تعاني تشاد منذ استيلاء الرئيس دبي على السلطة في 1 ديسمبر 1990 حيث لم تر عجلة للتنمية سوى هشاشة في الاقتصاد وزيادة في نسبة الرشوة وتدن في مستوى التعليم بمختلف أنواعه إضافة إلى ذلك الفتن الطائفية التي تنفجر يوميا آخرها الاشتباكات القبلية التي وقعت بإقليم سلامات والتي راح ضحيتها 55 قتيلا و44 جريحا.
وحتى الآن لم تزدد تشاد عنصرا واحدا من عناصر الاستقرار الداخلي، وقد قامت الكثير من الحركات المسلحة حيال ذلك للإطاحة بنظام الرئيس دبي لكن فشلت في النهاية، وهناك العديد من جمعيات المجتمع المدني والأحزاب السياسية التي تحاول مرارا وتكرارا تنظيم مظاهرات سلمية تطالب فيها الرئيس دبي بالتنحي عن الحكم لكنها انتهت إلى هذا المنتهى الذي لا يؤثر ولا يغير وذلك نتيجة لما تواجه من بطش وتنكيل واعتقالات تعسفية.
وقبيل انتخابات 11 إبريل 2021م استمر هذا النمط الداعي إلى عدم مشاركة الرئيس دبي في هذه الانتخابات، إلا أن الرئيس دبي استخدم في وجه هذه الكيانات كل ما أوتي من وسائل القوة لمنع هذه الاحتجاجات حتى إنه وصف بعض معارضيه “بالكلاب الضالة” أثناء دعاياته الانتخابية.
وبالفعل تمت الانتخابات في موعدها المحدد 11 أبريل 2021م برغم أنها لم تجد قبولا كبيرا من المواطنين حيث بقي الكثير من الناخبين في بيوتهم ولم يخرجوا للإدلاء بأصواتهم، مؤكدين تلبيتهم لنداء المعارضة الداعي لمقاطعة الانتخابات والنسبة القليلة التي خرجت للتصويت أغلبها من فئة النساء والعجزة.
ولكن هذه المرة لا تبدو الخريطة عشوائية؛ فهناك من يخططون لرسمها جيدا، تزامنا مع اليوم الذي تم فيه تنظيم الانتخابات، فقد أصدرت جبهة الوفاق من أجل التغيير Fac بيان رقم No:003/b/f/2021 تبلغ فيه الرأي الوطني والدولي؛ حيث شنت هجوما معززا بعمليات عسكرية واسعة النطاق على جيش النظام وفي اليوم الثاني بتاريخ 12 أبريل نيسان أكدت فيه سيطرتها على منطقتي ور وزاركى وأسقطت ثلاث طائرات تابعة للحكومة.
استخدم الرئيس دبي كل ما أوتي من وسائل القوة لمنع الاحتجاجات حتى وصف بعض معارضيه “بالكلاب الضالة” أثناء دعاياته الانتخابية
بينما في الجانب الآخر تقول هيئة الأركان التابعة للحكومة التشادية على لسان المتحدث باسم الجيش بأنها قامت بالتصدي لمجموعة من كتائب الإرهابيين في منطقة تبستي. وتشير بعض التقارير إلى تدخل القوات الجوية الفرنسية في العملية بجانب الجيش الحكومي، وجاء هذا التدخل بعد بيان هيئة الأركان الذي وصفت فيه الثوار بالإرهابيين، وعلى هذا الأساس تدخلت القوات الفرنسية الموجودة في الساحل لحماية المنطقة من الإرهابيين.
وفي ذات السياق أصدرت جبهة الوفاق fac بيانا آخر تحذر فيه فرنسا من التدخل في الشؤون الداخلية لتشاد وعليها أن تحترم مبدأ القانون باعتبارها دولة راعية لحقوق الإنسان، وبذلك أصدرت السفارة الفرنسية بيانا عبر موقعها تؤكد فيه أن الكتائب العسكرية التي دخلت في منطقة تبستي تابعة لجبهة الوفاق الثورية، وبالفعل العمليات العسكرية جارية في شمال بركو وتنصح بعدم السفر إلى تلك المناطق إلا بعد الاطلاع على آخر التطورات.
وهنا يبدو أن فرنسا تومض الإشارة لتتفادى الانزلاق المحظور في مدار حركة لاهثة وتتجنب التدخل بين الفرقاء.
