ما بين التعطيل المتواصل ، وأزمة تجميد المناهج ، انطلق العام الدراسي الجديد ، في ظل أوضاع اقتصادية أكثر قسوة ، وفراغ في الوزارة لعدم تجديد الثقة في بروفسير محمد الأمين التوم بذريعة الفحص الأمني.
تفجرت أزمة المناهج بسبب مقرر كتاب التاريخ الصف السادس مرحلة الأساس الذي أثير حوله كثير من الجدل بسبب إحتوائه على لوحة للفنان مايكل أنجلو اعتبرها معارضوه مسيئةً للذات الإلهية، بجانب ورود أبواب أخرى وصفوها بأنها محرضة ضد الدين الإسلامي.
وتعرّض مدير المركز القومي للمناهج المستقيل عمر القراي إلى هجومٍ عنيفٍ وحملة تكفير في منابر المساجد وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، مما دفع رئيس الوزراء عبدالله حمدوك إلى إصدار قرار بتجميد العمل بالمقترحات المطروحة من إدارة المركز القومي للمناهج والبحث التربوي وتكوين لجنة قومية تضم التربويين والعلماء المتخصصين لتعمل على مراجعة المناهج الجديدة، جراء ذلك تقدم القراي باستقالته، احتجاجًا على القرار واتهم حمدوك بـ”الإذعان لأصوات أنصار الرئيس المعزول عمر البشير”.
بعد قرار إعادة فتح المدارس، قامت الوزارة بتوزيع المقررات القديمة التي تم تنقيحها على الطلاب، فيما أرجأ تدريس المقررات الجديدة الخاصة بالمستويين الأول والسادس إلى حين انتهاء عمل لجنة مراجعة المناهج.
الكنيسة الكاثوليكية: مناهج القراي راعت التعدد بعد عقود من مقررات تعبر عن هوية أحادية
ولكن العودة للمناهج القديمة، اثار مخاوف بعض الكيانات الدينية المسيحية حيث خشيت الكنيسة الكاثوليكية، من تأثر اللجنة الجديدة بالضغوط الكبيرة التي مورست من قبل على القراي ووصفت ذلك بالمؤشر الخطير الذي يتهدد الحريات العامة ورؤية الثورة والتغيير
وطالب خطاب موجه إلى رئيس الوزراء عبد الله حمدوك حمل توقيع رئيس أساقفة الخرطوم مايكل ديدي ادقوم مانقوريا، مطران مساعد مطرانية الخرطوم ودانيال ادوك كور، رئيس مؤتمر المطارنة الكاثوليك بالسودان وجنوب السودان تومبي تريلي كوكو، بالتدخل الايجابي بحذف او تعديل ما يثير الجدل والإبقاء على المناهج الجديدة.
ورأت الكنيسة في الخطاب الذي اطلعت عليه (التغيير) أنه إذا ما اريد استدامة السلام وترسيخ المؤسسات السياسية والإقتصادية التي إقامتها الثورة فلابد أن يطال التغيير العقلية القديمة للدولة وخلق عقلية جديدة قادرة على استيعاب المتغيرات وذلك باستحداث مناهج جديدة تعمل على إصلاح الخلل الذي أحدثته المناهج القديمة والمرسخة للهوية العربية الإسلامية والتي قادت إلى اشتعال الحروب في شتي أنحاء البلاد وانفصال الجنوب.
وطالب أساقفة الكاثوليكية بأن تراعي المناهج الجديدة التعددية الثقافية حتي تكون مقبولة كوسيلة لبناء واستدامة السلام والاستقرار .
ووصفوا مناهج القراي بأنها راعت التعدد الثقافي والاجتماعي والديني في السودان ومتطلبات المناهج الحديثة بعد عقود من مقررات تطبيق تعبر عن هوية ثقافية أحادية
واعتبرت الكنيسة أن تجميد هذه المناهج، يعني العودة للمقررات القديمة التي كانت واحدة من ازمات السودان، كما أن وضع مناهج أخري يحتاج إلى مزيد من الوقت الأمر الذي قد يتسبب في ضياع عام دارسي اخر للطلاب.
فراغ وزاري
قبل أن تنجلي أزمة المناهج، حل رئيس الوزراء عبدالله حمدوك حكومته على خلفية استحقاق اتفاق سلام جوبا، والتي شملت 26 وزيرا فيما تم ارجاء اعلان اسم شاغل حقيبة التربية والتعليم لمزيد من التشاور، الا أن لجنة المعلمين السودانيين، أكدت بأن استبعاد – البروفيسور محمد الأمين أحمد التوم- من قائمة الترشيحات التي تم رفعها إلى مجلس الشركاء لإعادة تعيينه وزيراً للتربية والتعليم، كان بزريعة (الفحص الأمني).
