على مدى 4 سنوات من حكم الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، شهد العالم العديد من الصراعات الناتجة عن قرارات ترامب غير المسبوقة، على الصعيدين الدولي والمحلي.
ومع انقضاء حكمه وتنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن، الأربعاء، رئيسا للولايات المتحدة، الآمال تتعلق على الإدارة الجديدة لحل هذه الصراعات وتعزيز الاستقرار.
وفي هذا الإطار تم رصد ملامح لسياسات إدارة بايدن الجديدة بشأن القضايا المحلية والدولية.
في البداية، وخلال ساعات الحكم الأولى من البيت الأبيض سيوقع بايدن أكثر من 15 أمرا تنفيذيا تلغي قرارات سابقة لإدارة ترامب، أبرزها تلك المتعلقة ببناء الجدار الحدودي مع المكسيك، وحظر السفر إلى الولايات المتحدة من الدول ذات الغالبية المسلمة، إضافة إلى الانسحاب من منظمة الصحة العالمية واتفاقية باريس للمناخ.
كما ستشمل القرارات الجديدة لبايدن، سياسات جديدة تتعلق بآليات مكافحة جائحة كورونا في الولايات المتحدة، بعدما أسفرت سياسات ترامب عن جعل بلاده أكثر الدول تضررا من الجائحة.
** شؤون داخلية
سيطلب بايدن استخدام الأقنعة والتباعد الجسدي في جميع المباني الفيدرالية، ومن قبل الموظفين والعاملين في القطاعات الحكومية.
وحسب وكالة “أسوشيتيد برس”، سيحث بايدن جميع الأمريكيين على ارتداء الأقنعة خلال الأيام المائة الأولى من إدارته.
كما سيوجه بايدن الحكومة للانضمام مجددا إلى منظمة الصحة العالمية، التي انسحب منها ترامب في وقت سابق من هذا العام بعد اتهامها بعدم الكفاءة والرضوخ للضغوط الصينية بشأن فيروس كورونا.
وفي السياق، سيوقع بايدن على أوامر تنفيذية لعودة واشنطن إلى اتفاق باريس للمناخ، وفاءً بتعهد الحملة بالعودة إلى ميثاق المناخ العالمي.
كان ترامب، أحد مؤيدي النفط والغاز والفحم، قد أعطى الأولوية الأولى للانسحاب من الجهود العالمية لخفض انبعاثات الوقود الأحفوري الضارة بالمناخ.
وسيستغرق الأمر 30 يوما حتى تعود الولايات المتحدة رسميا إلى الاتفاقية الدولية.
وعلى الصعيد الداخلي أيضا، سينهي بايدن الحظر المفروض على المسافرين المسلمين، والذي فرضه ترامب في يناير/ كانون الثاني 2017، حيث منع رعايا أجانب من 7 دول معظمها ذات غالبية مسلمة من دخول الولايات المتحدة.
كما سينهى بايدن حالة الطوارئ الوطنية التي أعلنها ترامب على الحدود في فبراير / شباط 2018، بشكل فوري، لتحويل مليارات الدولارات من وزارة الدفاع إلى بناء الجدار الحدودي مع المكسيك، حسبما نقلت “أسوشيتيد برس”.
وسيوقف بناء الجدار الحدودي وبحث سبل إعادة توجيه أموال الجدار.
واستكمالا لقضايا الهجرة والمهاجرين غير النظاميين، سيأمر بايدن حكومته بالعمل على الإبقاء على الإجراء المؤجل للقادمين في مرحلة الطفولة” المعروف اختصارا باسم ” DACA”.
ووفر هذا الإجراء الحماية لمئات الآلاف من الأشخاص الذين قدموا إلى البلاد وهم أطفال صغار، من خطر الترحيل منذ تقديمه عام 2012.
كما سيلغى بايدن أحد أوامر ترامب التنفيذية الأولى، والتي أعلن بموجبها أن جميع الأشخاص البالغ عددهم 11 مليون شخص تقريبا ووصلوا إلى البلاد بشكل غير قانوني يعتبرون من أولويات الترحيل.
