سورة القصص في القرآن تبدأ -على غير المتوقع- من النهاية السعيدة للقصة، تبدأ بالبشارة بزوال دولة الطغيان، ونجاة المستضعفين، وعودة الحقوق لأصحابها: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ} (القصص: 5، 6).
ثم تبدأ بعدها تفاصيل قصة الصراع ضد الطغيان ممثلا في شخصية فرعون، في تفصيل كامل لأركان دولة الطغيان: (فرعون – الجنود – السحرة – هامان – قارون – الملأ – قوم فرعون).
فرعون هو رأس النظام، وجنوده قوة البطش التي يرعب بها الشعب. وهامان وزيره أو الكاهن الأكبر الذي يزين للشعب عبادة فرعون. والسحرة هم طبقة الفنانين والإعلاميين الأكثر شعبية بين المواطنين، وهم مَنْ يملكون تحويل الحبال التافهة إلى ثعابين مرهوبة في أعين المشاهدين. وقارون هو الثروة وسلطة المال المتحالفة مع السلطة السياسية. والملأ هم النخبة والمثقفون وعِليَة القوم الذين ترتبط مصالحهم مع مصالح منظومة فرعون. وقوم فرعون هم أنصاره من الشعب الذين ظلوا على قناعتهم به حتى بعد فشل السحرة، وحتى لحظة غرقه أمام أعينهم.
صورة مكتملة الأركان لمعالم دولة الطغيان، لا يمكن أن تجدها قبل ألف وأربعمائة عام في أي كتاب بين يدي البشر، إلا في رسالة الله الخاتمة.
صراع الحق والباطل في رسالة الله الخاتمة، لم يكن صراع الإيمان ضد الكفر فحَسب؛ بل صراع الإنسان ضد الطغيان.
{فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ} (طه: 47).
الظلم والتمييز والاستعباد والاستغلال … باطل.
والعدل والمساواة والحرية والإنصاف … حق.
ولباب الرسالة القرآنية: أن قضية مقاومة الظلم والطغيان قضية محورية في تاريخ البشرية، وجزء أساس في تكوين عقيدة وشخصية المؤمن.
{وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لنَا مِن لدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لنَا مِن لدُنكَ نَصِيرًا} (النساء: 75).
وكما بدأت السورة بالبشارة بالنهاية السعيدة بنجاة المستضعفين من الطغيان، تنتهي بالبشارة السعيدة للنبي صلى الله عليه وسلم بالعودة المظفرة إلى بلده التي تم طرده منها:
{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاءَ بِالْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} (القصص: 85).