في وقت مبكّر من استئناف العدوان الصهيوني الغاشم على الشعب الفلسطيني الأعزل قبل أيام، بدأت موريتانيا تشهد احتجاجات رسمية وشعبية واسعة نصرة للقضية الفلسطينية وتنديداً بالجرائم الوحشية التي تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين في فلسطين سعياً إلى احتلال الأقصى المبارك وإقناع الصهاينة بأنها انتصرت على المقاومة الفلسطينية التي قصفت تل أبيب بكمية كبيرة من الصواريخ وقذائف الهاون التي لم تكن “إسرائيل” تتوقعها على ما يبدو.
أمام هذا العدوان الغاشم والدم المهراق في مدن فلسطين، لم يرُقْ للموريتانيين أن يلوذوا بالصمت والتجاهل، بل خرجوا خلال الأيام الماضية في مسيرات حاشدة غاضبة تنديداً بالجرائم المتعددة التي مارسها ويمارسها الكيان الصهيوني الغاصب بحق الشعب الفلسطيني الأبيّ المقاوم، حيث شهدت العاصمة الموريتانية نواكشوط وبعض المدن الداخلية احتجاجات متعددة ظلت رقعتها تتسع يوماً بعد يوم، حتى شملت كل أطياف المجتمع الموريتاني.
وقد كشفت تلك الاحتجاجات المتجدّدة المتعدّدة، من جديد، عن تمسّك موريتانيا حكومة وشعباً معارضة وموالاة بالقضية الفلسطينية، والوعي بضرورة الدفاع عنها حتى تصبح فلسطين حرة عاصمتها القدس، وقد أكد ذلك تسابق الموريتانيين إلى التعبير عن نصرة الشعب الفلسطيني ومناهضة الكيان الصهيوني المحتل، حيث قاد العلماء والأئمة والدعاة والنواب البرلمانيون مبادرات للتوعية بضرورة نصرة فلسطين والتبرع لها بالغالي والنفيس، من أجل تضميد جراحها النازفة، وحمايتها من الجرائم الإسرائيلية الوحشية.
تحرّك رسمي
وفي محاولة منها للتعبير عن موقف الحكومة الموريتانية من العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني، أصدرت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون والموريتانيين في الخارج، أمس الأول الثلاثاء، بياناً أكدت فيه ضرورة إسهام كل من موقعه في حماية فلسطين مقدسات وشعباً وأرضاً، ودعت إلى عقد اجتماع افتراضي لاتحاد المغرب العربي على مستوى وزراء الخارجية، اليوم الخميس الساعة التاسعة (9:00) صباحاً بتوقيت نواكشوط.
وأشارت الخارجية الموريتانية إلى أن هذا الاجتماع يأتي “للتشاور وتنسيق الجهود المغاربية لمؤازرة الشعب الفلسطيني الشقيق بما من شأنه أن يكفل الحماية لأرضه وأرواحه وممتلكاته، ويمهّد السبيل لحل عادل دائم يُنهي معاناته طبقاً لما يقضي القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وخطة السلام العربية”، حسب نص البيان.
وأكدت الخارجية الموريتانية، في بيانها، أن الأراضي الفلسطينية المحتلة تشهد منذ أيام تنامياً غير مسبوق للتنكيل بالمدنيين الأبرياء في رحاب المسجد الأقصى المبارك، وتهجير المقدسيين قسراً لصالح الاستيطان، وتسخير آلة الحرب الإسرائيلية -جواً وبراً وبحراً- لتقتيل النساء والأطفال والشيوخ، وتدمير مرافق الحياة في القطاع المنهك بسنوات خانقة من الحصار، في صمت دولي رهيب عن انتهاك الكيان الصهيوني السافر لمقتضيات القانون الدولي وللقرارات الأممية.
وفي وقت متأخر من الليلة الماضية (الأربعاء)، أعلنت موريتانيا في بيان جديد عن تأجيل الاجتماع المغاربي، وقالت إن التأجيل يأتي “مراعاة لالتزامات سابقة في سياق التحضيرات التي تضطلع بها المجموعة العربية وكتلة عدم الانحياز لدعم الرؤية الفلسطينية في اجتماع خاص للجمعية العامة للأمم المتحدة”، مضيفة أنه سيتم الإعلان عن موعد الاجتماع لاحقاً، الأمر الذي يطرح استفهاماً مشروعاً حول مصير هذا الاجتماع.
