نشرت مجلة “لونوفيل أوبسرفاتور” الفرنسية الخميس 18 فبراير 2021 تحقيقا بعنوان “الاعتراف العظيم.. الجرائم الجنسية في الكنيسة” يفضح الجرائم الجنسية في الكنيسة الفرنسية، نقلا عن تحقيقات للجنة مستقلة معنية بالاعتداء الجنسي في الكنيسة، كشفت عن اعتداءات “منهجية” تفوق الخيال.
اللجنة التي يرأسها “جان مارك سوڤي” النائب السابق لرئيس مجلس الدولة، استمعت منذ إنشائها في نوفمبر 2018 إلى 6500 شاهد تعرضوا لاعتداءات من كهنة وقساوسة، وكشفت أنه تم رصد 10 آلاف ضحية لاعتداءات قام بها قرابة 3 آلاف كاهن بالكنيسة الفرنسية منذ عام 1950.
“سوڤي” رئيس اللجنة قال للمجلة الفرنسية إن “الانتهاكات التي ارتُكبت في الكنيسة هائلة، وكانت أحياناً منهجية ومنظمة، وتم الكشف عن أن هناك نظاما حقيقيا للإساءة، وشبكة منظمة وتواطؤا داخليا وآليات متأصلة في الكنيسة سهلت هذه الجرائم”.
وأضاف أنه واجه من قبل خلال مسيرته المهنية مناقشات ومشاحنات شديدة التوتر مع وزراء أو رؤساء الجمهورية، لكنه عندما غاص في أوحال الكنيسة، كشف في التحقيق جرائم مخزية تهدد بتقويض المؤسسة الكنسية الفرنسية بفعل هذه الفضائح.
وأشار إلى أنه شعر بإنهاك وغضب وألم شديد مما سمعه في جلسات الاستماع لضحايا اعتداء الكهنة، وكيف تدمرت حياتهم بفعل هؤلاء المعتدين من الكهنة بما يفوق ما تألمت له خلال حياتي المهنية كلها.
أحد الضحايا: الكاهن لديه سلطة مطلقة لا مثيل لها؛ فهو في مكانة أعلى من والديّ، وأقل من الله بقليل!
وبحسب “لونوفيل أوبسرفاتور” تتشكل اللجنة التي تحقق في جرائم الكنيسة من 22 متخصصا بينهم أطباء نفسيون، وباحثون، ولاهوتيون، ومحامون، ومؤرخون، وقضاة، وبميزانية قدرها 3.5 ملايين يورو.
400 شهادة ضحية شهرياً
وأكدت اللجنة أنها فوجئت بتلقيها قرابة 400 شهادة اعتداء شهريا خلال عملها من شهادات الضحايا، لذلك قررت إطلاق حملة واسعة لمن يريد الإدلاء بشهادته.
وتنقل المجلة الفرنسية عن بعض صفحات التحقيق الذي قامت به اللجنة، نقلا عن أحد الضحايا قوله إن “الكاهن، ممثل المسيح على الأرض، لديه سلطة مطلقة لا مثيل لها، ويبدو أنه لا شيء محظورا عليه، فهو في مكانة أعلى من والديّ، وأقل من الله بقليل”!.
ويضيف: “ما يجعل هذا النوع من الإجرام فاحشا، هو التقديس القوي للقس المعتدي، ولضمان إفلاته من العقاب، هناك سلسلة طويلة من التواطؤ داخل الكنيسة على ما يفعله المعتدون”.
وتنقل التحقيقات عن أحد الأساقفة ممن تجرأ على الحديث للكشف عن وباء الاعتداء الجنسي داخل الكنيسة الفرنسية قوله “إنها مشكلة منهجية يجب التعامل معها، وأشجع على التغطية الإعلامية لهذه الفضائح، ويجب أن تظهر هذه القضايا للرأي العام، فما زال الوقت طويلاً لكي تعترف الكنيسة (بجرائمها)”.
