من آن إلى آخر، يطل علينا إعلامي، أو ما يسمونه في بعض التوصيفات بمثقف يشكك في السُّنة النبوية، ويطعن في ثوابت الدين، ويحاول النيل من قيم المجتمع، بدعوى المدنية والتقدم تارة، والحداثة أخرى.
عبر الهواء، وعلى مدار ساعات يفتح للعشرات منهم البث المباشر؛ لنشر المغالطات، وإثارة الأكاذيب، وبث الفتنة؛ للنيل من الإسلام، ورسوله الكريم، وصحابته العظام، ورموزه الأجلاء.
تنظيم علماني
الخطير واللافت، ما كشفه الإعلامي المصري مجدي الجلاد، العام الماضي، حينما أماط اللثام عن تنظيم علماني يهاجم بضراوة ثوابت الدين، في سياق ردود فعل قوية رافضة لتعليقات الإعلامي «إ ع» التي أنكر فيها معجزة الإسراء المعراج، في برنامجه التلفزيوني.
وقال الإعلامي المتهم أمام المحاكم بازدراء الأديان: «إن الإسراء والمعراج قصة وهمية كاملة، كتب السيرة والتاريخ والحديث هي من تقول ذلك، لكن هو يصدر لك الكتب التي تقول إنها حدثت، أما التي تنفي حدوث المعراج لا يتم الإشارة لها»، واصفاً ما ورد عن «المعراج» بأنه «دعائي وغير حقيقي»، حسب زعمه.
وذهب الإعلامي ذاته إلى اتهام مدرسي التربية الإسلامية في المدارس بتخويف الطلاب عند الحديث عن عذاب القبر، مطالباً بضرورة التحرر مما سمياه الخرافات!
وعلى خطاه، يسير الباحث «إ ب» الذي تحرك الأزهر الشريف لمقاضاته قبل سنوات؛ اعتراضاً على ما يبثه من أفكار شاذة، تمس ثوابت الدين، وتنال من تراث الأئمة المجتهدين المُتفق عليهم، وتسيء لعلماء الإسلام، وتعكر السلم الوطني، وتثير الفتن، وفق بيان صادر عن المؤسسة الدينية الأكبر في العالم الإسلامي.
وهناك الكاتبة «ف ا» التي هاجمت الحجاب، وقالت: إنه ليس فرضاً على الأنثى، وإن انتشاره جاء مع انتشار أفكار الإخوان والسلفيين وهم من روجوا لارتدائه، حسب زعمها.
أما الكاتبة «ف ن»، فقد واجهت تهمة ازدراء الأديان، بعد تورطها في السخرية من شعيرة إسلامية وهي الأضحية، من خلال تدوينة لها على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك».
ووفق شهادة الجلاد، الذي عمل سابقاً رئيساً لتحرير صحيفة «المصري اليوم»، فإن الراحل جمال البنا هو مفتي التنظيم، وأن سيد القمني هو مفكره، وأن التنظيم يجتمع أسبوعياً بأحد المنازل في ندوات ولقاءات منتظمة تحدد خطط العمل لتحقيق مشروعهم العلماني في مصر، وبث سمومهم التي شملت في وقت سابق إباحة التدخين في نهار رمضان، والقبلات بين الجنسين، وتحريم تدوين الحديث النبوي، إضافة إلى شن حملة ضد الحجاب!
ويجري بث هذه السموم تحت غطاء ما يعرف بـ«تجديد الخطاب الديني»، وبدعم من أدوات سياسية وأمنية، تعمل على سحب البساط من الأزهر الشريف، ومن إمامه وعلمائه.
سورة «كورونا»!
ومن مصر إلى تونس، ظهرت المدونة التونسية «آ. ش»، من خلال الدعوة والتحريض على الكراهية بين الأديان والأجناس، بسبب نشرها قصيدة عرفت إعلامياً بـ«سورة كورونا»، اعتبرت أنها تحاكي بعض آيات القرآن، وذلك عبر حسابها الشخصي في موقع «فيسبوك»، حيث أكد كثيرون أنها مسيئة للقرآن الكريم.
وهناك «ن. ق»، مالك ومدير إحدى الفضائيات التونسية المتهمة ببث فيلم يجسد الذات الإلهية العام 2012م، وجرى توجيه تهم له منها المساس بالأخلاق العامة، وتعكير صفو النظام العام، والمشاركة في النيل من الشعائر الدينية عبر الصحافة أو وسيلة قصدية من وسائل الترويج.
