74 عامًا مرّت على احتلال فلسطين، ولا تزال الحقائق تتكشف عن بشاعة الجرائم التي ارتكبت بحق الفلسطينيين والقرى المهجرة إبان النكبة عام 1948، ليكون آخر ما كشف عنه بحث للمؤرخين الإسرائيليين “بيني موريس”، و”بنيامين زئيف كيدار”، بشأن استخدام السلاح البيولوجي وتسميم آبار المياه في عكا وقطاع غزة.
وحسب الكشف الجديد الذي نشرته صحيفة “هآرتس” الجمعة الماضية (14 أكتوبر/ تشرين أول)، تبينت العلاقة بين ما كتبه دافيد بن غوريون في مذكراته في 1 نيسان/إبريل 1948، عن تطور العلم وأهمية استخدامه في المعركة، حيث تبين بعد شهر ونصف من ذلك الوقت أن ما كتبه عن مواد بيولوجية اشتريت بمبلغ 2000 دولار.
وحسب البحث الذي أجراه المؤرخان الإسرائيليان، والحاصل على جائزة إسرائيل، فقد تم كشف توثيق رسمي يوفر شهادات عن العملية التي حملت اسمًا سريا وهو ” أرسل لأخيك”.
وكشف البحث عن تدخل “بن غوريون” في عملية سرية لتسميم آبار المياه في قرى عربية في ما سميت “حرب الاستقلال”، تم كشفها بشكل جزئي قبل عشرات السنين، عندما نشرت في صحف وفي كتب شائعات وشهادات شفوية عن محاولة الجيش الإسرائيلي تسميم آبار في عكا وفي غزة بواسطة حقن جراثيم في مياه الشرب عام 1948، تؤدي للإصابة بمرض التيفوئيد والزحار (الديزنطاريا).
وشرح الباحثان أن العملية استهدفت تسميم آبار في قرى عربية مهجورة لمنع العرب من العودة إليها، وبدأت في شهر نيسان من 1948 أثناء الحرب، قبل شهر ونصف على قيام ما تُسمى “دولة إسرائيل”.
وحسب الكشف الجديد، شارك في عملية تسميم المياه إلى جانب “بن غوريون” شخصيات أخرى كبيرة في قيادة الجيش والكيان الإسرائيلي، كجنود “النحشون”، و”موشيه دايان” ورئيس قسم العمليات في الجيش الإسرائيلي آنذاك “يغئال يدين”.
وفي تفاصيل الكشف، بدأت العملية في المحور بين القدس وتل أبيب، واتسعت بعد ذلك أيضاً إلى عكا في الشمال وغزة في الجنوب.
وحسب الشهادات شملت بعد ذلك في مرحلة التخطيط بلدات أخرى مثل أريحا وبئر السبع وعيلبون في الجليل، والقرى العربية بدّو، وبيت سوريك، وبيت محسير قرب القدس، وأيضاً الموشاف اليهودي “هار طوف”، بعد أن تم إخلاء السكان منها.
وفي شهادة مهمة عن العملية وجدها “موريس” في أرشيف “كيبوتس نعان”، حيث تم الحفاظ على شهادة قدّمها في 1988 عضو في الكيبوتس، رجل الآثار وقائد المستعربين في “البلماخ” “شماريا غوتمان”، قال إنه عبّر عن رفضه الأخلاقي للعملية، وحذّر من أن تسميم الآبار يمكن أن يضر أيضًا باليهود.
من ناحيته، يشير الباحث والمؤرخ الفلسطيني مروان الأقرع إلى أن الاحتلال وعصاباته استخدموا في عدوانهم وقيام دولتهم أساليب كثيرة في القتل والتشريد، ومنها الحرب البيولوجية التي كشف المزيد عنها البحث الإسرائيلي الجديد مؤخرا.
ويبين “الأقرع” أن اللاجئين لم يعودوا إلى بيوتهم ومساكنهم الأصلية في بعض القرى المهجرة لأنهم كانوا يعلمون عن تسميم المياه.
ويسرد عن قيام عصابات صهيونية بتعليمات من قادتهم بتسميم آبار مياه سيطر اليهود عليها؛ لتسميم العرب في حال انتصارهم وتمكنهم من العودة وتحرير قراهم، لافتًا أن ذلك يندرج ضمن سياسات بث الذعر والخوف في صفوف الفلسطينيين والعرب والمتطوعين .
ويضيف “الأقرع”: “الاستهداف لم يتقصر على غزة وعكا، بل طال جموع القرى الفلسطينية الواقعة بين القدس ويافا التي كان تركيز الدولة اليهودية فيها” .
وحول المزيد من الكشف عن الحرب البيولوجية وجغرافيتها يقول إن “المخططات كانت تستهدف العواصم العربية وتحديدا القاهرة وبيروت، حيث تم كشف منفذين اثنين من الإسرائيليين في طريقهم لتسميم القاهرة وتمت محاكمتهم وإعدامهم” .
وعن طبيعة الدور الذي يقوم به المؤرخ الإسرائيلي “موريس”، يرى الباحث في الشأن الإسرائيلي خلدون البرغوثي أن “موريس” صهيوني بحت، ويتهم “بن غوريون” بأنه لم يقم بتهجير الـ120 ألف فلسطيني في الداخل المحتل مرة واحدة، ويبرر التطهير العرقي والاغتصاب، لكن دوره كباحث يختلف عن موقفه الشخصي، ومنفصلان كل منهما عن الآخر.
ويضيف البرغوثي أن طبيعة الخلاف بين “موريس” والدولة؛ أن الأرشيف موجود للاطلاع عليه وليس إخفاؤه من قبل المستويات الأمنية والسياسية الرسمية.
ويستعيد المحلل السياسي فتحي الحايك عمليات تسميم مماثلة لمدارس في قرى جنوب الخليل بالضفة الغربية في ثمانينيات القرن الماضي قائلًأ: “إن ذلك يستند للنماذج التوراتية في الحروب المبيحة لقتل الأغيار وحيواناتهم وهدم بيوت عبادتهم”.
ويشدد “الحايك” على أنه لا فرق بين التيارات الدينية والعلمانية في استخدام ذات الوسائل وأبشع منها، مشيرا إلى رواية “تاجر البندقية” لشكسبير التي كشفت عن رؤيتهم للعلاقة من الغير وتجاوز كل حدود الحياة ومحرماتها بحسب وكالة سند.