يعاني الكثير مِن الآباء والأُمَّهات مِن بعض المشكلات مع أطفالهم، ومن بين أبرز هذه المشكلات العناد وعدم الطاعة، وكذلك عدم القدرة على تنشئة الطفل بشكلٍ سليمٍ، يخرج من إطاره سويًّا مُنتِجًا ومتفاعلاً مع حياته ومتطلباتها، ومع مجتمعه.
وجذر هذه المشكلات هو عدم فهم أو معرفة أولياء الأمور للطرائق الصحيحة لتربية الطفل والتعامُل معه بشكلٍ عامٍّ.
وفي هذا الإطار؛ فإنَّ هناك عددًا من الأمور الأساسية التي ينبغي على كُلِّ أَبٍ وأُمٍّ أنْ يُدرِكاها في هذا الصدد.
وأول هذه الأمور، هو أنْ يفهما –الأبِ والأُمُّ– طبيعة الوظيفة التربوية للعقاب؛ حيث إنَّ الهدف منه ليس الإضرار بالطفل، أو معاقبته على خطأ في حدِّ ذاته، وإنَّما الهدف الأصلي من العقاب، هو إشعار الطفل بأنَّه قد ارتكب خطأً ويجب عليه عدم تكراره.
إقناع الطفل بأهمِّيَّة الدور الذي يمارسه الأبُ والأُمُّ في حياته وكسب ثقته كلها أمورٌ لها أعمق الأثر عليه إيجابًا
وهذا رُبَّما أوضح عند مربِّي الحيوانات المنزلية الأليفة؛ حيث إنَّ معاقبة الكلب أو القطة عندما يرتكب خطأً، وبالذات قضاء الحاجة في غير المكان المُخصَّص لذلك؛ لا يكون تعبيرًا من صاحبه عن الغضب منه، وإنَّما لإفهامه أنَّ هذا الفِعل خطأ، ودليل صحة ذلك، أنَّ المتخصصين في هذا المجال ينصحون هواة اقتناء الحيوانات الأليفة، بأنْ يكون العقاب على الخطأ فوريًّا؛ حتى يدرِك الحيوان بالضبط ما هو الخطأ الذي فعله، فيتفاداه فيما بعد.
وبالتالي؛ فإنَّ العقاب المادي (الضرب بالتحديد) أو المعنوي (الإهانة) ليس وسيلةً سويَّةً أو مطلوبة في التعامل مع الأطفال، ويكون تطبيقها بشكلٍ مُبالَغٍ فيه له عواقب وخيمة على علاقة الأبِ أو الأُمِّ بالابن، وعلى نفسية الابن؛ حيث ينشئ إنسانًا غير سَوِيٍّ.
ولكن، كيف –إذًا– يمكن تقويم سلوك الطفل؟
بكل تأكيد العقاب مطلوب، ولكن مفهوم العقاب نفسه، متعدد الأبعاد، وواسع.
فلو أنَّ الطفلَ أحبَّ والدَيْه؛ فإنَّ أسوأ ألوان العقاب التي يمكن أنْ يتعرَّض لها، وتكون ذات تأثيرٍ وفاعلية عليه؛ هو أنْ يشعره الأبُ أو الأُمُّ بأنَّه أو بأنَّها قد تضايقت منه، أو أصابها الحزن مما فعل. وقتها لن يكرِّر الخطأ مهما كانت جاذبيته له.
وبشكل ما؛ فإنَّ التربية على أسس تحسين العلاقة بين الآباء والأُمَّهات وبين الأطفال، هي مِن أنسب طرائق تربية وتنشئة الطفل، وأنْ يكبُرَ سويًّا، بل وأنجحها.
ومن بين أبرز وسائل ذلك، هو إشعار الطفل بما يقوم به الأبُ والأُمُّ لأجله، وما يبذلانه من جهدٍ وتضحياتٍ من أجل تربيته، ومن تلبية احتياجاته.
وهنا بعض الأدوات التي قد تبدو بسيطة أو لطيفة الطابع، بينما هي على أكبر قدرٍ من الأهمية، مثل أنْ يعرف الطفل أنَّ “بابا يتعب من أجل أنْ يشتري له الألعاب الجميلة”، وأنَّ “لولا ماما؛ لكان طفلاً قبيحًا غير نظيف، وغير مُهَندَّم”.
