انبعاث للضوء والحياة من جديد، وأمل يتسلل لعيون تشتاق لبزوغ فجر جديد تبصره، كما أبصرته 13 عينًا حتى الآن، خلال حملة للتبرع بالأعضاء والقرنيات في قطاع غزة، في ظل صعوبة التحويلات إلى الخارج لإجراء تلك العمليات، أو استيراد الأعضاء من الخارج، بسبب الحصار المفروض على القطاع منذ أكثر من 16 عامًا.
وأطلقت وزارة الصحة في قطاع غزة في 23 أغسطس/ آب الماضي، برنامجا لزراعة القرنيات، داعية لنشر ثقافة التبرع بالأعضاء وخاصة القرنيات بعد الوفاة.
وجاء إطلاق البرنامج بسبب الحصار الخانق، حيث يعتمد الكثير من المرضى على التحويل لمستشفيات القدس والضفة الغربية وإسرائيل، لتلقّي العلاج وإجراء العمليات غير المتوفرة في مستشفيات غزة، حيث تماطل إسرائيل في إصدار تحويلات وتصاريح المرضى، أو ترفض إصدارها بشكل يهدد حياتهم.
مدير وحدة زراعة الأعضاء في وزارة الصحة يحيى خضر، يكشف أن عدد من تقدموا للتبرع بقرنياتهم بعد الوفاة في قطاع غزة حتى اللحظة بلغ 150 حالة.
ويضيف “خضر” ، أن إقبال الناس على الحملة جيد، حيث تم أخذ قرنيات من 7 متوفين، وهناك أيضاً 4 آخرين لكن طبيعة المرض الذي توفوا به وأعمارهم لم تسمح بأخذ قرنياتهم.
ويشير إلى أن عدد العمليات التي أجريت حتى الآن 13 عملية، بمعنى أن 13 مريضاً استفاد من المشروع حتى اللحظة، مضيفاً: “متابعتنا للمرضى التي تم زرع قرنيات لهم جيدة والأمور ناجحة”.
وكانت العملية تكلف محلياً 5000 دولار عن طريق القرنيات المستوردة، ولكن كانت بها عدة إشكاليات، من حيث منع سلطات الاحتلال لدخول هذه القرنيات، وصعوبة الحصول عليها واستيرادها ضمن ظروف إغلاق المعابر، وفق “خضر”.
ويتابع أن “أقصى مدة لحفظ القرنية هي فترة 14 يوم، وما بين استيرادها وإجراءات دخولها لقطاع غزة نجد أن هذه القرنية تفقد بعض خصائها، وتصبح ليست بالجودة المطلوبة عند زراعتها للمريض”.
ويوضح ضيفنا، أن ما بين 250 لـ 300 حالة في قطاع غزة تحتاج سنوياً لعمليات زراعة قرنية، مستطردًا “وللأسف كانت هناك صعوبة بالغة في عمليات الاستيراد، وأقصى حد وصلت إليه المؤسسات الأهلية في استيراد القرنيات 10 قرنيات خلال العام”.
طبيعة العملية..
وعن طبيعة العملية يحكي “خضر” أنها تكون عبارة عن إزالة القرنية أو جزء منها، ويتم زراعتها مكان الجزء الآخر في مقدمة العين لدى المريض، دون أن يحدث أي تشوّه في جسم المتوفي لأنها عبارة عن عملية جراحية تجميلية ولا تظهر على وجه المتوفي أي علامات.
ويُبيّن أن القرنية هي عبارة عن نسيج شفاف، موجود في مقدمة كرة العين، وهو الذي يسمح للضوء بالمرور داخل العين، ويعمل على تركيزه ويسمح للعين برؤية الصور بوضوح، وهو المسؤول عن 80% من الإبصار.
ويلفت “خضر”، إلى أن القرنيات لا يوجد بها أوعية دموية، ولا يلزمها تطابقًا للأنسجة، وبالتالي فهي عمليات ناجحة بنسبة 95% فما فوق، وخصوصاً إذا كانت من متوفي جديد.
ويتحدث عن وجود الكثير من الأمراض التي قد تصيب القرنية، وتمنع من دخول الضوء وتؤثر على وظيفتها وعدم القدرة على الإبصار.