وستقوم وزارة الأمن الداخلي في إدارة بايدن بمراجعة أولويات التنفيذ.
وتوضح حملة بايدن على موقعها الإلكتروني أن عمليات الترحيل ستركز على الأمن القومي وتهديدات السلامة العامة.
** مشروع هجرة شامل
في ظل مساعي إدارة بايدن لحل بعض الأزمات الداخلية المتعلقة بقضية الهجرة إلى الولايات المتحدة، سيقدم بايدن مشروع قانون هجرة شامل في اليوم الأول لتنصيبه يوفر مسار للمهاجرين غير النظاميين للحصول على الجنسية الأمريكية في غضون 8 سنوات فقط، بحسب صحيفة “واشنطن بوست”.
وذكرت الصحيفة، الإثنين، أن مشروع القانون سيحمي المهاجرين غير النظاميين، ويضعهم على طريق مدته 5 سنوات للحصول على البطاقة الخضراء، وإذا استوفوا شروطا معينة، مثل دفع الضرائب والتحقق من الخلفية، يمكنهم حينئذ الحصول على الجنسية بعد 3 سنوات.
ويبلغ عدد المهاجرين غير النظاميين في الولايات المتحدة حوالي 12 مليونا منذ عام 2015، بينما هناك تقديرات أخرى أعلى، كما أفادت وكالة “أسوشيتيد برس”.
** قضايا دولية
ينتظر كثيرون أن تصلح سياسات بايدن الخارجية ما أفسدته إدارة سلفة ترامب، لاسيما فيما يتعلق بالعلاقة مع إيران واستمرار التواجد العسكري الأمريكي في أفغانستان والعراق.
1- العودة إلى الاتفاق النووي
ألمح بايدن، في حواره مع صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إلى إمكانية العودة إلى الاتفاق النووي الموقع بين إيران والقوى الكبرى عام 2015، والذي انسحبت منه واشنطن في مايو/ أيار 2018، وفرضت على طهران عقوبات اقتصادية.
وفي معرض رده على سؤال عما إذا كان متمسكا بآرائه بشأن الصفقة النووية الإيرانية التي أوردها في مقال بتاريخ 13 سبتمبر/ أيلول على موقع شبكة “سي إن إن”، أجاب بايدن: “سيكون الأمر صعبا لكن نعم”.
وكتب بايدن: “إذا عادت إيران إلى الامتثال الكامل للاتفاق النووي، فإن الولايات المتحدة يمكن أن تعود للاتفاق كنقطة انطلاق لمتابعة المفاوضات ورفع العقوبات” التي فرضها الرئيس ترامب على إيران.
وأكد بايدن أن واشنطن -وبالتشاور مع حلفائها وشركائها- ستشارك في مفاوضات وستتابع الاتفاقيات التي من شأنها تشديد وإطالة القيود النووية على إيران، وكذلك معالجة برنامجها الصاروخي.
وتابع أن “الولايات المتحدة دائما لديها خيار إلغاء العقوبات إذا لزم الأمر وإيران تعرف ذلك”.
ونقلت وكالة أسوشيتد برس، الثلاثاء، عن مرشحة بايدن لمنصب نائبة وزير الخارجية، ويندي شيرمان، قولها إن الخارجية الأمريكية “ستعمل بجد في هذا الأمر (الاتفاق النووي)، لأننا فقدنا المصداقية، وينظر إلينا على أننا أضعف بعد ترامب”.
وشغلت شيرمان منصب وكيلة وزارة الخارجية للشؤون السياسية خلال إدارة أوباما وكانت المفاوضة الرئيسية في المفاوضات النووية لعام 2015 مع إيران.
وينص الاتفاق على التزام طهران بالتخلي، لمدة لا تقل عن 10 سنوات، عن أجزاء حيوية من برنامجها النووي، وتقييده بشكل كبير، بهدف منعها من امتلاك القدرة على تطوير أسلحة نووية، مقابل رفع عقوبات مفروضة عليها.
