زخرت الأمة الإسلامية بمن أرشدها إلى حسن طاعة ربها، والدفاع عن شريعتها، والحفاظ على ثوابتها، إلا أنه بين الفينة والأخرى يرحل علماء ومصلحون، لكنهم رحلوا بعدما تركوا آثاراً وبصمات في نفوس أبناء هذه الأمة، ومواقف وتاريخاً يضيء ظلمات الدجى أمام الحيارى من شباب وشابات هذا الوطن المكلوم.
وليد الرويح.. والاقتصاد الإسلامي بالكويت
لا يستطيع أي إنسان أن يحيا دون أن تكون له غاية في حياته، ووليد الرويح سعى لتحقيق غايته وهدفه في مجال الاقتصاد الإسلامي بالكويت.
ولد وليد عبدالرحمن الرويح في منطقة المرقاب بدولة الكويت، في 5 ذي القعدة 1970هـ/ 8 أغسطس 1951م، وتعد عائلة الرويح من العائلات ذات الدور المشهود في تاريخ الكويت الحديث.
درس بمدرسة المرقاب قبل التحاقه بمدرسة المأمون، وأكمل تعليمه الجامعي في تخصص إدارة الأعمال، فحصل على درجة البكالوريوس عام 1973م، ثم أكمل دراساته العليا في إنجلترا وأمريكا وحصل على الماجستير في إدارة الأعمال عام 1977م من جامعة «كلارك» الأمريكية.
عمل في بداية حياته العملية في الخطوط الجوية الكويتية من عام 1973م كمراقب للمنظمة الدولية للطيران (الأياتا) في إنجلترا، ثم معيداً بجامعة الكويت عام 1975 حتى عام 1979م.
واكتسب خبرة كبيرة من سفره خاصة في مجال السيارات استطاع أن يوظفها عند التحاقه للعمل ببيت التمويل الكويتي.
بعد عودته من أمريكا عمل كمحلل مالي حتى عام 1980م، ثم مدير الإدارة التجارية حتى عام 1983م، ومساعداً للمدير العام للقطاع التجاري حتى عام 1992م، ثم أسس شركة لاستيراد السيارات.
لقد كان من جهود الرويح تفصيل نظريات ومناهج الفكر الاقتصادي الإسلامي، وتحويله من مجرد حبر على ورق إلى واقع منتج مثمر خاصة في فترة عمله في بيت التمويل الكويتي، وكانت له جهود وآثار ملموسة في النهوض بهذه المؤسسة العريقة.
وليس ذلك فحسب، بل ساعد في تأسيس 7 شركات بدول الخليج، تقوم أساس معاملاتها على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية.
كانت لخبرة الرويح دور عظيم في تولي العديد من المناصب في مختلف المؤسسات والبنوك، وكانت بصماته واضحة على الشباب الذي سعى لتوريثهم الخبرة.
تعرض لحادث سيارة عام 1984م عندما كان عائداً من مكة المكرمة إلى جدة بعد أداء مناسك العمرة؛ سببت له شللاً نصفياً، لكنها لم تدفعه للعزلة أو الكسل أو الدعة، بل تحدى المرض وواصل النجاح في مختلف المجالات الاقتصادية الإسلامية.
كان الرويح يقاتل من أجل إنجاح فكرة الاقتصاد الإسلامي وترويجها في عالمنا الإسلامي، وتحويله من المجال النظري إلى الواقع العملي التطبيقي.
ظل الرويح يعمل بجد واجتهاد حتى وضع الاقتصاد الإسلامي بمعاونة الكثيرين من محبيه على خريطة الاقتصاد العالمي حتى توفاه الله في 23 ذي الحجة 1435هـ/ 17 أكتوبر 2014م(1).
أحمد الجارالله.. بين العمل الدعوي والخيري
واحد من قامات الكويت الذين جمعوا بين العمل الدعوي والخيري حتى تركوا بصمات ملموسة في هذه المجالات؛ إنه العم أحمد الجارالله الحسن الجارالله، أحد مؤسسي جمعية الإصلاح الاجتماعي الكويتية عام 1963م.
ولد العم أحمد الجارالله، في 6 يناير 1920م، بمدينة الكويت القديمة في أسرة عُرفت بالتدين.
