يشكو البعض من ضيق الوقت في شهر رمضان، وصعوبة الجمع بين العمل والعبادة، ما يتسبب في إخلال بأحد الأمرين أو كليهما، وقد تسوء الحال إلى فقدان فرص الخير والمغفرة في الشهر الفضيل.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رغِمَ أَنفُ (خاب وخسِر) رجلٍ ذُكِرتُ عندَهُ فلم يصلِّ عليَّ، ورَغِمَ أنفُ رجلٍ دخل عليه رمضانُ ثمَّ انسلخَ قبل أن يُغفَرَ له، ورغمَ أنفُ رجلٍ أدرَكَ عندَه أبواهُ الكِبَر فلم يُدْخِلاهُ الجنة» (واه الترمذي وصححه الألباني).
وعن أنس بن مالك قال: ارْتَقى النبيُّ صلى الله عليه وسلم على المنبر درجةً فقال: «آمين»، ثم ارتقى الثانيةَ فقال: «آمين»، ثم ارتقى الثالثةَ فقال: «آمين»، ثم استوى فجلس، فقال أصحابُه: على ما أمَّنْتَ؟ قال: «أتاني جبريلُ فقال: رَغِمَ أنفُ امرئٍ ذُكِرْتَ عنده فلم يُصَلِّ عليك، فقلتُ آمين، فقال: رَغِمَ أنفُ امرئٍ أدرك أبوَيه فلم يَدخُلِ الجنة، فقلتُ: آمين، فقال: رَغِمَ أنفُ امرئٍ أدرك رمضانَ فلم يُغْفَرْ له، فقلتُ، آمِين» (رواه البزار، وصححه الألباني).
لذلك من الحكمة أن يضبط المسلم حاله في رمضان، وأن ينظم وقته بين بين العمل والعبادة، أو بين المذاكرة والعبادات، وكذلك المرأة بين واجبات المنزل وحظها من الصلاة والقيام وقراءة القرآن.
ومن ضوابط تلك المسألة للرجل والمرأة، وللصغير والكبير، على السواء، ما يلي:
أولاً: الحذر من تضييع الوقت في النوم وتناول الطعام ومشاهدة التلفاز واللهو والسهر فيما يعرف بـ«الخيام الرمضانية»، والانشغال بمتابعة وسائل ومواقع التواصل، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ».
والمرء مسؤول عن وقته بين يدي الله يوم القيامة، كما في الحديث: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه..» (أخرجه الترمذي، وقال: حسن صحيح).
يقول ابن القيم: إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله، والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا، وأهلها.
ثانياً: وضع جدول قبيل رمضان للعمل والمذاكرة، كذلك لكل احتياجات البيت، وتجهيز قائمة المشتريات الأسبوعية أو الشهرية؛ لتقليل عدد مرات الخروج للتسوق، مع النوم المبكر، والاستيقاظ باكراً.
ثالثاً: من المهم وضع جدول نشاطات يومي أو أسبوعي، بحيث تحدد هدفاً لكل يوم، يجب القيام به، مثلاً ورد قرآني (جزء من كتاب الله)، قراءة 10 صفحات من كتاب في السيرة النبوية، قراءة الأذكار، صلاة ركعتي تهجد، إخراج صدقة أو زكاة.
بمعنى آخر، إذا وضعت لكل يوم هدفاً، ستخرج في نهاية الشهر وقد أنجزت 30 هدفاً، وإذا زادت همتك ووضعت هدفين أو أكثر، ستكون أنت الرابح بإذن الله، وقد دعانا الإسلام إلى التنافس في الخيرات والتسابق إليها قال تعالى: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) (البقرة: 148).
وقد كان صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى تتفطر قدماه مسابقة إلى الخيرات وطلباً في الجنات، تقول عائشة: يا رسول الله، أربع على نفسك، كأنها ترى أنه قد أضناه طول القيام، فيقول: «يا عائشة، أفلا أكون عبداً شكوراً».
رابعاً: العمل على جمع العائلة في نشاط واحد، وليكن حلقة تلاوة، أو مدارسة حديث نبوي، أو خلقاً كريماً، أو الصلاة جماعة، فذلك مما يحفز الهمة، ويدفع بأفراد الأسرة إلى الخير والترابط والتسابق في الطاعات، كما أن جمع الأسرة في أنشطة تشاركية يقلل من الوقت الضائع.
خامساً: استشعار لذة الطاعة، وعظم الأجر والثواب من الله، عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال: «مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم من ذنبه» (متَّفق عليه)، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسولُ الله ﷺ إذا دخل العشرُ -أي العشر الأخيرة من رمضان- شدَّ مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله» (متَّفق عليه).
وأخيراً، نذكّر بقول النبي عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل: «لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» (رواه أبو داود، والنسائي، وأحمد، وصححه الألباني).