ما أسهل الكلام في الفتن ونشرها! وما أسهل نشر الشبهات! وما أصعب وأشنع أفعالها وصعوبة الرد عليها وبيان خطورة تلك الشبهات والفتن! وإلا كيف هي فتنة؟!
هذا السؤال من أربع كلمات، ولكن سنرد عليه بخمسة مقالات مختصرة اختصار شديد جداً!
كثيراً ما نسمع هذه العبارات من فئتين رئيستين وتلحقها ملاحق ثلاثة إذا جاز التعبير، وكثيراً ما نسمع هذا النعيق من الفئتين الرئيستين حول الإسلام أنه جاء بالسيف والدماء حتى وصل من بعضهم القول: إن عمرو بن العاص رضي الله عنه قائد استعمار مصر! وبعضهم يصف الخلافة العثمانية أنها استعمار تركي!
قضية السيف والإسلام سهل طرحها، ولكن شائك فهمها، هذا هو أسلوب أهل الضلال من أهل البدع، فهم دائماً يعتمدون على بلادة القارئ في قضايا تحتاج إلى العمق في الاطلاع، وأحياناً إلى التفرغ للتخصص والبحث الخاص، أو بالأحرى التخصص كما أسلفنا.
هذه المقولة لها مغازٍ عديدة؛ تتفق عليها جهات عديدة لا همَّ لها إلا إقصاء الإسلام عن الحياة وليس عن السياسة فقط كما يظن البعض أو كما يتوهم! وهذه الجهات منها جهتان رئيستان ثابتتان وثلاث جهات متحركة آلياً حسب ما أرى، أما الجهات الثابتة وأبدأ بها:
1- أولها أهل الداء العضال الطائفيين من أهل البدع، فأي دين لم يكن دينهم وينصر طائفتهم فهم في حرب دائمة معه، وصحبتهم دائمة مع عدو الدين ومن يحاربه!
2- العلمانيون “الشيوعية المغلفة بألوان كثيرة”، هي تتفق مع من يدعي أنه متدين مثل أهل الداء العضال باسم أن الدين الحقيقي ما نتفق عليه نحن “العلمانيين” مع هؤلاء المتدينين الطائفيين والسلفيين المزيفين بدون شك؛ وذلك لمحاربة الدين الحقيقي الحق!
الجهات المتحركة تكتيكاً وآلياً عداء للدين:
1- عداءات نسبية إذا جاز التعبير، وهي تصدر من أقليات مسيحية في بعض الدول العربية والإسلامية وليس كل الدول، فلذلك هي نسبية؛ وتحركها يكون حسب الفرصة والقوة التي تحصل عليها.
2- المنظمات العالمية المشبوهة مثل الأندية التي تدعي الإنسانية مثل الماسونية وأنديتها، الروتاري والليونز وغيرها، وذلك لعدائها القديم للإسلام، وتأسيسها أصلاً ما كان إلا من أجل الحرب على الدين ونصرة يهود.
3- أيضاً، نسبية اختيارية، وأعني بها مرة مع الدين وأخرى ضد الدين حسب مصلحة الكرسي، وهذه نعني بها بعض المخابرات في الدول العربية والإسلامية التي تخدم كراسي الأسياد!
هذه هي الجهات التي دائماً تتقاطع مصالحها للإساءة للإسلام والدين الحق المتمثل بالكتاب والسُّنة وسلف الأمة، فبعضها ثابت المنهج بالعداء وبعضها متحرك حسب المصلحة.
للعلم أيها القارئ الكريم، خدم وعمال هذه الجهات تركيزهم يتم باستشهادهم ببعض الأحاديث والآيات القرآنية استشهادات انتقائية، علماً أن القرآن والسُّنة جاء كل منهما يكمل الآخر من حيث التبيان، وأيضا كل مصدر منهم بذاته، لذلك نرى القرآن العظيم آياته تتكامل فيما بينها لبيان المقاصد، ويشرح بعضها بعضاً وبشكل تكاملي، وكذلك السُّنة المطهرة لتتضح الرؤيا من تكاملها في هذا الأمر أو ذاك، أو هذه القضية أو تلك.
هذه مسألة فيها شيء من العناء والإشكال بالنسبة لعامة الناس من حيث الفهم وحتى لأنصاف المثقفين، أو حتى مع المثقفين غير المتخصصين في الأمر أو غير متفرغين في دراسة هذا الأمر أو العلم المعني بهذه القضية.
أضرب الأمثلة لتتضح الرؤية أو القصد بشكل أكثر ومبسط للجميع:
يقول الله تعالى في كتابه العظيم: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل: 125).
ويقول جل وعلا: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) (الأنفال: 60).
يقول جل جلاله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (التحريم: 9).
ويقول تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (العلق: 1).
ويقول تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) (فاطر: 28).
بعد هذا العرض للآيات المتنوعة تقريباً عرضتها كنبذة؛ التي تدل على تكامل فكري حضاري دعوي، تأتي تلك المجموعات التي ذكرناها أعلاه وتنتقي منها ما تريد لتقويض وإقصاء الإسلام، ولتؤكد دموية الإسلام وسيفه وتقول: انظر إلى القرآن وتستشهد بقوله تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ)، فهي دليل الإرهاب والسيف، وأنه ما انتشر إلا بالسيف والدم.
وتناقضاً منهم.. إذا غضب الدعاة وتطاولوا عليهم قالوا: اهدأ فالله تعالى قال: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.. الآية).
أما الأكثر غباء من أدعياء العلم والتذاكي؛ من يأتي لك بحديث فيه التكامل بنصه وينتقي من مفردات نص الحديث ما يجاري هواه وإلهه! كما النص الذي جاء في صحيح مسلم وهو حديث يدل على الرقي والتحضر في أصعب المواقف في الحرب والقتل، لننظر ماذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من تكامل حضاري في النص، ولكن قصور عقولهم وتعاليهم وجاهليتهم جعلتهم انتقائيين لنصرة إلههم؛ والذي هو هواهم؛ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “إذا أمر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً ثم قال: اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال فأيهم ما أجابوا فاقبل منهم وكف عنهم.. ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم” (رواه مسلم).
هذا المتذاكي يترك التكامل في لفظ الحديث وتوجيهاته عموماً ويأخذ القتال فقط، وقد يتناسى أنه لا توجد حضارة قامت على الأرض يكون أسلوبها في الحرب بهذه الطريقة، وهذا العرض الإنساني الراقي، وتعدد العرض الوافي وتنوع الاختيارات.
_____________________
(*) إعلامي كويتي.