تدور معارك شرسة في ميادين مختلفة لا تتوقف بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني غير ميدان الاشتباك المباشر، والمواجهة المستمرة، التي يرتقي فيها شهداء وجرحى في صفوف الفلسطينيين، وعمليات فدائية تكبد العدو الصهيوني خسائر بشرية ومادية.
صراع الأدمغة، وجمع المعلومات، والحرب الإلكترونية بين المقاومة والاحتلال؛ لا يقل أهمية عن الاجتياحات والاقتحامات التي شنّها الصهاينة على المدن والبلدات الفلسطينية، خلال السنوات الماضية، فهي حرب لها أدواتها المختلفة.
وللتعرف على ما وصلت إليه معارك الذكاء الاصطناعي بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني تفتح «المجتمع» هذا التحقيق.
قال المحاضر الفلسطيني في قسم الإعلام بجامعة قطر د. محسن الإفرنجي لـ«المجتمع»: إن ثورة غير مسبوقة أحدثها الذكاء الاصطناعي بتطبيقاته المختلفة ومجالاته المتعددة، تستوجب منا كفلسطينيين تحويل الذكاء الاصطناعي إلى أداة فاعلة من أدوات مقاومة الاحتلال، لكن ذلك يتطلب إمكانات تكنولوجية واقتصادية وبشرية وبيئة مواتية، وهو أمر ليس بالهين في ظل وجود الاحتلال، غير أنه ليس مستحيلاً؛ بدليل استخدامه إعلامياً ولو بشكل أولي.
وأكد الإفرنجي أن كيان الاحتلال يمتلك ترسانة تكنولوجية ضخمة مدعومة من الغرب كله، ومعززة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات عدة، أبرزها في برامج التجسس مثل «بيغاسوس»، وتقنيات التعرف على الوجوه التي تزيد من عمليات اعتقال النشطاء والمتظاهرين وأنظمة المراقبة الدقيقة، بل وتعداه إلى استخدام بعض أسلحة القتل الميداني التي تعمل ذاتياً بالذكاء الاصطناعي.
د. محسن الإفرنجي
الإفرنجي: الاحتلال يستخدم الذكاء الاصطناعي كبديل عن المواجهة المباشرة مع الفلسطينيين
وأشار إلى أن الاحتلال الصهيوني يلجأ إلى الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الفائقة كعادته خشية المواجهة الميدانية المباشرة، وهو ما يتفوق فيه الفلسطيني الذي يعرف طريقه ويعبرها بروحه قبل جسده، ويتمنى الشهادة ولا يهاب الموت، وهي كفة ترجح بدرجة عالية لصالح المقاوم الفلسطيني.
وأوضح الإفرنجي أن ثمة صراعاً خفياً يدور وراء الكواليس يطلق عليه «صراع الأدمغة»، وهو يعكس صراع الإرادات، لافتاً إلى أنه مهما تطورت عقلية المحتل تكنولوجياً وعسكرياً؛ تبقى عقلية وإرادة صاحب الحق أقدر على المواجهة والتصدي لجرائم المحتل وفضحها، ولا أدل على قدرة المقاومة الفلسطينية من تطوير قدراتها التكنولوجية والبشرية بإمكانات متواضعة، منها بناء شبكة اتصالات خاصة بها، استعصت على الاختراق، والوصول إلى معلومات سرية عن قوات الاحتلال.
وأشار إلى أن المقاومة الفلسطينية تمكنت من الوصول إلى الآلاف من جنود الاحتلال، وإرسال رسائل تهديد إليهم، ومحاولة تجنيد جنود بطريقة غير مباشرة، وإرسال الطائرات المسيرة لجمع المعلومات وإجراء مسح جغرافي لكشف ثكنات الاحتلال ومراكزه الحساسة، كما تمكنت من إسقاط عدد من مسيرات الاحتلال الحربية، والاستفادة من أنظمتها التقنية والمعلومات التي تحتويها وتحليلها.
يضاف إلى ذلك، كما يؤكد الإفرنجي، الحرب الإلكترونية والسيبرانية الدائرة بلا هوادة وبشكل شبه يومي عبر المواقع والمنصات الرقمية الاجتماعية ومحاولات تجنيد العملاء.
ولفت الإفرنجي إلى أن المنظومة الاستخبارية والعسكرية والتكنولوجية الصهيونية لم تعد وحدها التي تحدد مصير أي مواجهة قادمة، بعد نجاحات عدة سجلتها المقاومة الفلسطينية في مجال صراع الأدمغة واستباق الأحداث، بل وإدارتها بكل قوة.
وتابع: نخوض اليوم مواجهة مع الاحتلال على الصُّعد العسكرية والتكنولوجية والسيبرانية، والإعلامية، والعملياتية، والفكرية، والثقافية والاجتماعية، وفي كل تفاصيل حياتنا نخوض قصة صراع ومواجهة مع المحتل الغاصب.
