نور الإيمان يصاحب المؤمن إذا تكلم أو سكت، وإذا تحرك أو سكن، فللإسلام توجيهه في كل ناحية من نواحي الحياة، وهناك نصوص تجمع خيرًا كثيرًا في ألفاظ قليلة من قام فيها بما يجب لله تعالى فقد استكمل الإيمان، من هذه النصوص قول عمار بن ياسر: ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان، الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار. (صحيح البخاري).
الإنصاف من نفسك
إذا قمت بذلك فقد بلغت الغاية بينك وبين خالقك، وبينك وبين الناس، الإنصاف عزيز، وقول الحق مر، وقول الحق لم يدع لي صديقًا، كما قيل، الإنصاف من نفسك فإذا أخطأ الإنسان اعترف بخطئه لم يكابر وسعى إلى تصحيح هذا الخطأ، فإن كان بينه وبين الله تعالى تاب وأناب، وإذا كان فيه حق للعباد رده وسأل العفو والصفح، ينصف الناس من نفسه لله تعالى وليس رياء ولا سمعة، ينصف من نفسه بينه وبين خصمه قبل أن يصدر حكم أو تقام دعوى أصلًا، ينصف نفسه من نفسه فلا يكذب على نفسه، ويدعي من الصفات والمحاسن ما لا يملك منه أدنى ذرة، فيحمله ذلك على الغرور وكفى بالكذب والغرور إذا اجتمعا سبب للهلكة.
إذا أنصف الإنسان من نفسه أنصف بقية العالم حتى لو كانوا أقاربه وأحبابه، فالحق عنده واحد، سواء كان من أمامه قريب أو غريب صديق أو عدو، هذا الإنصاف لا يتقلب بتقلب المزاج، بل هو مستمر في حالة الرضا والغضب مدح أحدهم رجلًا ثم ذمه فقال رضيت فقلت أحسن ما علمت وغضبت فقلت أسوأ ما علمت.
الإنصاف يقتضي أن تعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به.
مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ” [صحيح مسلم] فإذا كنت في موقف تحتاج إلى مساعدة من يراك فساعد من ترى أنه محتاج ليد قوية أمينة تنتشله مما هو فيه.
وإذا سمعت عن أحد كذباً وزوراً وبهتاناً فصحح هذه المعلومات المغلوطة لأنك تحب أن تبقى سمعتك ناصعة البياض.
واس من أصابته مصيبة في نفسه أو ماله عسى أن يصرف الله عنك وعن أهلك المصائب فإن المحزون يحتاج أن يقف الناس إلى جواره وأنت تحب إذا أصابك كرب أن تجد الجميع حولك يخففون عنك الألم.
إننا نستاء من قلة الإنصاف ونتذكر قوله صلى الله عليه وسلم في النساء: «أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ، يَكْفُرْنَ» قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: ” يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ ” [صحيح البخاري] وهذه الخصلة كما توجد في النساء توجد في الرجال فتجد الصديق محسنًا إلى صديقه والأخ إلى أخيه ثم يقصر مرة فلا يقوم بما كان يقوم به أو ينسى أو ينشغل بحاله فإذا بمن أحسنت إليه ينسى كل ما سبق من خير ومعروف.
إن الإنصاف عزيز ولذلك قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا» [صحيح مسلم] الشخص المنصف هو أقرب الناس إلى النجاح لأنه يسارع بالإقرار بأخطائه ويسعى إلى تصحيحها وبذلك يصعد إلى قمم المجد واثق الخطى.
الشخص المنصف يحمل قلبًا مؤمنًا بالله تعالى لأنه ينظر إلى عظمة الله عز وجل قبل أن ينظر إلى نفسه التي تحمله على عدم الإقرار بالخطأ والتكبر على المخلوقين يحمل قلبًا مؤمنًا بالله تعالى لأن إنصافه ليس خشية من قوة قوي وإنما تحقيقًا لمراد الله تعالى بإقامة العدل.
إن الإنصاف مرتبط بالإيمان فعلى قدر إنصاف العبد يكون إيمانه وكلما ازداد إنصافًا ازداد الإيمان في قلبه.
بذل السلام للعالم
بذل السلام وإفشاء السلام نشر لروح طيبة ينبغي أن تعمر المجتمع فإلقاء السلام ورده يسميه الإسلام تحية {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} [النساء: 86] وكأنها نشر لأحد أهم معاني الحياة الطيبة التي يعد الناس فيها بعضهم بعضًا بالأمن والسلامة وما يتلوهما من رخاء وتعمير إنه يتضمن معنى الأمن من العين والمكر والخداع والأذى البدني والمعنوي ودعاء أن يعيش المؤمن بين السلام والرحمة والبركة.