وهناك المخرج اللبناني المثير للجدل «ش. خ» الذي نشر، عبر حسابه في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، صورة لامرأة محجبة تكشف عن ساقيها وتجلس على سرير مغطى براية سوداء كُتب عليها «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، وعبارة «جهاد النكاح»، لكن دعاوى قضائية لاحقته قبل سنوات بتهمة تحقير الأديان عبر نشر راية التوحيد في وضع مخل.
رسوم مسيئة
وفي العام 2016م، استيقظ الأردن على جريمة مقتل أحد أبرز الكتَّاب العلمانيين في البلاد «ن. ح» (56 عاماً)، الذي كان يواجه اتهامات بإثارة النعرات المذهبية والعنصرية، بعد نشره، على صفحته في «فيسبوك»، رسماً يسخر فيه من الذات الإلهية، وهو ما أثار غضباً عارماً في صفوف الأردنيين، دفع مسلحاً إلى إطلاق النار عليه، قبل إلقاء القبض على مرتكب الجريمة.
ووسط جدل كبير، أعلن إعلامي كويتي هو «م. م»، حفيد أحد مؤسسي إذاعة الكويت، عودته إلى الديانة الإسلامية، العام الماضي، وذلك بعد عام من اعتناقه الديانة المسيحية مطلع عام 2021م، حيث ظهر آنذاك في مقطع فيديو مرتدياً الصليب، في حين أرفق الفيديو بعبارة «تصلبت.. عرفت ما هو الرب.. فهمت الحياة وعشت»!
والعام الماضي (2022)، قررت السلطات المغربية منع فيلم «سيدة الجنة» الذي تدور قصته حول ابنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فاطمة الزهراء، زوجة علي بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين، وقد اعتبر الفيلم مسيئاً في عدة دول عربية وإسلامية.
وسبق للمغرب أن منع عرض فيلم «الخروج.. آلهة وملوك» بسبب مسه بالديانات السماوية الثلاث، وتصوير الذات الإلهية، وتشخيص النبي موسى عليه السلام بشكل يناقض ما جاء في القرآن الكريم، وينكر معجزة شق البحر خلافاً لما جاءت به الديانات السماوية.
الشذوذ الجنسي
ولا يتوقف المد العلماني عند ازدراء الأديان فقط، والمساس بالذات الإلهية، والسُّنة النبوية، بل امتد الأمر إلى هدم القيم، ومحاربة الفطرة الإنسانية، عبر دعم جريمة الشذوذ الجنسي، والترويج للإباحية والانحلال الأخلاقي.
وكانت السعودية والإمارات ومصر حظرت، خلال العام الجاري، عرض فيلم «سبايدر مان- أكروس ذا سبايدر- فيرس»، بسبب المثلية، وتضمنه إيحاءات وعبارات مؤيدة لمجتمع الشواذ جنسياً.
وهذا الفيلم ليس الأول الذي يمنع من دور العرض، في عدد من الدول الخليجية والعربية، فقد سبقه فيلم «دكتور سترينج في الأكوان المتعددة من الجنون»، وفيلم «الأبديون»، وفيلم «السنة الضوئية»، وكلها أفلام تروج لمحتوى يخالف الشريعة والقيم والعادات العربية والخليجية.
وفي العام 2019م، صدر حكم غير نهائي بحبس الإعلامي المصري «م أ» لمدة عام بعد إدانته بالتحريض على الفجور وازدراء الأديان، بسبب استضافة شاب شاذ جنسياً في برنامجه التلفزيوني، ومناقشته في أمور متعلقة بميوله الجنسية.
وبعد إذاعة الحلقة، أوقف المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر (حكومي)، الفضائية؛ بسبب ما وصفه المجلس بـ«انتهاكات مهنية»، خاصة بالنظر إلى ما جاء في اللقاء التلفزيوني من أن المكاسب المادية التي جناها هذا الشاب من وراء علاقته مع رفيقه الخليجي وصلت خلال عدة شهور إلى أكثر من 450 ألف جنيه، وتلقيه للهدايا الثمينة والعيش بصورة رغدة تغنيه عن العمل لكسب العيش.
عبر الرسوم، وعبر السينما، وعبر التلفاز، والصحف، ومواقع التواصل، يتواصل المد العلماني، مهاجماً بضراوة كل ما يمت للدين بصلة، أو للفطرة الإنسانية، والأخلاق الحميدة، في حرب مدعومة غربياً، تمولها جهات مشبوهة بميزانيات ضخمة، تحت ستار من الغفلة، أو الصمت، وربما التواطؤ أحياناً.