وتساءلت اللجنة عن ما هو المقصود بالفحص الأمني؟ وهل هو وسيلة لإبعاد العناصر القوية التي تنحاز لأهداف الثورة وقالت : إن كان في سيرة المرشح ما يستوجب استبعاده فلماذا أسندت اليه هذه الوزارة لعام ونصف؟.
لجنة المعلمين: خيارات التصعيد مفتوحة
واقرت عضو سكرتارية تجمع المهنيين السودانيين قمرية عمر خلال مقابلة مع (التغيير) بضبابية الموقف بشأن وزير التربية والتعليم حتي الآن وقالت : لا رئيس الوزراء ولا حكومته التنفيذية ولا مجلس الشركاء، عبروا عن موقفهم بوضوح وتم الاكتفاء بعبارة -مزيد من التشاور- وتساءلت التشاور مع من؟ وأضافت: وزارة التربية والتعليم مهنية ومنسوبيها طالبوا الحكومة، بالنأي بها عن المحاصصات الحزبية واكدت قمرية أن أي التفاف على مطالب المعلمين سيجر الي تداعيات أخري من بينها التصعيد بشكل واسع.
معاملة وزارة التربية كمثيلاتها من العدل والري والشؤون الدينية
جددت عضو المكتب التنفيذي للجنة المعلمين السودانيين درية محمد بابكر، تمسكهم بالتوم وزيرا للتربية والتعليم لعدة اعتبارات من بينها أن الأول لديه برنامج مطروح بشأن التعليم قبل سقوط النظام البائد ولجنة المعلمين متوافقة مع هذا الطرح وداعمة له واشارت إلى أن المعلمين منذ البداية أعلنت رفضها لمبدأ المحاصصات في وزارة التربية .
واعربت عن أملها في أن يستجيب مجلس الوزراء لنداء المعلمين بابعاد الوزارة عن الترضيات ومعاملتها كمثيلاتها من وزارات العدل والشئون الدينية والري، حيث تم الإبقاء على وزرائها وذلك حتي يتمكن الوزير من استكمال البرنامج الذي بداه.
المدارس الخاصة اضطرت لاستلاف المقررات الجديدة من نظيرتها الحكومية
فيما يتعلق بالمقررات أكدت درية أن المناهج القديمة بعد تنقيحها وتخفيفها بواسطة اللجان التي شكلها مدير المناهج السابق عمر القراي، وزعت على المدارس كما تم توزيع المقررات الجديدة الخاصة بالصفين الأول والسادس باستثناء كتاب تاريخ المثير للجدل، لكنها أقرت بوجود نقص في الكتاب المدرسي، للمقررات الجديدة لاسيما بالمدارس الخاصة التي لم تستلم حصتها حتي الان، واضطر بعضها لاستلاف كتب الصفين الاول والسادس من نظيرتها الحكومية.
وعزت درية تأخير استلام المدارس الخاصة لنصيبها بسبب قرار مجلس الوزراء القاضي بتجميد المناهج، حيث رأت الوزارة أرجاء فتح النافذة المقررة لشراء الكتب الجديدة إلى حين انتهاء اللجنة من أعمالها وحتي لاتتكبد المدارس تكاليف مالية حال تم الغاء تلك المناهج
واستعجلت مجلس الوزراء بالبت في أمر المناهج بقرارات عاجلة لأن القضية متعلقة بعام وتقويم دراسي.
نقص في إعداد المعلمين وتكدس طلابي في الحكومي
واقرت بحدوث هجرة عكسية للتلاميذ من المدارس الخاصة إلى الحكومية بعد تبني الوزارة لمجانية التعليم،
فضلا عن الظرف الاقتصادي الضاغط على المواطن وقرار إلغاء المدارس الجغرافية والتسجيل في المدارس الأقرب جغرافيا واضافت : كل ذلك شكل ضغطا رهيبا على المدارس فتضاعف اعداد الطلاب مقابل عدد غير كافي من المعلمين، منذ عهد النظام البائد حيث كانت تعاني المدارس من فجوة واضحة في إعداد المعلمين حيث كان يتم الاستعانة بطلاب الخدمة الوطنية والمتطوعين.
ونبهت درية إلى أن مجلس الوزراء لم يفتح وظائف جديدة للمعلمين حتي الآن، مما دفع بعض مدراء القطاعات لتوجيه القائمين على المدارس بالاستعانة بلجان المقاومة او المتطوعين في الأحياء من خريجي الجامعات لسد النقص الموجود في مدارسهم.
تنصل المانحين والمالية عن تمويل الوجبة
وكشفت عضو لجنة المعلمين عن فشل وزارة المالية في تمويل مشروع الوجبة المدرسية، بجانب تنصل الداعمين من المنظمات الدولية نسبة لجائحة كورونا، ولفتت إلى أن المالية لم تلتزم بتوفير الميزانية المناسبة للتعليم والمبالغ التي خصصت لها لم تصل حتى الآن.
المصدر: التغيير