يدور جدل حول عنوان مسرحية مصرية جار إعدادها بعنوان “المومس الفاضلة”، وهي مأخوذة عن مسرحية بالعنوان ذاته للكاتب والفيلسوف الفرنسي “جان بول سارتر” كتبها عام 1946.
وقد أثار اسم المسرحية موجة شد وجذب، وصلت إلى أروقة المحاكم المصرية والبرلمان وأجهزة الإعلام، بين من يرى المنع حفاظا على قيم المجتمع، ومن يرى في ذلك حجرا ووصاية على الفن، وتخلفا وجهلا وعودة للوراء.
ولقراءة المشهد من منظور ثقافي ننطلق من قاعدة لا خلاف عليها بين العقلاء، وهي اختلاف مدلول الكلمة ذات الترجمة الحرفية الواحدة من مجتمع لمجتمع، ومن ثقافة لثقافة، وبقدر سعة ثقافة الإنسان، بقدر تفهمه واحترامه لاختلاف الثقافات.
فنحن في بلادنا العربية قد يختلف مدلول الكلمة داخل البلد الواحد من محافظة لأخرى، أو من حضر لريف لبدو؛ فمثلاً في “الإسكندرية” إذا أردنا ممن يجلس بجوارنا أن يفسح في المكان نقول: “انزاح”، وفي الريف يقولون لنفس الغرض: “اتاخر”، وأهل الريف يرون في التعبير بكلمة “انزاح” قلة أدب وعجرفة تصل لحد الإهانة للمخاطَب، في حين أن للكلمتين مرجعية في اللغة العربية الفصحى؛ الأولى من الإزاحة، والثانية من التأخر.
وإذا ذهبنا بعيداً نجد أن الكلمة قد يتسع الخلاف في مدلولها بتغير البلاد والثقافات؛ حيث إن الكلمة هي نتاج لثقافة المجتمع.
يذكر الدكتور “حسن وجيه” في كتابه “علم التفاوض الاجتماعي والسياسي” أن الرئيس الراحل “أنور السادات” سأله صحفي أمريكي: “هل تنتظر دعوة من الرئيس “كارتر” لزيارة الولايات المتحدة قريباً؟“، فرد عليه السادات: ”INVITED OR NOT INVITED I CAN GO AND MEET WITH CARTER”
يعني وفقا لثقافة “العشَم” عند المصريين، والتي عبرَت عنها أغنية “شيخ البلد” لشفيق جلال: (الليلة دي من غير عزومة نتعزم)، يقول السادات: “بدعوة أو بدون دعوة أستطيع مقابلة “كارتر“).
كان تعليق الصحفي الأمريكي وفق ثقافته هو كمتلقٍّ لرد السادات إن “السادات يتسم بالعنجهية والجفاء”.
وتستطيع أن تتوسع في آلاف الكلمات والمواقف التي يتباين تلقيها من مجتمع لمجتمع؛ فمفهوم الكلمة هو الابن الشرعي لثقافة المجتمع.
وبرغم بساطة المفهوم، وبرغم اشمئزاز المتلقي العربي لكلمة “مومس”، وبرغم فجاجة ارتباطها بالفضيلة في جملة واحدة؛ فإن أدعياء الثقافة في بلادنا يواجهون بعنجهية وجهل واتهامات معلبة كل من يحاول تذكيرهم بخصوصية ثقافة مجتمعاتنا.
أما موضوع المسرحية نفسه، فهو موضوع إنساني أدبي رفيع وقع ضحية عنوانه، ومجتمعنا في الغالب يكتفي بقراءة الكتاب من عنوانه، وهذا ما سأتناوله في مقال قادم، إن شاء الله.