هذه الجملة إذا خرجت محملة بالعواطف الطيبة ولم تخرج جافة باردة كان لها وقعها في تحقيق التواصل الفعال بين المسلمين وبعضهم البعض ونزع فتيل العداوات إنه تعبير عن التواضع عندما يسلم من يراه الناس في أعلى طبقات السلم الاجتماعي على غيره ولهذه المعاني السامية وغيرها كان السلام أحد خصال الإسلام وعباداته المقدمة سئل النبي صلى الله عليه وسلم أَيُّ الإسلام خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ» [صحيح البخاري].
بل هناك ارتباط بين دخول الجنة والإيمان وتحقيق المحبة بين المؤمنين وإلقاء السلام، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلا تُؤْمِنُونَ حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنكُم)[ المسند المستخرج على صحيح مسلم لأبي نعيم ] ومما يقع فيه البعض أن يلقي السلام على من يعرف فقط أو يلقي السلام ويرده مفعما بمشاعر التقدير والاحترام لمن يعرف فحسب أما من لا يعرف فيسلم عليه بطريقة توحي بالاحتقار والمهانة.
إلقاء السلام ورده بطريقة تنم عن كونه عبادة وسببًا لإرضاء الله تعالى ومصدرًا للحسنات ووسيلة لجمع شتات المسلمين يغير من طريقة تعاطينا معه ويساهم في ردم الهوة العميقة التي حفرها شياطين الإنس والجن بين المسلمين.
بين إلقاء السلام ورده علاقة قوية بالإيمان فالمؤمنون أمة واحدة على اختلاف ألسنتهم وألوانهم ومواقعهم في السلم الاجتماعي والسلام أحد وسائل تحقيق هذه الوحدة التي يريد شياطين الإنس والجن أن يفسدوها بزرع الشقاق والعداوة بين المسلمين مما يؤدي إلى الهجر وإلقاء السلام ورده أحد الوسائل المعينة لإطفاء نيران العداوة والبغضاء.
الإنفاق من الإقتار
تمر بالإنسان حالات يفيض معه المال فينفق مما آتاه الله ثم يقل المال حتى يعجز عن تغطية حاجاته الأصلية ومع ذلك فأهل الإيمان ينفقون مهما كان حالهم وقد مدح الله تعالى المؤمنين فقال عنهم {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] [الخصاصة شدة الحاجة ]ومهما كانت النفقة قليلة إلا أنهم يحتسبون من الله تعالى الأجر والبركة فيما أعطاهم أتى سعد بن مالك سائلاً: “وبَين يَدَيْهِ طبق عَلَيْهِ تمر فَأعْطَاهُ تَمْرَة فَقبض السَّائِل يَده فَقَالَ سعد: وَيحك تقبل الله منا مثقال الذّرة والخردلة وَكم فِي هَذِه من مَثَاقِيل الذَّر” [الدر المنثور] ويتسع مفهوم الإنفاق في حال الإقتار ليشمل النفقة على الأهل قال صلى الله عليه وسلم «إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فَمِ امْرَأَتِكَ» [صحيح البخاري].
ويشمل النفقة على الضيف الإنفاق من الإقتار دليل على كمال الإيمان والثقة فيما عند الله تعالى من رزق وصف النبي صلى الله عليه وسلم الصدقة بأنها برهان على صدق صاحبها أما أن تكون هذه النفقة في حال الشدة والقلة فهي دليل على كمال الإيمان بما عند الله تعالى من خير {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } [سبأ: 39] ينفق ثقة في أن الله تعالى سيعوضه عن هذه النفقة في الدنيا والآخرة بركة في الرزق والعمر والعمل والأهل والولد وزيادة في الإيمان وقربًا من الله تعالى ودرجات في الآخرة وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلًا.
إن روح الإيمان تسري في تعاملات المسلم مع نفسه ومع غيره فرغم استقرار الإيمان في القلوب إلا أنك تجد أثره في إنصاف المؤمن من نفسه ونشره للسلام قولا وفعلا بين الناس وجوده بما آتاه الله تعالى من فضل بمثل هذه الأخلاق يتعاون المجتمع المسلم على نيل رضوان الله تعالى وتحقيق الإيمان واقعا ملموسا في الحياة وإنجاز وعد الله تعالى {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55].