يتخافت الأحفاد والأبناء، والجد الداعية الرباني يلاحظ ذلك جيداً، فيسألهم: ما الأمر؟ فمن عادتكم ألا تخفوا عليَّ شيئاً، بل وتطلبون تعليقي دائماً!
فينبري أكبر الأحفاد ويوضح الأمر: يُقال: إن هناك رجالاً وشباباً اختاروا التحول الجنسي وهم الآن في غاية من الضيق والكآبة، بل والرغبة في الانتحار، وبعضهم أُكره على رفع علم الشاذين ومُنع من النقد وإبداء الرأي ومخالفة الشاذين!
الجد مستعيناً بالله: حسبنا الله ونعم الوكيل، إن هذا الأمر الذي أنبأ عنه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وهو عمل الفاحشة والإعلان عنها، وأخبرنا القرآن الكريم عن قوم سيدنا لوط عليه السلام الذين كانوا يمارسون الشذوذ الجنسي، فحذرهم لوط عليه السلام ووعظهم، فلم يتعظوا ولم ينزجروا، وفي ذلك يقص علينا القرآن الكريم خبر جريمتهم وشناعة شذوذهم، وعقوبة الله تعالى لهم، حتى يبتعد الناس عن هذه الفعلة الشنيعة الخسيسة، يقول الله تعالى: (وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ {80} إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ {81} وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ {82} فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ {83} وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) (الأعراف).
أيها الأبناء.. أيها الأحفاد، إن الشذوذ في الشهوات، وهو الأمر غير الطبيعي، هو الذي يدمر البشرية، فلذلك احذروا وحذّروا غيركم من سلوك هذا الطريق أو مرافقة من يمارس الشذوذ والفاحشة، فالشذوذ شهوة شاذة؛ لأن الله جعل لذة الفطرة الصادقة في تحقيق سُنة الله الطبيعية، فإذا وجدت نفس لذتها في نقيض هذه السُّنة، فهو الشذوذ إذن والانحراف والفساد الفطري(1).
فهذه هي الجاهلية الحديثة في أوروبا وفي أمريكا؛ ينتشر فيها هذا الانحراف الجنسي الشاذ انتشاراً ذريعاً بغير ما مبرر إلا الانحراف عن الاعتقاد الصحيح، وعن منهج الحياة الذي يقوم عليه(2).
أيها الأبناء والأحفاد، انظروا واقرؤوا نهاية الشاذين من قوم لوط عليه السلام، حيث قال الله تعالى عنهم، كما جاء في التفسير: «وأمطرنا عليهم مطراً عظيماً، حيث رميناهم بحجارة من طين، وقلبنا القرية، فجعلنا عاليها سافلها، فتأمل -أيها الرسول- كيف كان عاقبة قوم لوط المجرمين؟ فقد كانت عاقبتهم الهلاك والخزي الدائم(3).
أبنائي وأحفادي، إن الإسلام دين الفطرة والنظافة والعفة والطهارة، وإن الشذوذ وساخة وانحطاط وقذارة؛ لأن الرجل إنما يأتي الرجل في محل القذارة(4).
لذلك كله شدّد العلماء في أقوالهم على من فعل اللواط وهو الشذوذ كفعل قوم لوط عليه السلام، وقد ذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله إلى أن اللائط يُلقى من شاهق ويتبع بالحجارة كما فعل بقوم لوط، وذهب آخرون من العلماء إلى أنه يُرجم سواء كان محصناً أو غير محصن، وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله، والحجة ما رواه الإمام أحمد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به»، وقال آخرون: هو كالزاني؛ فإن كان محصناً رجم، وإن لم يكن محصناً جلد مائة جلدة، وهو القول الآخر للشافعي(5).
والمطلوب من الجميع إنكار الشذوذ فكراً ورأياً وسلوكاً وقانوناً، ويجب أن يشمر الجميع للدعوة إلى الإسلام وإلى العفة والطهارة والأخلاق والقيم التي جاء بها الإسلام، وإلى الزواج الشرعي الذي شرعه الله تعالى في كتابه، وحث عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وأن نتصدى لحملات الشذوذ بالحكمة والموعظة الحسنة، وبالحجة والبرهان، وبالأدلة وأوضح البيان، وألا يكون دعاة الشذوذ أنشط وأقوى من دعاة الإسلام والفطرة السليمة، وأن يكون لأبنائنا وبناتنا دور فعال عبر أجهزة التواصل الاجتماعي وفي المعاهد والجامعات والمدارس، وذلك بعمل المحاضرات والمناظرات ومواسم التوعية القيمية، منسقين مع الجهات الحكومية وجمعيات المجتمع المدني، لمحاصرة دعاة الشذوذ والرذيلة؛ (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ) (الرعد: 17).
والحمد لله رب العالمين.
____________________
(1) سيد قطب، في ظلال القرآن، ج3.
(2) المرجع السابق.
(3) جماعة من علماء التفسير، المختصر في تفسير القرآن الكريم.
(4) تفسير الشعراوي.
(5) محمد علي الصابوني، مختصر تفسير ابن كثير، ج2.