مسيرات حاشدة
وفي سلسلة جديدة من الاحتجاجات الشعبية المتجددة، نظّمت الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني ومختلف القوى الحية في موريتانيا الموالية والمعارِضة، مساء أمس الأربعاء، مسيرة حاشدة بالعاصمة الموريتانية نواكشوط شارك فيها آلاف الموريتانيين، من أجل التنديد بالعدوان الصهيوني الغاشم على الشعب الفلسطيني الأبي والعمل على إيقافه فوراً دون قيد أو شرط، ليعيش الشعب الفلسطيني الصامد بأمن وأمان في أرضه فلسطين حرة غير مدنّسة برجس اليهود الغاصبين.
وقد انطلقت المسيرة الحاشدة من ساحة مسجد بن عباس وسط العاصمة نواكشوط، وجابت عدداً من الشوارع الرئيسة في العاصمة مثل شارع جمال عبد الناصر، وتوقّفت أمام مقر الأمم المتحدة في مقاطعة تفرغ زينة للتعبير عن التنديد بالجرائم الصهيونية الوحشية، ورفع المحتجون خلال المسيرة لافتات وشعارات مناهضة للكيان الصهيوني من قبيل: “من شنقيط التحية إلى الأقصى الأبية”، و”يا بو عبيدة يا مغوارْ سمِّعنا صوت الإنذارْ”، و”حط السيف قبال السيف نحن رجال محمد الضيف”، و”يا مقاوم يا حبيبْ دمّر دمّر تل أبيبْ”.
ومن خلال هذه المسيرة الحاشدة، استطاع الآلاف من الموريتانيين التعبير عن مناهضتهم للكيان الصهيوني الغاصب ووقوفهم مع القضية الفلسطينية العادلة، حيث أعرب عدد من المفكرين والسياسيين والنواب البرلمانيين المشاركين في المسيرة عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني، وطالبوا بإيقاف عدوان الكيان الصهيوني الغاشم على الفلسطينيين فوراً، كما عبّروا عن اعتزازهم وفخرهم بصمود الشعب الفلسطيني الفريد طيلة عقود طويلة نيابة عن الأمة العربية الإسلامية بأكملها.
تنديد نقابي
ولم تقتصر احتجاجات الموريتانيين المناصرة للقضية الفلسطينية على تلك المسيرة الحاشدة مساء أمس الأربعاء، بل شهدت دار الشباب القديمة بنواكشوط مساء أمس الأربعاء أيضاً تظاهرة شعبية كبيرة نظمتها المركزيات النقابية لتأييد ودعم القضية الفلسطينية، وشاركت في هذه التظاهرة عدة مركزيات نقابية موريتانية، مثل: الاتحاد النقابي لعمال موريتانيا، والاتحاد الوطني للنقابات المستقلة، والاتحاد العام للعمل والصحة في موريتانيا، والاتحاد العام للنقابات المهنية، ونقابة الصحفيين الموريتانيين، والاتحاد المهني للصحف المستقلة في موريتانيا.
وبهذه المناسبة، أصدرت المركزيات النقابية بياناً ندّدت فيه بتهويد القدس وتهجير السكان خاصة في حي الشيخ جراح، واستباحة حرمة المسجد الأقصى، والاعتداءات الوحشية على المدنيين العزّل، ودعا البيان قادة الرأي والعلماء إلى استنهاض همم الشعوب من أجل الوقوف في وجه التطبيع مع الكيان الصهيوني، وإيقاف عدوانه على الشعب الفلسطيني.
وفي سياق متصل، عبر اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين، في بيان له أمس الأربعاء، عن تنديده بالوحشية الصهيونية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في القدس والضفة وغزة، ودعا “الضمير الإنساني ليقظة حقيقية تجاه العنجهية الصهيونية والوقوف بشجاعة في وجه سطوتها الشنيعة”. وقال الاتحاد، في بيانه، إن “الصهيونية فقدت زمام المبادرة إلى الأبد، وخسرت معركتها الاستراتيجية للاحتلال والعدوان، لأنها راهنت على حق القوة المطلقة لتنتصر عليها قوة الحق التي لا يقوى أمامها ظالم مهما كانت سطوته”.
وبعد هذه الاحتجاجات المتعددة المناصرة للشعب الفلسطيني، لا تزال تلوح في أفق موريتانيا مظاهرات ومسيرات وبيانات عديدة، تُناصر الشعب الفلسطيني الصامد، وتُندّد بالعدوان الصهيوني الغاشم، وتُطالب بإخراج الصهاينة من أرض الإسراء والمعراج صاغرين مهزومين، فقد دأب الشعب الموريتاني بكل أطيافه وخلال تاريخه على نصرة القضية الفلسطينية والوقوف مع الشعب الفلسطيني في كل الأحيان.