معايير اختيار المرضى..
وفي سؤالنا عن معايير اختيار المرضى يُجيب: “هناك لجنة مكونة من وزارة الصحة، ومن أخصائيين من المستشفى الأوروبي، ومستشفى العيون وكذلك من وحدة زراعة الأعضاء، تعمل على تصنف المرضى حسب الاحتياج”.
ويزيد: “مثلًا الذي لا يبصر في كلتا العينين يكون له الأولوية، وإذا كان شاباً، ومن أجريت له عدة عمليات في عينه قبل ذلك يؤجل لضمان نجاح العملية قدر المستطاع”.
ويدعو ضيفنا المجتمع المحلي، وأهالي قطاع غزة “الذين عودونا على التضحية والفداء، وعلى تقديم الغالي والثمين في خدمة وطنهم وأبناء شعبهم، أن يسارعوا في كتابة وصاياهم والتبرع بالقرنيات، وحث الأهالي من لديه متوفي، أن يتبرع بقرنيته للمرضى حتى يبصروا، ويجعل حياة جديدة من قرنية المتوفى لديه إلى مريض آخر”.
نماذج مشرفة..
ذوي الشاب وسيم عزام من شمال قطاع غزة والذي استشهد مؤخرًا، كانت إحدى النماذج التي وافقت على التبرع بقرنيتي نجلها، كصدقة جارية والتي نجح الأطباء من خلالها بإعادة البصر للشابين محمد حمدان من مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، وعلاء ريحان من بيت لاهيا شمالي القطاع.
وعانى الشابان محمد حمدان، وعلاء ريحان، من أمراض مختلفة في عينيهما سنوات طويلة، جعلتهما غير قادرين على الإبصار، وحرمتهما ممارسة حياتهما الطبيعية والاندماج مع المجتمع.
والد الشهيد عزام، الحاج “سمير” عبّر عن فرحته العارمة بنجاح عملية الشابين، وأن “جعل الله عطاء وسيم لا ينقطع حيا وميتا”، مضيفاً: “وسيم كان يحب الناس، ويسعى من أجل مساعدتهم وخدمتهم، وقد رأيت الفرحة في عيون شابين وأسرتهما”.
ويضيف الحاج “سمير” في حديثه ، أنه “وافق على التبرع بقرنيتي نجله الشهيد كصدقة جارية عن روحه، بعد مشاورة والدة الشهيد وزوجته والذين وافقوا دون أي تردد” وفق قوله.
ويدعو الشعب الفلسطيني، لأن يحذو فعله، قائلًا: “الشعب الفلسطيني يستحق التضحية والفداء (…) عندما زرت الشابين اللذين أجريت لهم العملية رأيت نجلي وسيم في عيونهم، وهذا كان بالنسبة لي فرحة لا توصف”.
من جانبه، يقول زياد حمدان، والد الشاب محمد إن نجله (20 عامًا) أُصيب بحمى شوكية عام 2014، تسبّبت آثارها بفقدانه البصر في العين اليسرى، وترك تداعيات خطِرة على اليمنى، ومنذ ذلك الحين لم يترك وعائلته طريقًا للعلاج واستعادة بصره إلا سلكوه لكن دون جدوى، وأصبح بحاجة ماسّة إلى قرنية لاستعادة البصر.
ويؤكد “حمدان”، أن عملية ابنه تكللت بالنجاح ومجانًا، وأنهت معاناة استمرت أعوامًا، تخللها عدم القدرة على السفر للخارج لإجراء العملية بسبب الحصار والظروف المادية.
وعن شعوره لحظة الإعلان عن نجاح العملية يُخبرنا: “سعادتي لا توصف، ابني استرد بصره وعافيته، والفضل بعد الله تعالى يعود لشهيد مقاوم، سيبقى ذكره حاضرا في الدنيا، وسيرى ابني النور طوال حياته بقرنيته”.
وتوجه “حمدان” بالشكر لذوي الشهيد “عزام”، والطاقم الطبي في وزارة الصحة الذي أشرف على العملية، وكل من ساهم في إطلاق هذا البرنامج في توعية الناس للتبرع بالأعضاء والذي بدأ يؤتي ثماره بحسب وكالة سند.