يأتي بعد ذلك، نقطة مهمة لا يدركها غالب الآباء والأُمَّهات، وهي أنَّ الأفضل للطفل في المعاملة، أنْ تتمَّ معاملته معاملة الكِبَار؛ لا أنْ يتمَّ إشعاره بأنَّه طفلٌ، كما يجب ألا يتمَّ التعامل مع طفل “التابلت” وعصر التقنية والرقميات، بطريقة الحديث المعسول الساذج المبالَغ فيه، والذي يتجاوز حقيقة أنَّ هذا الطفل، في هذه السِّنِّ، يعرف أكثر مما كُنَّا نعرفه ونحن في مثل عمره.
الأفضل للطفل أنْ تتمَّ معاملته معاملة الكِبَار لا أنْ يتمَّ إشعاره بأنَّه طفلٌ
ومن ذلك إشعار الطفل بعنصر المسؤولية، بحيث يتم –تدريجيًّا، ووفق قدراته البدنية والنفسية بحسب المرحلة السِّنِّيَّة التي هو فيها– نقل بعض المهام المتعلِّقة برعايته إليه، مثل ترتيب غرفته أو الاستحمام أو الذهاب إلى المدرسة أو النادي، وغير ذلك مِن المهام التي يرى الأبُ والأُمُّ يفعلانها معه. هنا سوف يشعُر بأنَّه رجلٌ حقيقي/ أو فتاة حقيقية.
يتضمن ذلك، تعزيز روح المشاركة والتعاون لدى الطفل، فهو -حينئذٍ- سوف يشعر بأنَّه بالفعل، شخصٌ مسؤول وموضع تقدير الآخرين، وهو ما يحقق أرقى عناصر سُلَّم “ماسلو” للاحتياجات الإنسانية، وهي الحصول على تقدير الآخرين، وتحقيق الذات والإحساس باحترام الآخرين ونفسه له.
ثم يبدأ الأبُ والأُمُّ في اتِّخاذ أبنائهم كأصدقاء لهم، وأصفياء لهم، ولو تمَّ ذلك بنجاح؛ فإنَّهما سوف يقضيان على مشكلة كبيرة تُعاني منها الكثير من الأُسَر، وهي أنْ يكون للطفل أو الطفلة أسرارٌ لا يعلما عنها شيئًا، وقد تكون أشياء ضارة للغاية بالابن أو الابنة، أو أن يتعرض الطفل أو الطفلة لمشكلة، ويخفيها أو تخفيها عن الأبِ والأُمِّ؛ خوفًا من العقاب، أو فقدانًا للثقة فيهما أو عدم الظن في فاعليَّة قدرتهما على معالجة الأمر!
وبالتالي؛ فإنَّ إقناع الطفل بأهمِّيَّة الدور الذي يلعبه الأبُ والأُمُّ في حياته، وكسب ثقته؛ كلها أمورٌ لها أعمق الأثر عليه إيجابًا في هذه الجزئية.
ولعلَّ هنا خطأ يقع فيه الكثير من الآباء والأُمَّهات، وهو تصوُّر أنَّ الوفاء بالاحتياجات المادية للطفل، هي ما يجعله سعيدًا وآمنًا، فيقضون الكثير من الوقت في العمل انشغالاً عن الأطفال. هذا التصوُّر خاطئٌ تمامًا، بل قد يأتي بنتائج عكسية فيما يتعلق بعلاقة الأبناء بهم.
فككُلِّ شيءٍ؛ ينبغي تحقيق التوازن، وفي هذه النقطة؛ فإنَّه من الضروري الموازنة في إشباع الاحتياجات النفسية والمادية للطفل؛ لا الوقوف على إحداها فقط.
ويجب عدم التعلُّل بالأزمات المعيشية لتبرير ترك الطفل وعدم الاهتمام به؛ حيث إنَّ ذلك يُعزِّز لديه الشعور بالدونية، وبأنَّه “ليس مهمًّا” أو ليس أولويةً في حياة الأبوَيْن، ويخلق هذا عنده الكثير مِن المشكلات في التواصل مع الوالدَيْن، أو أحدهما، وبالتالي؛ لا يكون على الدرجة الكافية من الكفاءة المطلوبة في نقطة طاعة الأوامر والتوجيهات أو ما شابه.
وفي الأخير؛ فإنَّه مِن الأهمية بمكان في هذا الموضِع، إعادة التأكيد على ضرورة أنْ يدرِكَ الأبوان أهمية الإلمام بالمعارف الأساسية المهمة في مجال علم النفس والسلوك لدى الأطفال، وكيفية التعامل معهم في مراحل الطفولة والمراهقة المختلفة، من أجل تحقيق أكبر قدرٍ من الكفاءة والفاعلية في عملية التربية.
______________________
(*) موقع “بصائر تربوية”.