بينما يغرق لبنان في أزمة اقتصادية وسياسية منذ أكثر من عام، أزمة أخرى تتسلل بين المواطنين مرتبطة بالبيئة، سببها تفاقم مشكلات التلوث والتغاضي عن معالجتها.
أبرز تلك المشكلات عدم معالجة أزمة النفايات بشكل جذري، واستمرار تلوث نهر الليطاني (أطول نهر في لبنان)، وتضاعف نسب التلوث الحاد في الهواء.
وبحسب مسؤولين وخبراء، فإن التلوث يزيد من معاناة السكان الصحية والاقتصادية، فيما الجهات الرسمية المعنية غائبة عن اتخاذ التدابير المناسبة لوقف التدهور البيئي.
ليست أولوية
مقرر لجنة البيئة في البرلمان قاسم هاشم، رأى أن حكومة تصريف الأعمال الحالية لا تضع قضايا البيئة من ضمن أولوياتها، لكنه أشار إلى أن التلوث في لبنان مزمن ويزداد تفاقماً.
وقال هاشم في حديثه لـ”الأناضول”: للأسف، استقالة الحكومة وتعثر تشكيل حكومة جديدة جعل الاهتمام بالبيئة خارج الأولويات، مضيفاً أن المشكلات البيئية زادت إلى حد ما بسبب الأزمة التي تمر فيها البلاد.
في 10 أغسطس 2020، استقالت حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة حسان دياب، بعد 6 أيام على انفجار مرفأ بيروت الكارثي؛ وحتى اليوم، لم تُشكل حكومة جديدة بسبب خلافات سياسية بين الأحزاب الأساسية.
ومنذ أكثر من عام، يعاني لبنان أزمة اقتصادية حادة، أدت إلى انهيار مالي وخسائر كبيرة في أموال المصرف المركزي، كما تشهد البلاد احتجاجات شعبية بين الحين والآخر تُرفع فيها مطالب اقتصادية وسياسية.
مرفأ بيروت
المتخصصة في دراسة نوعية الهواء البروفيسور نجاة صليبا، قالت: إنه بين عامي 2017 و2020 زاد تلوث الهواء بنسبة 50% بحسب دراسة أجرتها على عينات مأخوذة من مدينة بيروت.
ولفتت صليبا، وهي أستاذة مادة الكيمياء في الجامعة الأمريكية في بيروت، إلى أنه في الفترة الأخيرة انخفضت أعمال كنس الشوارع، وزاد تكدس النفايات، وارتفعت أعداد المولدات الكهربائية التي تعمل على الوقود السائل.
أما في المنطقة المتضررة من انفجار مرفأ بيروت، فقد زاد تلوث الهواء بنسبة 150%، بسبب الغبار الناتج عن الانفجار والدمار وأعمال رفع الركام، وفق صليبا.
وتسبب انفجار مرفأ بيروت الذي وقع في الرابع من أغسطس الماضي، بمقتل 200 شخص وإصابة 6 آلاف آخرين، وأضرار مادية هائلة في الأبنية السكنية والمؤسسات التجارية.
يضاهي وباء كورونا
مدير برنامج الحملات في الشرق الأدنى بمنظمة غرينبيس الدولية جوليان جريصاتي، قال: إن لبنان يسجل أعلى نسب تلوث في الهواء في منطقة الشرق الأوسط، والسبب في ذلك، غياب مصادر الطاقة المتجددة والصديقة للبيئة.
وفي مقارنة للدلالة على خطورة التلوث، قال جريصاتي: إن تلوث الهواء في لبنان يسبب سنوياً حالات وفاة أكثر مما تسببه جائحة كورونا، في ظل الأزمة الاقتصادية والصحية (جائحة كورونا)، أصبحت قضايا البيئة في أدنى الأولويات عند المسؤولين وأصحاب القرار، وفق تعبيره.
وحسب تقرير أصدرته المنظمة ذاتها صيف 2020، بلغ متوسط عدد الوفيات المبكرة في لبنان نتيجة تلوّث الهواء 2700 حالة عام 2018، أي بمعدل 4 وفيات لكل 10 آلاف شخص، ويعتبر ذلك من أعلى المعدلات في المنطقة.
أطول نهر في لبنان
كما يعاني نهر الليطاني أطول وأكبر نهر في لبنان (طوله 170 كلم) من تلوث حاد، ما أفقده دوره كشريان حياة أساسي في البلاد لتأمين مياه الشرب والري وتوليد الكهرباء.
وبحسب مدير عام المصلحة الوطنية لنهر الليطاني (جهة رسمية) سامي علوية، فإن الأزمة الاقتصادية في البلاد شكلت ذريعة بالنسبة للوزارات المعنية والمتعهدين، لعدم تنفيذ تدابير معالجة التلوث ووقف الصرف الصحي والصناعي الذي يصب بالنهر.
وأضاف علوية لـ”الأناضول” أنه في ظل الأزمة، زاد انتشار مكبات النفايات العشوائية على ضفاف النهر، مما استوجب مضاعفة تحرك فرقنا لمنع ذلك، لكنه أشار إلى أن الأمور تتفاقم.
ويفتك تلوث نهر الليطاني بصحة المواطنين في المناطق القريبة منه والتي تشكل حوالي 20% من مساحة لبنان.
وبحسب علوية، هناك آلاف الإصابات بالأمراض السرطانية في البلدات المحيطة القريبة من النهر، مشيراً إلى أنه في بلدة واحدة (من أصل 296) سُجل 600 إصابة.
وأشار إلى أن 20% من المزروعات في منطقة البقاع (شرق ووسط لبنان)، تُروى من مياه الليطاني الملوثة، وبالتالي هي غير صالحة للاستهلاك البشري.
ومن الأضرار الاقتصادية لتلوث النهر، انهيار الثروة السمكية وفقدان عشرات العائلات لمصدر رزقهم بعدما كانوا يعتمدون على صيد الأسماك، وفق علوية.
النفايات تتكدس
ومنذ عام 2015، يعاني لبنان أزمة نفايات، حيث تشهد بعض المناطق تكدساً للنفايات بين الحين والآخر، ويرى خبراء أن التخلص من النفايات في لبنان لا يتم بطريقة تراعي الشروط البيئية وتسبب أضرارا صحية.
وقال رئيس الحركة البيئية اللبنانية بول أبي راشد، للأناضول، إن مكبات النفايات العشوائية انتشرت بشكل أكبر خلال الأزمة التي تعيشها البلاد.
ووفق أرقام نشرتها وزارة البيئة في عام 2018، هناك 941 مكباً عشوائياً ينتشر في لبنان، والعشرات منها تُحرّق في الهواء الطلق بمعدل مرة واحدة في الأسبوع على الأقل.
وبين صيف وخريف 2020 شهد لبنان حرائق غابات أدت إلى خسارته نحو 7000 هكتار من مساحته الخضراء والأراضي الزراعية، كما تعاني العديد من الشواطئ اللبنانية من التلوث بمياه الصرف الصحي منذ سنوات.