درس في المدرسة المباركية، واتجه للعمل الحر؛ فكان مثالاً للتاجر الصادق الأمين، وقد كان الكثير من رجال القبائل يعهدون إليه بأموالهم وأماناتهم لحفظها؛ لما اشتهر عنه بحسن الخلق وحفظ الأمانات، وكان في ذلك صاحب همة في إصلاح ذات البين، ومساعدة القريب والبعيد، فكان هديه القرآن الذي حاول ترجمته وتطبيقه عملياً في سلوكياته وأعماله.
ولم يقتصر همه على أهل الكويت، بل كان قلبه متوقداً بهموم المسلمين في كل مكان، فكان يتابع أخبارهم ويتوجع لوجعهم ويسعى لمساعدتهم أينما كانوا، قدر استطاعته، وكان يشارك إخوانه في جمعية الإصلاح الاجتماعي ذلك الهم.
لقد كان مبرة خيرية متحركة منذ صباه، جعل حياته وقفاً لله تعالى لصنع المعروف لدينه وإسلامه وأهل بلده وبلاد المسلمين، فما ترك بلداً إلا وله فيها يد خير خفية.
وليس ذلك فحسب، بل عُرف بمرجعيته بتاريخ أهل الكويت وبأدبه وعمله الخيّر بصمت وهدوء، وابتلاه الله بالمرض فلم يكن إلا صابراً محتسباً.
وبعد حياة قضاها في خدمة دعوته الإسلامية وكفالة الفقراء ومساعدة المحتاجين والعناية بهم، رحل العم أحمد الجارالله عن عمر ناهز 103 أعوام، في 28 أكتوبر 2022م؛ ودفن بمقبرة الصليبخات بالكويت(2).
عبدالستار أبو غدة.. الفقيه الاقتصادي
ولد أ.د. عبدالستار عبدالكريم أبو غدة، في عام 1359هـ/ 28 يناير 1940م، بمدينة حلب بسورية، في أسرة متدينة، حيث كان عمه العالم الجليل عبدالفتاح أبو غدة.
نشأة على حب الدين، والتحق بمراحل التعليم حتى تخرج في كلية الشريعة عام 1964م من جامعة دمشق، ثم حصل على بكالوريوس في الحقوق عام 1965 من نفس الجامعة.
واصل دراساته العليا في جامعة الأزهر بمصر، فحصل على ماجستير في الشريعة عام 1966م، ثم ماجستير في علوم الحديث عام 1967م، وأخيراً حصل على الدكتوراة في الشريعة بالفقه المقارن عام 1975م من جامعة الأزهر.
كان صاحب خبرة كبيرة في دراسة الزكاة والأوقاف، وفقه المحاسبة والمراجعة، والدراسات القانونية، والدراسات التربوية، وتحقيق المخطوطات، والطب الإسلامي، وعمل في العديد من الجامعات العربية في الكويت والسعودية ومصر وغيرها.
وحينما استوطن الكويت عمل باحثاً وخبيراً بالموسوعة الفقهية بوزارة الأوقاف بالكويت منذ إنشائها حتى عام 1990م، وعضو مجلس المعايير والمجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية منذ 1995م.
وعمل، كذلك، أستاذاً زائراً في مركز صالح كامل للدراسات الاقتصادية في جامعة الأزهر بين عامي 1990 و1991م، كما عمل رئيساً للهيئة الشرعية في بنك سورية الدولي الإسلامي عام 2006م، واختير عضواً في المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، وفي العديد من المؤسسات المالية والمجامع الفقهية.
أصدر عدداً من المؤلفات، منها: «الخيار وأثره في العقود»، «دور الفقه الإسلامي في العصر الحاضر»، «بحوث في الفقه الطبي والصحة النفسية من منظور إسلامي»، «دليل الزكاة».
كان صاحب تأثير في مجاله الذي جمع بين العلم الاقتصادي والعلم الشرعي، وظل كذلك حتى توفاه الله يوم الجمعة 6 ربيع الأول 1442هـ/ 23 أكتوبر 2020م، عن عمر ناهز 80 عاماً في مونتريال بكندا(3).
_________________________________________________
(1) عادل عصفور: وليد الرويح المربي القدوة، مجلة «المجتمع»، العدد (2172)، ربيع الأول 1444هـ/ أكتوبر 2022م، صـ62.
(2) الكويت تفقد أحد رجالاتها في العمل الخيري: مجلة «المجتمع»، العدد 2173، ربيع الآخر 1444هـ/ نوفمبر 2022م، صـ6.
(3) سامح أبو الحسن: وفاة العلَّامة الاقتصادي د. عبدالستار أبو غدة، مجلة «المجتمع»، 23 أكتوبر 2020م.