تعيش تونس حالة من عدم الاستقرار المالي ينعكس بشكل جلي على ميزانيتها في ظل امتناع المؤسسات المقرضة الدولية عن تمويلها لما تشهده من اضطراب سياسي وسط آمال معقودة لانفراجة من قبل صندوق النقد الدولي.
وسجل عجز ميزانية تونس 10.4 مليارات دينار (3.72 مليارات دولار) في 2021م، بنسبة 7.2 % على أساس سنوي، مع استمرار عدم قدرة البلاد على تحقيق ميزانية صفرية (تعادل الإيرادات والنفقات).
وكانت الحكومة تتوقع أن يبلغ العجز في قانون المالية الأصلي لعام 2021م، ما قيمته 7.094 مليارات دينار (2.48 مليار دولار).
وبحسب تقرير المركزي التونسي، بلغ العجز في 2021م ما نسبته 8.3 % من إجمالي الناتج المحلي.
وترجع أسباب استمرار عجز الموازنة إلى التراجع الحاد في الموارد المالية نتيجة الاضطرابات السياسية ما يرهب المؤسسات المستثمرين والشركات الخاصة، بالإضافة إلى تراجع التصنيف الائتماني للبلاد وتزايد العجز المالي بشكل متسارع ومستمر دون وضع آلية للتعامل مع هذه الأزمة.
ويأتي من تلك الأسباب الموارد الجبائية التي تمثل العمود الفقري لهيكل الميزانية رغم تحسنها النسبي إلا أنها تعد غير كافية لتغطية العجز.
وخفضت وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية، في 8 يوليو/تموز 2021م، تصنيف تونس إلى B-، مع نظرة مستقبلية سلبية في ظل ارتفاع مخاطر السيولة.
كذلك أيضا ارتفاع أسعار النفط والتضخم العالمي الذي تشهده كل دول العالم، الأمر الذي تسبب في ارتفاع الحبوب وغيرها من السلع التي تدعمها الدولة، ما ساهم أيضا في ارتفاع العجز بالموازنة عن المتوقع.
يشار إلى أن معدل التضخم ارتفع في البلاد خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى 6.3 بالمئة.
وتمثل مخصصات الدعم، وفق نشرية وزارة المالية، 9.6 % من نفقات ميزانية الدولة، مقابل ذلك بلغت النفقات المخصصة لكتلة الأجور 55.3 % من نفقات الميزانية.
والارتفاع الكبير في النفقات مقابل نمو ضعيف في الاقتصاد المحلي يعد أحد أهم أسباب العجز المزمن الذي تشهده ميزانية البلاد، وسط مخصصات ضئيلة لنفقات الاستثمار التي لا تتعدى 9 % من النفقات الإجمالية للميزانية.
تداعيات العجز
ويسهم هذا العجز في تعقيد المشهد الاقتصادي وزيادة الحاجة إلى سرعة الاقتراض، مما يصعب الموقف العام لتونس، ويجعلها خاضعة أكثر لإملاءات صندوق النقد الدولي وشروطه المجحفة، من أجل الحصول على قرض الصندوق للخروج من عنق الزجاجة.
وترتكز الإصلاحات التي يشترطها الصندوق أساسا على خفض كتلة الأجور ورفع الدعم وإيجاد حل للمؤسسات العمومية المفلسة. إلا أن الاتحاد العام التونسي للشغل أعرب عن رفضه “أي خطط لخفض الدعم”.
ويشترط صندوق النقد الدولي وفقا للبنك المركزي التونسي إشراك جميع الأطراف الوطنية في إجراء هذه الإصلاحات، في إشارة إلى الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة الأعراف والأحزاب الفاعلة في البلاد، مما يؤزم المشهد الاقتصادي في البلاد.
كما أن استمرار هذا العجز المزمن وسط تراجع معدلات النمو يسهم أيضا في تكبيل يد الدولة في القدرة على تقديم خدمات للمجمتع وخلق مشاريع استثمارية تستوعب البطالة التي تشهدها البلاد، حيث ارتفعت إلى نحو 18.4 % في الربع الثالث من عام 2021م.
حلول لازمة
وفي خضم ذلك، تحتاج تونس للعمل على حل المشهد السياسي سريعا أو تحيد الاقتصاد المحلي بعيداً عن المناكفات السياسية، بالإضافة إلى ترشيد النفقات والعمل على تعظيم إيرادات الميزانية من خلال استقطاب الاستثمار الأجنبي وتحفيز آليات الاستثمار المحلية والتخلص من البيروقراطية.
يضاف إلى ذلك ضرورة استخدام القروض في مشاريع استثمارية حتى تسهم في تحقيق نمو اقتصادي ولا تكون عبء على الدولة والميزانية على شكل ديون.
ويتراوح حجم الدين العام في تونس ما بين 109 و112 مليار دينار (38.84 مليار دولار) وفق توقعات الصحف المحلية، ليصل بذلك نصيب كل فرد تونسي من إجمالي الدين إلى متوسط 9 آلاف و300 دينار (3225 دولار).
كذلك ضرورة العمل تخفيض محكم ومدروس لمعدلات الفائدة التي تقلص كلفة الاستثمار وكلفة التمويل والإنتاج وتخفيض الأسعار لضخ الدماء داخل الاقتصاد المحلي.
والعمل على ضبط سعر الصرف للدينار التونسي الذي تجاوز سعر صرفه أمام الدولار نحو 2.9 دينار، بعد أن تراجع حجم احتياطي النقد الأجنبي بنحو 6 %، لوقف تأثيراته السلبية كالصعود الكبير للتضخم وانتفاخ الدين.
وأشار تقرير للمركزي، في مطلع الشهر الجاري، إلى أن احتياطي النقد الأجنبي انخفض بنهاية العام الماضي، إلى 7.998 مليارات دولار (أو 136 يوم توريد)، نزولاً من 8.490 مليارات دولار (162 يوم توريد) في نهاية 2020م.