يتوقع الكيان الصهيوني بين لحظة وأخرى اندلاع التصعيد في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما جرى في عملية «سيف القدس»، التي وقعت في مايو 2021م، وسطَّرت خلالها الفصائل الفلسطينية نجاحات ما تزال تتألم منها «تل أبيب».
بين ساعة وأخرى، يلوِّح وزير الأمن القومي الصهيوني إيتمار بن غفير باندلاع معركة جديدة في غزة، على غرار ما يطلق عليه «حارس الأسوار 2» صهيونيًّا، و«سيف القدس 2» فلسطينيًّا، بدعوى أن أمن بلاده في خطر دائم، فالتخوف من تكرار سيناريو تلك الحرب التي شُنت على القطاع لا يزال يراود أذهان الصهاينة، رغم مرور ما يزيد على العامين على رحاها، خاصة، وأنهم تلقوا درسًا قاسيًا أثناء تلك الحرب.
«حماس» حققت نجاحات كبيرة وملموسة
في تقرير مطَّول لصحيفة «غلوبس» الاقتصادية، حذر الجنرال عاموس يادلين، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية (أمان)، من سيناريو يشبه «سيف القدس»، وضع من خلاله السيناريوهات الأمنية الخمسة للكيان الصهيوني، معترفًا بأن حركة «حماس» حققت نجاحات كبيرة وملموسة خلال تلك العملية التي وقعت في العام 2021م.
وشدد الجنرال يادلين على أن التصعيد في غزة، آنذاك، كان بمثابة نجاح غير مسبوق لـ«حماس»، منوهًا بظهور سيناريو التقاء الساحات الفلسطينية، ما بين القطاع ومدن الضفة الغربية وأراضي الـ48، التي أسفرت بدورها عن إطلاق عشرات الصواريخ على الداخل الصهيوني، وتسببها في مقتل 13 صهيونياً، واستشهاد ما يزيد على 200 فلسطيني، تطورت خلالها محاور المقاومة الفلسطينية، التي انتقلت إلى ساحات أخرى، وهو نجاح جديد يضاف للفصائل الفلسطينية.
الكيان على وشك الوقوع في شرك الحرب الشاملة
لم يقف الجنرال يادلين عند حد سرد نجاحات «حماس» وغيرها من الفصائل الفلسطينية في تصعيدها ضد الجيش الصهيوني، وإنما شدد على أن وقائع التصعيد المتعددة التي جرت خلال السنوات الماضية، وفي ساحات مختلفة، أعادت النقاش الداخلي في بلاده إلى أخذ الحيطة والحذر من احتمال وقوع حرب شاملة أو متعددة الجبهات؛ وهو ما حذر منه من وجوب فرض قيود جديدة على صنَّاع القرار في «تل أبيب»، من ضرورة الرجوع إلى «فقه الأولويات»، واستعادة قوة الردع للجيش الصهيوني.
الغريب أن الجنرال يادلين، رئيس «أمان» السابق، قد أشار إلى أن حرب السادس من أكتوبر 1973م، شكَّلت تهديدًا خطيرًا وحقيقيًّا على بلاده، حينئذ، مؤكدًا أن مصر وسورية نفذتا هجومًا غير متوقع على الكيان، حيث استفادتا من تهاون «تل أبيب» وغطرستها، وذلك بالتزامن مع الذكرى الخمسين للحرب نفسها، وللدلالة على ترجيح دخول الكيان في حرب متعددة الجبهات.
«الأقصى» حلقة الوصل بين كل الساحات الفلسطينية
والثابت أن تصريحات يادلين حول محاولة «حماس» والفصائل الفلسطينية الأخرى مشاركة جهات أخرى أثناء حالات التصعيد المقبلة مع الكيان الصهيوني، كما جرى من الجنوب اللبناني أو هضبة الجولان السورية المحتلة، قد تحظى بمشاركة واسعة داخل الكيان، خاصة وأن عمليات التصعيد تزداد سخونة داخل مدن وبلدات الضفة الغربية، وتحديداً جنين.
ولم يسع الجنرال الصهيوني السابق التحذير من «حماس» وحدها، لكنه لفت إلى أن أكثر الساحات الفلسطينية عرضة للانفجار والاشتعال، مجدداً، هي مدينة القدس، والمسجد الأقصى المبارك، بدعوى أن أي حالة تصعيد في المدينة المحتلة تنتقل صداها، مباشرة، إلى الداخل الفلسطيني المحتل وبلدات الضفة وغزة، معتبرًا أن المسجد الأقصى حلقة الوصل الذي يربط بين كل الساحات الفلسطينية، داخليًّا وخارجيًّا.
الجيش الصهيوني يتأهب
بدورها، نوهت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، في تقرير لها، إلى تفشي خوف كبير لدى الكيان الصهيوني من عودة أو استئناف «مسيرات العودة» الفلسطينية بطول الجدار الفاصل بين غزة ومستوطنات غلاف غزة، حيث يستعد الجيش الصهيوني لـدوران عجلة الصواريخ الفلسطينية على تلك المستوطنات خلال الفترة المقبلة، ويتأهب لاندلاع تصعيد جديد في القطاع.
وفي الوقت الذي يحتفل اليهود بأعيادهم (رأس السنة اليهودية، وعيد العرش، ويوم الغفران، في الفترة من منتصف الشهر الجاري وحتى مطلع شهر أكتوبر)، يدخل الفلسطينيون في حالة من التقوقع الإجباري، نتيجة لفرض الكيان الصهيوني حالة من الإغلاق شبه التام على مجريات الحياة، تحديدًا في مدن القدس والضفة؛ إذ تشهد تلك الفترة من كل عام حالات تصعيد وتوترات دينية وأمنية، وغالبًا، عسكرية، يؤججها وزراء صهاينة متشددون، أمثال بن غفير، وبتسلئيل سموتريتش، وزير المالية، من خلال تصريحاتهم العنصرية، وتفاعل الصهاينة معهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
اشتداد عود المقاومة
الواقع الأمني المعقد في الكيان وتهديدات التصعيد المستمرة على أكثر من ساحة، واستمرار أزمة التعديلات القضائية، وتقويض التماسك الداخلي، وحلحلة الائتلاف الحالي بزعامة نتنياهو؛ قضايا وملفات تحتاج من صنَّاع القرار في الكيان إلى استعادة قوة الردع، في الوقت الذي يشتد فيه عود المقاومة الفلسطينية، سواء في غزة أو الضفة مع ظهور أجيال فلسطينية جديدة «تحاول» الانتفاضة، على حد قول الجنرال يادلين.