انعدام الأمل، والإحباط”، عاملان سيطرا على حياة سكان مخيم الشاطئ بسبب الوضع العام للقطاع الاقتصادي والمعيشي، فأفقدوها جمال تلك الأيام السابقة، كما تقول الخالدي.
لكن الخالدي ما زالت، ترى في حياة المخيم، التي تلتصق فيها منازل اللاجئين إلى جانب بعضها بعضاً نوعاً خاصاً من الجمال، والمتمثّل بالتآخي والتعاضد بين سكّانه.
وبابتسامة تقول: ما زالت الحياة هنا جميلة، رغم كل المنغّصات، ورغم كافة المعاناة التي نعيشها.
وتضيف قائلة: هنا العلاقات الاجتماعية تجدها قوية، وهذا أكثر ما يجعل الحياة هنا جميلة، دائما ما يسأل الجار عن جاره، ومن يملك رغيفا يطعمه اليوم يقتسمه مع الآخر.
ثلثا غزة من اللاجئين
تقول ميلينا شاهين، مديرة الإعلام في وكالة الغوث (أونروا) بغزة: إن قطاع غزة يضم نحو 1.4 مليون لاجئ فلسطيني من حوالي مليوني مواطن؛ ما يعني أن ثُلثي سكان غزة من اللاجئين.
وأضافت، في حديثها لوكالة “الأناضول”: الوضع الإنساني والمعيشي في غزة ليس سهلاً، الأمم المتحدة حذرت عام 2012 أنه بحلول عام 2020 قد تصبح غزة مكانا غير صالح للعيش فيه.
ونظرا لصعوبة الظروف المعيشية، توضح شاهين أن ما يزيد عن مليون لاجئ يعتمدون على المساعدات الغذائية التي تقدمها “أونروا”.
واستكملت قائلة: هذه المساعدات تحافظ عليها “أونروا”، بقدر الإمكان، لم تتوقف المساعدات لأننا نعرف أن العديد من العائلات بحاجة ماسة إليها.
وذكرت أن عدة جوانب في موازنة “أونروا” تتأثر بالنقص الشديد في التمويل؛ لكن وكالة الغوث أعطت برنامج المساعدات الغذائية “أهمية بالغة، وحافظت عليه لمعرفتها التامة بأهميته بالنسبة للاجئين”.
وتقول شاهين: إن هناك عدة عوامل في غزة تجعل الحياة صعبة، وتؤثر على اللاجئين، الذين هم جزء لا يتجزأ من سكان القطاع، وتدفعهم للإحباط.
واستكملت قائلة: موضوع المياه غير الصالحة للشرب، التدهور الصحي، الحصار المفروض على القطاع، البطالة المتزايدة في صفوف النساء والشباب حيث يعتبر هذا الموضوع مقلقا للعائلات.
وتوضح أن كل تلك العوامل مجتمعة أدت إلى انعدام الأمل لدى العديد من سكان القطاع، من ضمنهم اللاجئين.