التقيت قبل بضع سنوات مع د. عادل الزايد بأحد الفنادق في شارع الحمراء ببيروت على بوفيه الإفطار نحو الساعة 8:30 صباحاً، وقال: للتو عدت من رحلة غوص منذ الساعة السادسة صباحاً، فهي هواية لطيفة أستمتع بها عند السفر حيث يوجد متسع من الوقت، وأماكن جديدة أستكشفها.
ودار حوار لطيف حول حبه للاستكشاف والرحلات، مشياً على الأقدام تارة، وبالدراجة تارة أخرى، وهي هواية مقرونة بالتدريب والمعرفة والقراءة والثقافة، وليست مبنية على ترف فكري، بقدر الاستزادة العلمية وسعة الأفق؛ لذا أجده مليئاً بالثقة بالنفس فيما يقول، كيف لا وهو استشاري الطب النفسي الذي خسرته كلية الطب بجامعة الكويت.
إن ممارسة أي هواية لدى الفرد تعزز الثقة والصحة النفسية لديه، رجلاً كان أم امرأة، كبيراً أم صغيراً، عالماً أم مثقفاً أم بسيطاً، غنياً أم متوسطاً أم فقيراً، متديناً أم غير ذلك، لذا نجد كبار الزعماء يمارسون هوايات خاصة بهم، كل وفق قدراته البدنية والذهنية والحركية، فهذا الأمير تشارلز، أمير ويلز ولي عهد بريطانيا، يمارس رياضة البولو والرسم، والرئيس الروسي بوتين يمارس رياضة التنس والجودو، والرئيس حسني مبارك كان يمارس رياضة الإسكواش، والسلطان عبدالحميد الثاني النجارة، والمغفور له بإذن الله الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، رحمه الله، كان يمارس القنص بالصقور وصيد السمك، وكذا بعض الرموز الاجتماعية مثل العم عبدالعزيز البابطين وحبه للقنص والأدب، والشيخة سعاد الصباح وحبها للأدب والشعر.. وهكذا.
وينبغي نشر هذه الثقافة بين أجيالنا، وأن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي، فلنشجع أبناءنا كلاً وفق ميوله وقدراته؛ أولاداً وبنات، ولتكن لهم أكثر من هواية منزلية وخارجية، فالهواية ليست محصورة بالرياضة فقط، بل أعتبر الرياضة مفتاحاً للحفاظ على الصحة العامة أكثر منها هواية مسلية، فهناك الرسم والقراءة والكتابة والتصميم اليدوي وبرامج الحواسيب وما أكثرها، والزراعة وصيد السمك والقنص وتربية الماشية بأنواعها، والتصوير الفوتوغرافي والفيديو، والتمثيل والخطابة والإذاعة، والخياطة والتطريز والطبخ، وقيادة الدراجات الهوائية والنارية والرياضات بأنواعها، وتصليح السيارات والآليات، حتى إنك تجد بعضهم قد وصل إلى مرحلة الاحترافية في الهواية التي يمارسها، ويقدم الابتكارات الجديدة.
وهناك هوايات تمارس بشكل منفرد، وهوايات جماعية، وكل له ميزته ونقل الخبرات من الآخرين، والاستمتاع الجماعي بممارسة الهواية، مثل فرق الدراجات النارية، ومشروع «واثق» لتعزيز القيم في المدارس، وفرق إعادة التدوير.. وغيرها، وكلها ثبت علمياً دورها في تعزيز الصحة النفسية لدى ممارس الهواية مهما صغرت أو كبرت، فردية أو جماعية، وتعزز الثقة بالنفس والقدرة على الإنجاز، وعدم الشعور بالفشل أو الهوان أو الاتكالية.
لذا، مطلوب من مؤسسات الدولة دعم مثل هذه الهوايات وتسهيل ممارستها عند الحاجة، ورعاية المؤسسات الاستثمارية لها مادياً، وتشجيع مؤسسات المجتمع المدني لها معنوياً ومكانياً، فبتعزيزها تقل المشكلات الاجتماعية والسلوكية السلبية لدى أفراد المجتمع، وخصوصاً التنمر.
مارس هواية تعزز الثقة لديك والصحة النفسية مهما كانت، وابدأ من الآن لو كنت غير ممارس لها، فستشعر بالفرق الكبير لديك ولدى من تتعامل معه، ولا تستسلم لأي إحباط، واستمتع بها وادع لي.
_____________________________
يُنشر بالتزامن مع صحيفة “الأنباء” الكويتية.