يحتاج العلم لقلوب ذكية نقية ليتفاعل معها ويدفعها لإحداث تغير جوهري بين الناس، وهو ما يحمله كل عالم ومصلح عاملاً بتعاليم دينه الحقيقية التي يعمل من أجل غرسها كنبات طيب في قلوب الشعوب، حيث يعملون على تصحيح المفاهيم وإظهار الدين الإسلامي على حقيقته التي جاء بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
هاشم الماجد.. وصناعة حب الخير
ولد هاشم محمد أحمد الماجد بمدينة الكويت، في 22 صفر 1376هـ/ 27 سبتمبر 1956م، وحرص والده على تعليمه منذ الصغر حتى تخرج في معهد المعلمين لينال الدبلوم في التربية الإسلامية، وعمل بعدها مدرساً للتربية الإسلامية في مدارس الكويت.
كان لتربية الماجد والبيئة الخيرية التي نبتت في الكويت أثر كبير في اندفاعه لعمل الخير، فانخرط في هذا المجال حتى أحبه الجميع سواء الكبير أو الصغير.
كان أحد رجال جمعية الإصلاح الاجتماعي بالكويت، كما كان لهذه التربية تأثير في تكوين شخصيته فكان عطوفاً، رقيق القلب، سريع الدمعة، وعندما كان يدخل البيت يجمع أبناءه الأطفال وغيرهم حوله ويُقبلون عليه، ويجلسون في أحضانه، فيقبّلهم ويضمهم ويداعبهم.
وكان كريماً، سخياً، وما يدخل البيت إلا ويأتي بهدايا للأطفال وللكبار، ويوزع الكثير من الكتب بالمجان، وكان كثير المساعدة في الأعمال الخيرية والتبرعات للجان الخيرية، وما من مبادرة لعمل خير إلا وتراه أول من يبادر لهذا العمل، ويكفل الكثير من الناس.
كان مثقفاً عاشقاً للقراءة، ولم يثنه كثرة انشغاله بشؤون الناس عن القراءة وزيادة المعرفة، حيث كانت له مكتبته الخاصة، ومن أوائل من نشر الدعوة عن طريق التسجيل عبر شرائط وتوزيعها.
ظل كذلك حتى توفاه الله في 12 من ذي القعدة 1429هـ/ 10 نوفمبر 2008م، عن عمر زاد على الخمسين قليلاً(1).
محمد طه.. الأب الروحي لـ«حماس»
في قرية يبنا التابعة لمحافظة الرملة بفلسطين، ولد محمد صالح طه أبو أيمن عام 1937م، التي حصل منها على التعليم الأول قبل أن يهجر منها وعائلته إلى مخيم البريج وسط قطاع غزة عام 1948م.
ورغم قسوة الظروف، فإنه التحق بالتعليم حتى تخرج في الجامعة الإسلامية بغزة ليحوز منها على الشهادة الجامعية في الشريعة الإسلامية، وعمل بعدها مأذوناً شرعياً وخطيباً لمسجد التقوى في مخيم البريج، وأيضاً مدرساً في مدارس اللاجئين بقطاع غزة لمدة 32 عاماً.
عرف عنه جرأته في قول الحق مهما كانت التبعات؛ الأمر الذي مكنه من ممارسة دوره كأحد رجالات الإصلاح البارزين ومحكماً لشريعة الله في الإصلاح بين المتخاصمين.
تعرف إلى جماعة الإخوان المسلمين بفلسطين وانضم لها، وشارك الشيخ أحمد ياسين جهاده منذ شبابه حتى كان واحداً من المبعدين إلى مرج الزهور بلبنان عام 1992م.
يعتبر واحداً من الذين تبنوا فكرة تأسيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عام 1987م، حيث كان يجوب فلسطين شرقاً وغرباً بصحبة الشيخ ياسين داعياً إلى العمل الإسلامي فترة الستينيات التي كانت بمثابة النواة التي ارتكز عليها انطلاق حركة «حماس»، وأصبح الشيخ قائدها في المنطقة الوسطى بقطاع غزة.
وفي عام 2005م، جرى انتخابه رئيساً لبلدية البريج خلال الانتخابات البلدية، وتولي مهامه في أعقاب أحداث يونيو 2007م.
تعرض الشيخ للاعتقال من قبل المحتل أكثر من 8 مرات، كما تعرض أولاده جميعاً للاعتقال معه، وهدم المحتل بيته في مارس 2003م، واستشهد ابنه ياسر وزوجته بصاروخ من طائرة «أباتشي»، في يونيو 2003م، وليس ذلك فحسب، بل لوحق من أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، وكان نصيبه السجن 7 مرات في سجونها.
ظل مجاهداً صابراً ضارباً أروع الأمثلة في الصبر والتضحية والثبات حتى أثقله المرض ورحل في 12 نوفمبر 2014م، ودفن في مقبرة البريج(2).
