تتعرض المرأة بالفعل للعنف في المجتمع العربي، لكن ذلك يرجع في الأساس إلى تخليه عن ثقافته الإسلامية، واستيراده ثقافة جاهلية لا علاقة لها بالدين الإسلامي من قريب أو بعيد، وليس أدل على ذلك من مكانة المرأة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، حينما وقفت امرأة تراجع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فيتراجع ويقول: «أصابت امرأة وأخطأ عمر».
الإحصاءات الحديثة تفيد بأن امرأة على الأقل من كل ثلاث نساء في العالم العربي تتعرض للعنف الأسري، وأن 37% من النساء العربيات على الأقل قد تعرضن لشكل من أشكال العنف، بحسب الأمم المتحدة.
ويعتلي اليمن قائمة المعنفات من النساء على المستوى العربي، إذ تصل نسبة النساء المعنفات به إلى 26%، يليه المغرب التي تبلغ النسبة فيه 25%، وجاءت مصر في الترتيب الثالث عربياً بنسبة 23%، ثم السودان 22% والجزائر 21%، وفلسطين بنسبة 14%، والعراق 12%، بينما لبنان وتونس والأردن الأقل بنسبة 6%.
ورغم ما تظهره تلك الإحصاءات، فإن واقع الأمر يتطلب نظرة أوسع، فقد اتخذ العنف الأسري في الآونة الأخيرة مساراً جديداً، فلم يعد يقتصر على مفهومه القديم الذي يقع من الزوج أو الأب العنيف، وإنما أصبحنا نشهد اليوم تسجيل العديد من الحالات التي تتصدر فيها المرأة المشهد؛ سواء كانت زوجة أو أماً، وتم إقحام الأشقاء والأبناء في الصورة، وطال العنف الرجال أنفسهم، بيد أن الرجل يتعمد ألا يعلن عما قد يتعرض له من عنف، إذ يشعره ذلك بالخزي الاجتماعي والانتقاص من كرامته، عكس ما تفعله المرأة التي غالباً ما تتجه إلى الأجهزة المعنية لوقف ما تتعرض له.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، أقدمت امرأة على إيلام طليقها بذبح صغيرها انتقاماً من والده الذي كان يحبه! وأخرى قررت حرمان طليقها من رؤية أطفاله، وثالثة قطعت عضوه الذكري انتقاماً من زوجها لزواجه من أخرى!
هذه النماذج تؤكد أن التناول الذي تتعمد المنظمات الدولية اتباعه بتسليط الضوء على طرف المرأة فقط ووضعها في بؤرة المظلومية في مقابل الرجل، والسير على هذا النهج الذي يرى بعين واحدة، قد أفسد القضية وجاء بنتائج عكسية وآثار خطيرة.
وقد أثبتت هذه الوقائع، كيف تحولت المرأة للطرف المرتكب للعنف، الذي مُنح سلاحاً لم يتعلم كيفية استخدامه؛ فتحول بذلك إلى سلاح تحريضي يُشهر في وجه من يخالف رغباتها بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى، لذلك فإن الحديث عن العنف يجب أن يتجرد من نوع الجنس، ويجب معه أن تكون المعالجة حيادية.
والحقيقة أن نبرة العنف قد تزايدت حينما أشهر كل طرف سلاح الحقوق المجتزأة، فتنادي المرأة بحقها في عدم خدمة الزوج أو أحد والديه أو إرضاع طفلها، ويشهر الرجل سلاح الطاعة، متعنتا في استخدامه، لينسى كل طرف حقوق الآخر، ويبغي عليه، متناسياً أن إشهار سلاح الحقوق ينتفي معه الشعور بالسكن الذي يعتبر حجر الأساس الذي تقوم عليه الأسرة السوية.
في واقع الأمر، إن معالجة العنف لا بد أن ترتكز على الأساليب التوعوية التي تعيد إلى الأسرة المفاهيم الصحيحة التي تستقيم بها الحياة وتستقيم بها العلاقات، والنظر في المعاني التي يقصدها الدين الإسلامي الذي نهى عن العنف أو الأذى النفسي بداية من اختيار اسم محبب للطفل، ثم وضع آليات الاحترام بين جميع أفراد المجتمع، فنهى عن السخرية والتنابز والتفاخر، ووضع أساس التعامل بين الزوجين في قوله تعالى: (وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) (الروم: 21)، وفي حالة الاختلاف: (وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) (البقرة: 237).
وجاءت السُّنة النبوية تحث على التعامل الراقي بين أفراد المجتمع والحث على التفاني في خدمة الآخر في العموم؛ «خيركم خيركم لأهله»، والحث على إفشاء السلام والابتسام في وجوه الآخرين، بل ووصفه للقوة بأنها لمن يملك نفسه عند الغضب، وغير ذلك من تعاليم الدين الغائبة التي تكسر حدة العنف بين أفراد المجتمع، وقد تركناها ولا نستدعي منها إلا ما يروق لنا.
وأقترح هنا أن يجري اختبار للمقبلين على الزواج، في مفاهيم كليهما حول معنى الحياة المستقبلية المشتركة بينهما، واستكشاف مدى تحملهما للمسؤولية، وحقوق وواجبات كل منهما.
وفي حالة الرسوب، تعقد لهم دورات تثقيفية تصحح المفاهيم الخاطئة لمعنى الزواج، وشكل العلاقة السوية بين الرجل والمرأة، ودور كل منهما داخل منظومة الزواج، وطريقة حل المشكلات بينهما في إطار الاحترام المتبادل، ويستكمل المقترح بعدم السماح لهم بإتمام الزيجة، إلا بعد اجتياز هذا الاختبار، حتى يصبح لدى كل طرف منهما من السواء النفسي ما يمكنه من إقامة أسرة مستقرة، وإن لم يكن ذلك، فستستمر تلك الحالة العبثية التي تغذيها أطروحات من شأنها تنمية العنف في أوساط الأسرة العربية.