قطرة الأنف:
ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «وَبَالِغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ إِلا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» (رواه الترمذي وصححه الألباني في «إرواء الغليل»)، فهذا الحديث يدل على أنه لا يجوز للصائم أن يوصل الماء إلى جوفه عن طريق الأنف، وعلى هذا، فقطرة الأنف إن كانت قليلة بحيث لا تصل إلى الحلق فلا بأس بها، أما إذا وصلت إلى الحلق ووجد طعمها فيه، فسد صيامه وعليه القضاء.
قال الشيخ ابن باز: «وهكذا قطرة العين، والأذن، لا يَفطر بهما الصائم في أصح قولي العلماء، فإن وجد طعم القطور في حلقه: فالقضاء أحوط، ولا يجب؛ لأنهما ليسا منفذين للطعام والشراب، أما القطرة في الأنف فلا تجوز؛ لأن الأنف منفذ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً»، وعلى من فعل ذلك القضاء لهذا الحديث، وما جاء في معناه، إن وجد طعمها في حلقه(1).
وقال الشيخ ابن عثيمين: «قطرة الأنف إذا وصلت إلى المعدة أو إلى الحلق فإنها تفطر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث لقيط بن صبرة: «بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً»، فلا يجوز للصائم أن يقطر في أنفه ما يصل إلى معدته، أو إلى حلقه، وأما ما لا يصل إلى ذلك من قطرة الأنف فإنها لا تفطر، وأما قطرة العين ومثلها أيضاً الاكتحال وكذلك القطرة في الأذن فإنها لا تفطر الصائم».
وعلى هذا، فلا ينبغي للصائم استعمال هذه القطرة، إلا إن شق عليه تركها، فيستعملها ويحتاط في عدم بلع ما وصل إلى حلقه منها، فإن ابتلع منها شيئاً قضى ذلك اليوم، وإن علم أنه لا بد أن يبتلع منها شيئاً، فلا يجوز له استعمالها إلا أن يبلغ حد المرض الذي يبيح له الفطر، وهو الذي يضر معه الصوم أو يلحقه به مشقة يشق تحمّلها(2).
المضمضة الدوائية والغرغرة:
دواء الغرغرة والمضمضة لا يبطل الصوم إذا لم يبتلعه الصائم، والأصل عدم فعله إلا إذا دعت الحاجة، لكن لا يفطر به إذا لم يدخل في الجوف شيء منه، وهذا ما أفتى به الشيخ ابن عثيمين، وإلى ذلك ذهب مجمع الفقه الإسلامي.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن المفطرات ما يلي: الأمور الآتية لا تعتبر من المفطرات: المضمضة والغرغرة، وبخاخ العلاج الموضعي للفم، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق، والذي نراه أنه ينبغي للصائم الاحتراز عن استعمال دواء الغرغرة في نهار رمضان؛ لأنّ فيه تعريض صومه للخطر(3).
الحجامة للصائم:
إذا احتجم الصائم لا يفسد صومه على مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية، فعن ابن عباس «أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ احتجمَ وَهوَ صائم» (أخرجه البخاري (1835)، ومسلم (1202))، وسُئِلَ أنَسُ بنُ مَالِكٍ: أكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ؟ وفي رِوايةٍ: علَى عَهْدِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: لَا، إلَّا مِن أجْلِ الضَّعْفِ. (صحيح البخاري (1940)).
إلا أن الحجامة تُكره في حق من كان سيضعف بها، وتحرم إذا بلغ به الضعف إلى أن تكون سببًا في إفطاره، وعليه فإن الأحوط أن تؤجَّل الحجامة إلى الليل خروجاً من الخلاف بين أهل العلم.
سحب الدم للتحليل أو التبرع:
لا يفسد الصوم إذا سحب الصائم دمه من أجل تحليل أو تبرع على مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية، والأولى تأخير التحليل أو التبرع إلى الليل خروجاً من الخلاف بين أهل العلم، وكذلك حتى لا يضعف الصائم ضعفاً شديداً يضطره إلى الإفطار.
قال الشيخ ابن باز: «لا حرج على الصائم في تحليل الدم عند الحاجة إلى ذلك، ولا يفسد الصوم بذلك، أما التبرع بالدم فالأحوط تأجيله إلى ما بعد الإفطار».
فائدة
خروج الدم برعاف، أو سعال، أو خلع سن، أو جرح في البدن لا يفسد الصيام، لكن لا يجوز أن يبتلع الصائم الدم عامداً، فإن نزل الدم في فمه نتيجة خلع سن أو ما شابه وابتلعه متعمداً بطل صومه.
قال الشيخ ابن باز: «ما خرج من الإنسان بغير قصد كالرعاف وكالجرح للبدن أو وطئه على زجاجة، أو ما أشبه ذلك، فإن ذلك لا يفسد الصوم ولو خرج منه دم كثير»، وقال الشيخ ابن عثيمين: «خروج الدم بالرعاف، أو السعال، أو الباسور، أو قلع السن، أو شق الجرح، أو تحليل الدم، أو غرز الإبرة ونحوها فلا يفطر»(4).
وسئل الشيخ ابن عثيمين عن رجل أصيب بمرض الجيوب الأنفية، وأصبح بعض الدم ينزل إلى الجوف، والآخر يخرجه من فمه، فهل صومه صحيح إذا صام؟
فأجاب: «إذا كان في الإنسان نزيف من أنفه وبعض الدم ينزل إلى جوفه، وبعض الدم يخرج فإنه لا يفطر بذلك، لأن الذي ينزل إلى جوفه ينزل بغير اختياره، والذي يخرج لا يضره».
_____________________
(1) مجموع فتاوى الشيخ ابن باز.
(2) «فتاوى رمضان»، ص511، جمع أشرف عبدالمقصود.
(3) مجلة المجمع، العدد العاشر، ج2، ص7.
(4) من فتاوى «نور على الدرب»، بتصرف.