عبدالمنعم سليم جبارة.. والصحافة الإسلامية
وُلد عبدالمنعم سليم جبارة في مركز فاقوس بمحافظة الشرقية بمصر، في 22 أكتوبر 1930م، لعائلة ميسورة؛ مما ساعده على استكمال مراحل تعليمه حتى تخرج في كلية الآداب بجامعة القاهرة قسم الجغرافيا.
تعرف إلى دعوة الإخوان المسلمين فترة دراسته الثانوية العامة بمدرسة الزقازيق، وبعدها التحق بالجامعة، وكان أحد الشباب الذين شاركوا في مقاومة المستعمر البريطاني بحرب القنال عام 1951م، كما شارك في تأمين ثورة يوليو 1952م قبل أن يحدث صدام بين الإخوان وعبدالناصر فيتم اعتقال الجميع، وحينما سارع جبارة في جمع بعض المال لكفالة أسر المعتقلين تم اعتقاله عام 1955م وحكم عليه بالمؤبد، وكان أحد شهود مذبحة طرة التي وقعت في 1 يونيو 1957م، وظل في السجن ما يقرب من 20 عاماً متنقلاً بين سجون مصر كلها، تعرض خلالها لكثير من التعذيب البدني والنفسي حتى خرج من السجن.
ومن الغريب أن هيئة التحرير التي شكلتها حركة يوليو 1952م، كتنظيمٍ حزبي مؤيد لها رشحته ليتولى مسؤوليتها في جامعة القاهرة، قبل أن تعرف أنه أحد قيادات الإخوان بالجامعة.
خرج في عام 1974م ضمن آخر دفعات الإخوان في السجون، واجتهد أثناء سجنه في تنمية مهاراته، فحفظ القرآن الكريم كاملاً، وقرأ في علوم الإسلام؛ ما منحه فهماً عالياً، وسلوكاً راقياً، ورؤية مستنيرة، وتوفيقاً كبيراً في معالجة المشكلات والأزمات، وفي السجن حافظ على لياقته البدنية، وكان مسؤولاً عن التربية الرياضية.
بعدما خرج عمل موجهاً بالتعليم الثانوي، وشارك في إعادة مجلة «الدعوة» عام 1976م حيث كان أحد فرسانها، قبل أن يسافر لدولة الإمارات عام 1976م للعمل في مجال التدريس، وساهم بدور متميز في تطوير المنظومة التعليمية في دولة الإمارات والمساهمة في إصدار مجلة «الإصلاح» التي كانت تصدر عن جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي.
وفي عام 1988م، توفي صديقه جابر رزق، فعاد إلى مصر ليتولى رئاسة تحرير مجلة «لواء الإسلام»، ويشارك بالكتابة في العديد من الصحف والمجلات برؤية إسلامية، وكانت له فيها بصمات سواء على القراء أو على الصحفيين الذين عملوا معه.
وفي عام 1993م تولى رئاسة تحرير جريدة «الأسرة العربية»، لكنها توقفت أيضاً بعد 5 أسابيع فقط لأسباب سياسية، وساهم في الإشراف على جريدة «آفاق عربية» منذ بداياتها الأولى عام 1995 – 1996م.
كما أعطى جبارة جل اهتمامه للقضية الفلسطينية، بل القضايا العربية والإسلامية، فكانت له آراء في حلول كثير من المشكلات العالقة بين البلاد الإسلامية، حتى وصفه المستشار المأمون الهضيبي بقوله: إن وفاة جبارة صدمة كبيرة للإخوان، فجبارة كان أخاً فاضلاً كريماً يمتاز بالثقافة والفكر والسياسة الواسعة والمتعمقة.
اجتهد جبارة في القراءة والتحليل السياسي واستيعاب دروس التاريخ، وأسباب قيام وانهيار الحضارات والأنظمة وعوامل الضعف وأسباب القوة في الحكومات والشعوب، وهو ما مكَّنه من امتلاك أدوات المحلل السياسي البارع، صاحب الرؤية العميقة، والتحليل الرصين والأسلوب الموضوعي.
ظل جبارة كذلك حتى توفاه الله صباح يوم الجمعة 27 رمضان 1423هـ/ 21 نوفمبر 2003م(3).
_________________________
(1) عادل العصفور: هاشم محمد أحمد الماجد.. أحب الخير فأحبه الجميع، مجلة «المجتمع»، العدد (2174)، ديسمبر 2022م، ص 9.
(2) حماس تجسد حياة مؤسسها طه بفيلم وثائقي، 12 نوفمبر 2015م.
(3) عبدالمنعم سليم جبارة رجل السيف والقلم: إخوان ويكي، 11 فبراير 2014م.