تمسك المعلمة لولو حرارة، بقلم إلكتروني، تمرره بدقة على شاشة إلكترونية صغيرة، وتشرح به إحدى قواعد اللغة الإنجليزية، خلال درس ينقل عبر إذاعة التربية والتعليم في غزة “FM”، وكذلك تقنيات البث المباشر، عبر منصات التواصل الاجتماعي.
خارج غرفة البث، الواقعة في مقر الإذاعة غربي مدينة غزة، كان فريق تقني وفني، يتابع بدقة تفاصيل الصوت والصورة، اللذين ينشران بالتوازي عبر الأثير ومنصات التواصل، فيما ينشغل أحدهما في استقبال اتصالات ورسائل الطلبة، ويمررها بشكل فوري للمعلمة المذيعة.
وفي حديث للأناضول، تقول حرارة، المتخصصة في تقديم دروس اللغة الإنجليزية عبر الإذاعة، إنهم بدأوا اعتماد نمط التعليم الإلكتروني فور دخول أراضي السلطة الفلسطينية في حالة الطوارئ، وإغلاق المدارس من قبل الحكومة.
وتوضح أنها تجد في هذا النمط، طريقة مناسبة لتجاوز الأزمة، وبابا مميزا لاستمرار العملية التدريسية، إذا ما تعامل معه الطلبة وذووهم بأسلوب جدي، يمكنهم من تحقيق أقصى فائدة.
وفي 5 مارس/ آذار الجاري، أعلنت الرئاسة الفلسطينية حالة الطوارئ التي شملت إغلاق كافة المؤسسات التعليمية، في إجراء احترازي للوقاية من فيروس كورونا.
وكشفت السلطات عن إصابة 44 فلسطينيا بالفيروس في الضفة الغربية، فيما لم يتم تسجيل أي حالة في قطاع غزة.
** تجاوب من الطلبة
ويشير مدير البرامج في إذاعة وزارة التربية والتعليم هاني إسماعيل، إلى أنهم يعتمدون في بثهم الإلكتروني طرقا حديثة، تعمل على ترغيب الطلبة فيه.
ويتحدث إسماعيل، للأناضول، أن الإذاعة كانت في الفترة السابقة تعمل ضمن خطة منهجية تشمل كل أيام العام الدراسي، يتم ضمنها بث الدروس الخاصة بطلبة الثانوية العامة بكافة فروعها.
ومع بدء سريان حالة الطوارئ في أراضي السلطة، وإعلان تعطيل العملية الدراسية، لا سيما في قطاع غزة، لجأت الإذاعة إلى تطوير خطة عملها، لتشمل كل الصفوف الدراسية، كما يذكر.
ويتابع إسماعيل حديثه “البرامج التعليمية، التي تبث الآن على مدار أكثر من 12 ساعة يوميا، تستهدف الطلبة في جميع المراحل الدراسية، وفي جميع مباحث المنهاج الرئيسية، كما أنها تصل لمختلف المناطق الفلسطينية”.
** أثر إيجابي
وعن الأثر الذي تحققه تلك الشروحات الإلكترونية لدى الطلبة، يوضح أن التغذية الراجعة التي رصدوها حتى الآن كإذاعة، إيجابية بدرجة عالية.
ويضيف إسماعيل “نرصد بشكل متتابع ردود الفعل من الطلبة، الذين صاروا يواظبون بشكل دقيق على متابعة الدروس عبر الإذاعة، أو من خلال الصفحات الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي”.
ويلفت إلى أنهم بدأوا عملية البث الشاملة، قبل نحو أسبوع تقريبا، ومنذ ذلك الوقت رصدوا أكثر من مليوني مشاهدة للفيديوهات المنشورة على المنصات الاجتماعية.
كما أن عدد المتابعين لصفحة الإذاعة على “فيسبوك”، قفز خلال أيام محدودة لنحو ربع مليون، بعد أن كان سابقا لا يتجاوز 150 ألفا فقط.
وعن اختيار المدرسين، يشير إسماعيل إلى أن وزارة التعليم تتولى ترشيح الأفضل على مستوى قطاع غزة، وبعد ذلك يجرى لهم اختبار من قبل الطاقم الإذاعي، ليتم انتقاء الأنسب منهم لهذه المهمة.