وفي هذا الشأن أصدرت السفارة الأمريكية أكثر من بيان عبر موقعها تمنع فيه رعاياها من السفر مؤقتا خارج العاصمة أنجمينا التي باتت واجهة الثوار في قادم المواعيد، وبحسب البيان فإن سفارة الولايات المتحدة لا تشجع السفر إلى شمال تشاد وتوصي بإعادة النظر في أي رحلة خارج مدينة أنجمينا. وعقب هذه البيانات المتتالية بات خبر دخول الثوار مصدر صحة، بعدما أعتقد الكثير من المحللين أنه مجرد فرقعة إعلامية لا غير قبل أن يتم التأكيد من أطراف دولية.
ويرى البعض أن اقتصار صدور البيانات الأجنبية فقط في تحذير رعاياها بمغادرة تشاد دون التوسط في حل النزاعات الجارية في الساحة له أيد خفية تريد أن تجعل من الساحة التشادية منطقة صراع مسلح على غرار دول الساحل الأفريقي الأخرى لتستفيد من ورائها الدول المستعمرة وغيرها من الدول الأجنبية الأخرى ذات الأطماع في المنطقة.
ومن جانب الاستراتيجية العسكرية فإن قوات الحكومة تعاني من نقص في عدد الجيش والخبراء الفنيين أيضا لأن أغلب القوات تم ترحيلها إلى مالي لمحاربة الجماعات الإرهابية هناك بأمر من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وفي هذا الشأن ترى التوقعات أنها خطة مدبرة قامت بها فرنسا لإضعاف القوات العسكرية وما يثير الجدل بعد شهر من إرسال القوات التشادية إلى مالي ظهور الحركات المسلحة بكامل قواها، مما ساعدها على الزحف المستمر في داخل الأراضي التشادية.
ويلاحظ أن هناك انتصارات متتالية للمعارضة في أغلب المعارك التي خاضتها ضد القوات الحكومية.
وتقول صحيفة La visionnaire : أنه منذ الاستقلال ، تم إنشاء العديد من حركات التمرد في الشمال وكذلك في الجنوب. لم يحدث أبدًا أن تمرد رجال ونساء متعلمون ومهرة مثل FACT. في ذلك الوقت، كان صراع جميع الثوار هو الاستيلاء على السلطة وتقاسم الكعكة، ولم يكن لديهم برنامج سياسي واقتصادي لتشاد.
اليوم يمكن أن تفتخر FACT بوجود مفكر عظيم هو السيد محمد مهدي. هذا الرجل محاط برجال ونساء يتمتعون بمعرفة وخبرات متنوعة لديهم مشروع لتغيير تشاد جذريًا سياسيًا واقتصاديًا. لدى FACT أجندة سياسية مثيرة للإعجاب للغاية تبدو وكأنها مؤسسة تابعة للدولة وليست تمردًا. القطاعات التي يتجاهلها النظام الحالي مثل الزراعة والتعليم والثروة الحيوانية وخلق فرص العمل ومكافحة الفساد هي أولويات FACT. في الماضي، كانت الثورات المتتالية على السلطة متعطشة لرائحة المال الصافية أو الرغبة في الانتقام. من ناحية أخرى، استغرقت FACT الوقت لتنظيف وتدريب مقاتليها بشكل صحيح لاحترام الناس وحمايتهم.
وإن كل هذه التوترات الداخلية كان لها الأثر البالغ على علاقات تشاد الخارجية، لعل أبرزها أحداث دارفور التي كلما وقعت برسم والي الجنينة مسودة يوضح من خلالها أن المليشيات التي تقاتل في دارفور قادمة من تشاد، لكن السؤال الذي يطرح نفسه ماذا تستفيد تشاد من أحداث دارفور؟ علما بأن هذه الأحداث بعد وقوعها تؤثر في الاقتصاد التشادي لأن تشاد تستورد العديد من المواد الغذائية والمفروشات من السودان، إضافة إلى ذلك أن تشاد استقبلت ملايين اللاجئين السودانيين على أراضيها، وإذا كانت فعلا شاركت في أحداث دارفور فلماذا تستقبل اللاجئين السودانيين؟
يبدو أن فرنسا تومض الإشارة لتتفادى الانزلاق المحظور في مدار حركة لاهثة وتتجنب التدخل بين الفرقاء
من الواضح أن هذه الجوانب تؤكد مدى موقف تشاد من أحداث السودان إن لم تكن تشاد الحل فليست هي جزءا من المشكلة، وبالتالي من المؤكد أن البيانات التي أصدرها والي الجنينة غير صحيحة، وربما يريد بها توتر العلاقات بين البلدين ودفعها إلى السطح لتدور في حلقة مفرغة.