2- أمن الاحتلال الصهيوني
تظل علاقة الولايات المتحدة بالكيان الصهيوني محور اهتمام دول عدة لاسيما العربية منها، واشتدت الأزمة بعدما نقلت واشنطن سفارتها من تل أبيب إلى القدس في مايو/أيار 2018، وما تبع تلك الخطوة من موجة غضب واسعة.
لكن يبدو أن إدارة بايدن لن تحدث تغيرا جذريا في هذه القضية، رغم استمرار دعم الرئيس الأمريكي الجديد لمقترح حل الدولتين.
ويتضح ذلك عندما قال أنتوني بلينكين، المرشح لمنصب وزير الخارجية، الثلاثاء، إنه خلال توليه الوزارة “سيبقي على السفارة الأمريكية في القدس المحتلة، وسيواصلون اعترافهم بالمدينة عاصمة للاحتلال الصهيوني”.
كما شدد على أنهم سيواصلون الدعم الذي يقدموه للكيان الصهيوني التي قال إنها “أهم حليف للولايات المتحدة بالمنطقة”، وأوضح أنه “لا يعتبر الكيان المحتل دولة عنصرية”.
ووعد بلينكين بالتزام الولايات المتحدة الدائم بأمن الاحتلال، لكنه قال إن بايدن “ما يزال ملتزما بحل الدولتين مع الفلسطينيين”.
3- الانسحاب من العراق وأفغانستان
كشف مرشح الرئيس بايدن لوزارة الدفاع (البنتاغون)، لويد أوستن، خلال جلسة بمجلس الشيوخ لمناقشة ترشيحه، الثلاثاء، عن رغبته بإنهاء النزاع في أفغانستان بتسوية سياسية.
وأشار إلى أن واشنطن “تريد أن ترى أفغانستان بلا خطر في المستقبل”، مع ضرورة التركيز على محاربة الإرهاب.
وجاءت هذه التصريحات لتنهي حربا طويلة انخرطت فيها الولايات المتحدة، انتهت حتى الآن بالإبقاء على 2500 جندي في العراق ومثلها في أفغانستان.
4- العلاقة مع السعودية
تستعد السعودية لعلاقة أكثر صرامة وربما توترا مع إدارة بايدن، بعد 4 سنوات منح فيها الرئيس ترامب الرياض كل الدعم.
وذكر موقع “ذا هيل”الأمريكي، مطلع يناير/كانون الثاني الجاري، أن العلاقة بين ترامب والسعودية كانت مصدر توتر دائم بين البيت الأبيض والعديد من الجمهوريين في الكونغرس، الذين انزعجوا من تورط المملكة في مقتل الصحفي السعودي المقيم في الولايات المتحدة جمال خاشقجي، ودعم البيت الأبيض للتحركات السعودية العسكرية في اليمن، كما أثارت هذه الإجراءات انتقادات شديدة من الديمقراطيين.
غير أن الموقع أشار في المقابل إلى امتلاك الرياض “ورقة مساومة” رئيسية مع إدارة بايدن وهي الموافقة على تطبيع العلاقات مع حكومة الكيان الصهيوني، بعد توسط إدارة ترامب في العلاقات الدبلوماسية بين الاحتلال الصهيوني والإمارات والبحرين والسودان والمغرب.
إلا أنّ ورقة المساومة هذه لم تمنع المرشحة لمنصب رئاسة الاستخبارات الوطنية الأمريكية أفريل هاينز، من التعهد بنشر ملف مفصل عن جريمة مقتل خاشقجي، في حال التصديق على توليها المنصب.
وقتل خاشقجي في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، داخل القنصلية السعودية بمدينة إسطنبول، في قضية هزت الرأي العام الدولي.
ووجهت اتهامات لإدارة ترامب بالتستر على احتمالية تورط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الجريمة، وامتلاكها وثائق تثبت هذه الفرضية.