قالت صحيفة “لوموند” (Le Monde) الفرنسية إن سكان غزة هم الضحية الرئيسية للحصار الذي تفرضه حكومة الاحتلال بدعم من مصر، منذ 15 عاما على القطاع، عندما ردت على سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) هناك بفرض عقوبات جماعية، وحصار غير مسبوق على ما يقرب من مليوني نسمة من سكان هذه الأرض.
وفي بداية عموده بالصحيفة، ذكّر أستاذ العلوم السياسية البروفسور جان بيير فيليو بأن جيش الاحتلال الصهيوني -الذي لم يستطع إضعاف سيطرة حماس على هذه المنطقة- انسحب منها في سبتمبر أيلول 2005، بعد 38 عاما من الاحتلال، من دون التنسيق مع السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، مما أضعف هذه الأخيرة بشكل دائم أمام منافسيها الإسلاميين، المنتصرين في الانتخابات التشريعية في يناير 2006.
وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن هذا النجاح الانتخابي، الذي لم يسهم في دمج حماس في اللعبة السياسية، فتح دائرة من العنف الفلسطيني الداخلي، انتهت بانقسام فعلي بين قطاع غزة تحت سيطرة الإسلاميين، والضفة الغربية التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية جزئيا وتخضع لضغوط الاستيطان الصهيوني.
حماس توطد سلطتها بغزة
في فبراير 2009، وصف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي -الذي لا يمكن اتهامه بالعداء لـ “إسرائيل”، حسب رأي فيليو- هذه الأرض التي تبلغ مساحتها 360 كيلومترا مربعا بأنها “أكبر سجن مفتوح في العالم”، وهو وصف لا يزال صالحا حتى اليوم.
واستعرض الكاتب حصيلة 4 حروب دارت بين جيش الاحتلال وحماس، وفي كل واحدة منها حدث دمار هائل في قطاع غزة، حيث قُتل 1417 شخصًا في ديسمبر 2008 ويناير 2009، و166 في نوفمبر 2012، و2310 في يوليو وأغسطس 2014 و256 في مايو 2021.
ويرى فيليو أن ديناميكيات الحصار أدت إلى الاستيلاء على السلطة في غزة من قبل “المتشددين” من حماس، بقيادة يحيى السنوار الذي كان مسجونا في سجون الكيان الصهيوني من 1988 إلى 2011، مما يعني أن إغلاق القطاع أسهم في تقوية حماس و”صقورها” الذين كان من المفترض أن يضعفهم الحصار.
احتلال عن بعد
وتواصل حكومة وجيش الاحتلال بحكم الأمر الواقع تحكمها في حياة جميع سكان قطاع غزة، بسيطرتها الصارمة للغاية على نقطتين من نقاط العبور البرية الثلاث، عدا رفح المفتوحة على مصر، فضلا عن تحكمها في المجال الجوي والوصول إلى البحر الذي تحد حرية حركة السكان فيه بما بين 3 و10 أميال حسب الظروف.
وقد أقنعت هذه السيطرة الصهيونية المتعددة الأوجه بعض منظمات حقوق الإنسان بأن الاحتلال لا يزال هي “القوة المحتلة” لغزة، ولكن بصيغة جديدة، فهي تحتل القطاع عن بعد، وبصورة مؤثرة سلبيا على الحياة اليومية لمعظم الناس هناك.
وأشار الكاتب إلى أن القيود المفروضة على العبور إلى مصر تم تخفيفها نسبيا لمدة 4 سنوات، قبل أن يعاد تشديدها في أثناء الوباء، كما أن إسرائيل منحت مؤخرا تصاريح عمل لعشرات الآلاف من سكان غزة، ولكنها بقيت هي التي تنظم بصرامة دخول البضائع إلى غزة، وتحول دون تطوير اقتصاد جدير بهذا الاسم هناك.
المبادرة الأوروبية
ولأن الاتحاد الأوروبي هو المانح الرئيسي للمساعدات الإنسانية في قطاع غزة، حيث يبلغ معدل البطالة الأعلى في العالم 45%، وحيث يعيش 59% من السكان تحت خط الفقر -وفقا للبنك الدولي- فإنه كان بإمكانه أن يأخذ زمام المبادرة لفتح خط بحري بين غزة وقبرص تحت إشرافه، لعكس منحنى التدهور الاقتصادي بدلا من الاستمرار في تمويل العواقب الكارثية للحصار.
ومع أن بعثة مساعدة الاتحاد الأوروبي موجودة بالفعل من الناحية البشرية والمالية في رفح، فإن وجودها على الجانب الإسرائيلي بقي معلقا، ويكفي -حسب رأي فيليو- تشغيلها مرة أخرى وتكليفها بالقيام في ميناء غزة بالدور الرقابي نفسه في رفح، لتبقى على اتصال بإسرائيل والسلطة الفلسطينية، وبالتالي تسحب الشرعية في غزة من حماس، ليؤكد الاتحاد الأوروبي، رمزيا وعمليا، التزامه الفعال تجاه سكان غزة.
وختم الكاتب عموده بالتأسف على أن فرنسا لم تنتهز فرصة رئاستها الأوروبية لإطلاق مثل هذه المبادرة، وأبدى أمله في أن تكون هذه الذكرى السنوية الحزينة لمرور 15 سنة على الحصار، مناسبة لمشاركة الاتحاد الأوروبي بنشاط في مثل هذا المشروع الملموس.