تطوير الأنظمة الفتاكة
من جانبه، أكد المختص بالشأن الصهيوني د. ثابت العمور لـ«المجتمع» أن الاحتلال الصهيوني قطع شوطاً كبيراً في تكنولوجيا التجسس باستخدام الذكاء الاصطناعي، ليس آخرها ما عرف ببرنامج «بيغاسوس»، وقبل ذلك برنامج «الذئب الأزرق»، الذي استخدم بشكل كبير في الضفة الغربية.
ولفت النظر إلى أن الاحتلال الصهيوني يواصل تطوير نظام دماغ فائق يعرف باسم «بأثينا»، يعمل بالذكاء الاصطناعي بمساعدة مجموعة من أجهزة الاستشعار عالية الطاقة، لدعم الدبابات والروبوتات في تسيير دوريات أثناء الاشتباك العسكري، لتحديد المقاتلين الفلسطينيين تحت الأرض، وفي المباني الموجودة بساحة المعركة، وذلك في ظل تطلعها لجيل جديد من الحروب.
ثابت العمور
العمور: الاحتلال استخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي في حروب غزة وطورها باستمرار
واستدل العمور على استخدامات الاحتلال للذكاء الاصطناعي أن قائد مركز الذكاء الاصطناعي في وحدة الاستخبارات الصهيونية «8200» العقيد «يوآف»، كشف عن استخدام الوحدة لتقنية الذكاء الاصطناعي خلال معركة «سيف القدس» في قطاع غزة، في مايو 2021م، حين قال: «إن إحدى الأدوات المهمة التي قمنا ببنائها وتشغيلها هي نظام يعرف كيفية العثور على الأشخاص الخطرين بناء على مدخلات من قائمة الأشخاص الذين تم تجريمهم ودخلوا في النظام».
وأشار إلى أن قائد هذه الوحدة اعترف، كذلك، أنه خلال معركة «سيف القدس» تم استخدام نظام للتعرف على قادة فرق الصواريخ التابعة للمقاومة الفلسطينية، ونشطاء مضادات الدبابات في غزة، بهدف اغتيالهم، لافتاً إلى أن النظام الذي تم تطويره في الوحدة «8200» التابعة لقوات الاحتلال الصهيوني ينضم إلى سلسلة من الأنظمة في إطار ثورة الذكاء الاصطناعي -من بينها أنظمة يطلق عليه «هبشورا»، و«الخيميائي»- التي حسنت قدرات قوات الاحتلال على تحديد الأهداف.
وأوضح العمور أن مساعي الاحتلال لتسخير الذكاء الاصطناعي في العمل الاستخباراتي لم تتوقف، في المقابل تدرك المقاومة أخطار ذلك وتحاول تجنب التبعات المترتبة عليه، بتقليل الاعتماد على وسائل التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي وتقوم بدورات توعية لعناصرها.
ميدان جديد للمقاومة
وأشار الباحث الإعلامي حسين حماد، في تصريح لـ«المجتمع»، أن الذكاء الاصطناعي أوجد ميداناً جديداً للصراع مع قوات الاحتلال الصهيوني من خلال النشر بالكلمة والصورة والفيديو، ومن خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة كمهارات اختراق المواقع الإلكترونية للحصول على المعلومات، أو إمكانات استغلال الهاتف المحمول، أو تكنولوجيا طائرات التصوير والاستطلاع، وغير ذلك.
حماد: الذكاء الاصطناعي أوجد ميداناً جديداً للصراع مع قوات الاحتلال الصهيوني
حسين حماد
ولفت حماد إلى أن الذكاء الاصطناعي بوسائله مرتبط بمدى الإمكانات المادية المتاحة للفلسطينيين في مواجهة سلطات الاحتلال «الإسرائيلي» أولاً، ثم الإمكانات الذاتية والمهارية في الاستغلال الأمثل للذكاء الاصطناعي في الحصول على معلومات أو تطوير أدوات المقاومة.
وتابع: إن لم تستطع المقاومة الفلسطينية الانتصار في هذه المعركة فهي تحدث الاختراق المطلوب، وتفتح المجال للمحاولات المنظمة أو الفردية في هذا المجال الجديد.
بدوره، تحدث الكاتب والإعلامي الفلسطيني مصطفى الصواف لـ«المجتمع» عن مخاطر التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي على المقاومة من خلال قدرات الاحتلال الهائلة في هذا المجال مع امتلاكه أقماراً صناعية، وبرامج مراقبة دقيقة يتم فيها تحديد أماكن المقاومين ورصد حركتهم، قائلاً: نصيحتي للمقاومين هي التقليل من الظهور في الشوارع ومع الناس وفي الاحتفالات حتى لو كانت وطنية أو عسكرية، وترك الهاتف المحمول، وكل وسائل الاتصال الإلكترونية.
الصواف: أدعو المقاومين للعودة للطرق البدائية في الاتصال حماية لأرواحهم
مصطفى الصواف
ودعا الصواف رجال المقاومة إلى التواصل الآمن عبر نقاط ميتة أو عبر رسائل ورقية مع مؤتمن، والتحرك بخطوات واثقة بعيداً عن الخوف والقلق.