وتؤكد المجلة الفرنسية أن الملف الذي نشرته في 12 صفحة من عددها الأخير، ليس إلا بعض المعلومات وبعض المقابلات وليس التقرير النهائي لـ”اللجنة المستقلة المعنية بالاعتداء الجنسي في الكنيسة (Ciase) الذي سوف يتم إعلانه كاملا خريف هذا العام 2021م.
وتنقل المجلة عن أحد أعضاء اللجنة، وهو أستاذ قانون وعلوم جنائية قوله: “ما يصدمنا أن جميع المعتدين (الكهنة) يعرفون ضحيتهم، حيث كانوا على علاقة وثيقة معهم، حتى إن البعض منهم كان لديه مكان دائما على طاولة طعامهم، وقام بكل الطقوس الدينية لأفراد العائلة كالتعميد والزواج وغيرها”!!
الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية تعترف
وفي نوفمبر 2019 اعترفت الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية ضمنا بجرائم القساوسة وقالت إنها ستعوض ضحايا الاعتداءات الجنسية مثلما فعلت كنائس ألمانيا وبلجيكا وسويسرا لضحايا اعتداءات كهنتها على رعايا الكنيسة.
وقررت الكنيسة الكاثوليكية في فرنسا تعويض ضحايا الاعتداءات الجنسية من القاصرين الذين تم الاعتداء عليهم في أروقة الكنائس، دون أن تحدد الكنيسة قيمة المبلغ.
كما قررت الكنيسة الكاثوليكية في فرنسا السير على خطى الكنائس الكاثوليكية في كل من ألمانيا وبلجيكا وسويسرا في دفع تعويضات لضحايا الاعتداءات الجنسية في أروقتها.
أحد الأساقفة: مشكلة منهجية يجب التعامل معها وما زال الوقت طويلاً لكي تعترف الكنيسة بجرائمها.
وقال رئيس مؤتمر الأساقفة في فرنسا إريك دو مولينز-بوفور يوم 9 نوفمبر 2019 إن قيمة التعويض ستقدر بمبلغ مالي إجمالي، مشيرة إلى عدم تحديد قيمة المبلغ بعد، وسيتم تمويل الصندوق من أموال الكنيسة وأموال أخرى، ولكن المسؤولين عن هذه الجرائم سيلزمون بدفع غرامات على أفعالهم تلك.
وفي ألمانيا تدفع الكنيسة لضحايا الاعتداءات الجنسية التي وقعت داخل مرافقها عادة مبلغ 5000 يورو لكل ضحية، إلا أن مؤتمر أساقفة ألمانيا اقترح عام 2019 رفع المبلغ الأساسي لتعويض الضحايا.
وفي السنوات الماضية كُشف النقاب عن اعتداءات جنسية ارتكبها قساوسة كاثوليك بحق أطفال وقاصرين في العديد من الدول؛ ما أثار موجة استياء واسعة.
وبسبب هذه الجرائم أصدر بابا الفاتيكان فرنسيس الأول في مايو 2019 قانوناً جديداً للكنيسة الكاثوليكية على المستوى العالمي يلزم جميع الكهنة بإبلاغ رؤسائهم بشأن حالات التحرش الجنسي بالأطفال المشتبه بها، أو حالات التستر على مثل هذه الجرائم، وليس إبلاغ السلطات المدنية.
وفي مايو 2019 قالت صحيفة لوموند الفرنسية إن الكنيسة الفرنسية ستتخذ خطوة تجاه الاعتراف بأطفال الكهنة الذين يطلق عليهم “أطفال الصمت” تجمعهم جمعية تضم نحو 50 طفلاً من أبناء رجال الكنيسة الذي جاءوا بفعل جرائم زنا الكهنة مع نساء فرنسيات.
وقالت “لوموند” إن الكنيسة الكاثوليكية التي عانت من أزمة غير مسبوقة بسبب انتشار حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال واغتصاب الراهبات، انتهى بها الأمر إلى مواجهة هذه الفضائح، إلا أنها لا تزال مترددة فيما يتعلق بأطفال الكهنة الذين بدأ حوارهم مع السلطات الدينية ولكنه ما زال هشا.