وعلى الصعيد الأمني لدول الساحل عقب القوات التي أرسلتها الحكومة التشادية البالغ عددها (1200) في المثلث الحدودي بين مالي والنيجر وبوركينافاسو، فإن أهالي النيجر قدموا العديد من الشكاوى بأنهم يواجهون تحديدا عمليات اغتصاب من قبل الجيش التشادي وآخرها كان اغتصاب فتاة نيجيرية، وفي هذا الشأن أكدت الحكومة التشادية ضبط قواتها من هذه الفلتات والعمليات غير الأخلاقية.
ومن المثلث الحدودي إلى أفريقيا الوسطى التي شهدت توترات أمنية مختلفة، إضافة إلى صراع كل من فرنسا وروسيا على أراضيها، حيث استخدمت فرنسا بعض القوات التشادية في مساندة الرئيس الأسبق بوزيزي للتوغل في العمق في الوقت الذي وجدت فيه رصدا وتصديا من القوات الروسية التي تعمل بجانب حكومة أفريقيا الوسطى الشرعية.
إضافة إلى كل ما سبق من توترات داخلية وخارجية شهدتها تشاد جاءت بسبب الرئيس دبي الذي يعمل على تمكين نفسه في السلطة بكل الوسائل وفي الأغلب معتمدا على فرنسا.
وقد دفع الكثير من أموال الشعب لفرنسا مقابل بقائه على السلطة، وعندما يقوم دبي بوضع الكثير من حجر الأساس في مختلف الولايات تأكيدا على أنه يقوم بتنفيذ عدة مشاريع تنموية في قادم المواعيد، ولكن مع مرور الوقت لا تنفذ هذه المشاريع وتبقى في موضع الاختفاء، السبب هو: أن الأموال التي تخصص لهذه المشاريع يقوم دبي بإعطائها لفرنسا شريط أن توفر له الحماية وتجعل منه رئيسا على شعبه.
وبحسب الدراسات فإن حركة الثوار التي دخلت في العمق التشادي كان سابقا الرئيس ديبي يؤيد دخولها في الجنوب الليبي مع قوات خليفة حفتر يريد بذلك التخلص منها لكن دارت الأيام وها هي الآن رجعت ضده.
يبدو أن هناك خطة فرنسية لإضعاف القوات العسكرية خاصة مع ظهور الحركات المسلحة بكامل قواها ما ساعدها على الزحف داخل الأراضي التشادية
وبحسب آخر بيان لجبهة الوفاق تقول إنها متمركزة في منطقة كانم بعد تغلبها على الحكومة، والحكومة أيضا تقول شتت قوات المعارضة وأسرت البعض منهم مستندة على ذلك بنشر صور قديمة لمعارك عام 2008.وحتى الآن لم يتم التأكيد عن الخسائر لكلا الطرفين
وفي جانب آخر فإن المعارضة الداخلية التي تمثل الأحزاب السياسية بالإضافة إلى جمعيات المجتمع المدني والنقابات العملية أصدرت بيانا يحمل أسماء قادة الكيانات الموقعة تطالب فيه جميع القوات العسكرية المتحاربة إلى وقف إطلاق النار في جميع الأراضي الوطنية حتى يتسنى للأطراف المتنازعة عقد حوار وطني شامل يسهم بدوره في حلحلة الخلافات لصالح المصلحة العامة.
وما أوردته المعارضة الداخلية في البيان يؤكد أنها لم تقف مع أي صف من الطرفين، علما بأن المعارضة الداخلية بدأت في أول الأمر بالمطالبة بتنحي الرئيس دبي عن الحكم وعدم المشاركة في الانتخابات.
———
* كاتب من تشاد، باحث في فلسفة التاريخ. والمقال منشور في موقع “الجزيرة مباشر”، قبيل الإعلان عن مقتل الرئيس التشادي.