ويذكر أن نحو 40 معلما يشتغلون حاليا في تقديم الدروس، إلى جانب طاقم فني وإذاعي متخصص، حيث تبلغ مدة كل درس نحو 25 دقيقة، وهي مساوية للوقت الصافي الذي يحصّله الطالب في الحصة المدرسية.
ويلفت إسماعيل إلى أن انقطاع التيار الكهربائي بين فترة وأخرى، إضافة إلى الضعف العام بشبكة الإنترنت، يعدان من بين أبرز المشاكل التي قد تواجه التعليم الإلكتروني في غزة.
ويردف “الأمر المميز في تلك العملية، والذي يمكن عبره تجاوز تلك المشاكل، هو أن جميع الفيديوهات التي تبث يتم حفظها للطلبة، حتى يتمكنوا من الرجوع إليها في أي وقت يريدون”.
** التعليم الجامعي
وفي السياق ذاته، بدأ محاضرو الجامعات استخدام التقنيات الإلكترونية، بغرض التعويض عن الدراسة النظامية المتوقفة منذ مطلع مارس.
ويقول محمد جربوع، المحاضر في قسم الإعلام والاتصال الجماهيري، في جامعة الأزهر بغزة، إنه قدم نحو “15 محاضرة” إلكترونية لطلابه، وبثها عبر موقع الجامعة، منذ تعليق الدراسة.
ويشير جربوع، إلى أن الدراسة تشهد تفاعلا كبيرا من الطلبة، وتتيح لهم رؤية المحاضرة وقتما وكيفما يريدون، وتمنحهم فرصة حضورها أكثر من مرة، وتترك لهم حرية التعليق والاستفسار، بعد رفع الحلقة على موقع الجامعة.
ويضيف “التعليم إلكترونيا، شاق دون أدنى شك، لأنه يحتاج إلى تيار كهربائي، وإنترنت بسرعة عالية، كي يتم رفع الحلقات في وقتها، بجانب البقاء متصلا بالشبكة طوال اليوم، في انتظار ردود الطلاب، والرد عليهم دون تأخير”.
ويلفت جربوع، إلى أنه يُسجل محاضرته، التي تبلغ حوالي نصف ساعة، في منزله، عند توافر التيار والإنترنت، ويضطر في حال انعدامهما إلى الذهاب لأحد المكاتب التي تقدم خدمات مجانية للصحفيين في محافظة رفح جنوبي غزة، حيث يقطن.
بدوره، قال محمد أبو عمرة (23 عاما)، الذي يدرس تخصص الخدمة الاجتماعية، في جامعة القدس المفتوحة بغزة، إنه سجل الفصل الدراسي الحالي أربع مواد دراسية، ويتلقاها جميعا، عبر موقع الجامعة إلكترونيا، منذ تعليق العملية التعليمية فيها.
ويوضح أبو عمرة، أن الجامعة عبر حساب كل طالب في موقعها، تنشر مسبقا مواعيد المحاضرات الإلكترونية.
ويتابع “هناك محاضرات تُبث مباشرة، وتبقى نسخة مسجلة منها، وأخرى يتم رفعها على موقع الجامعة مسجلة، ما ترك المجال للتعليق والاستفسار”.
** معوقات
من جهته، يشير مدرس علم الاجتماع حسام أبو ستة، إلى بعض المعوقات التي تعرقل نجاح التعليم الإلكتروني في القطاع.
ويقول أبو ستة (محاضر غير متفرغ في بعض الجامعات بغزة)، للأناضول، إن التعليم الإلكتروني يحتاج إلى “بيئة مناسبة يتوافر فيها الحد الأدنى من مقومات النجاح”.
ويضيف أن تلك المقومات تتمثل في “الكهرباء، والإنترنت، والحواسيب”، وهي غير متوافرة لجميع العائلات في القطاع، التي يعيش معظمها أوضاعا اقتصادية صعبة، ناتجة عن ارتفاع نسب الفقر والبطالة، التي تضاعفت بفعل الحصار الإسرائيلي والانقسام الداخلي.
ويشير أبو ستة، إلى إمكانية توفير تلك الإمكانات من خلال التعاون مع جهات الاختصاص في القطاع، والتي تشمل شركة الكهرباء، وشركات الإنترنت، والبنوك، التي يمكنها تقديم الحواسيب للمواطنين بالتقسيط.