تسعى الدول والمجتمعات إلى الحفاظ على هوية أمتها الحضارية والثقافية والمجتمعية، مرتكزة على نقاط القوة فيها من أجل تقدم أوطانها وازدهار شعوبها ورفع رايتها بين شعوب العالم.
وتملك المجتمعات الإسلامية ما يكفي من المقومات الذاتية والموضوعية للحفاظ على هذه الهوية وتعزيز شعورها بالانتماء إلى الأمة الإسلامية، بل الدفاع أيضاً عن مقدسات الأمة، وربط قضايا العصر بالعقيدة.
وإلى جانب عدد من الجهود المدنية، تضطلع المؤسسات الدينية الرسمية بالدور الأكبر في كل ذلك بما تملك من إمكانات مادية ضخمة وسلطة نافذة في الدولة والمجتمع.
لكن يبقى السؤال: إلى أي مدى يمكن لهذه المؤسسات أن تساهم في حفظ هوية الأمة دون أن تتماهى مع المواقف السياسية؟
دور أكبر
يقول الباحث في العلوم الإسلامية د. رشيد الحمداوي، في حديث لـ«المجتمع»: إن معالم هوية الأمة الحضارية والثقافية والمجتمعية تتحدد من خلال القرآن الكريم والتطبيق العملي لما فيه من خلال السُّنة النبوية وسيرة الصحابة والتابعين.
الحمداوي: حفظ هوية الأمة وصيانتها يتوقف على مجموعة من الوسائل في مقدمتها المؤسسات الدينية
ويبرز الأكاديمي المغربي أن حفظ هذه الهوية وصيانتها مما يشوّه ملامحها يتوقف على مجموعة من الوسائل، في مقدمتها المؤسسات الدينية، وفي زمننا هذا صارت حماية هوية البلد الهدف الأول للمؤسسات الدينية الرسمية، فمن شأن وزارات الشؤون الإسلامية في كل بلد أن ترسم خطة لصد الأفكار الهدامة والسلوكيات المنحرفة والعادات الدخيلة من الثقافات الأخرى، وتسخّر لذلك المؤسسات الدينية التي تنضوي تحتها وعلى رأسها المساجد، فقد كان المسجد منذ عهد النبوة المؤسسة التي لها أكبر الأثر في حفظ هوية المسلمين، وذلك من خلال خطب الجمع المؤثرة، والمواعظ البليغة، والدروس العلمية النافعة، وكذلك قراءات القرآن المتقنة الخاشعة التي تترك أثرها في نفوس المصلين.
ويضيف: ولكن لا يمكن أن يتحقق ذلك إلا إذا كان القائمون على هذه المؤسسات واعين بمسؤوليتهم في حفظ هوية الأمة كلها، مدركين للأخطار المحدقة بها، عاملين بجد وإخلاص في دفع ما يفسدها.
إمكانات
بدروه، يقول الباحث والكاتب الموريتاني إخليهن الرجل محمد الأمين، لـ«المجتمع»: إن المؤسسات الدينية الرسمية يمكنها أن تضطلع بالكثير من الأدوار والمهمات في سبيل حماية الهوية وتعزيز التدين داخل المجتمع وداخل الدولة؛ نظراً لأنها تمتلك ميزانيَّات رسمية ضمن ميزانيَّات الحكومات تؤهلها للقيام بذلك.
ويشير إلى أدوارها المقدَّرة في الحفاظ على الهوية الإسلامية للدولة، بما تقوم به من إفتاء، ومن برامج دينية، ومن توجيه للناس، ومن رعاية للمساجد والمعاهد الشرعية، ومن إشراف على المواسم الدينية (الأعياد، الحج..).
الأمين: لو تحرَّرت المؤسسات الدينية من التبعيَّة السياسية لأمكنها تحقيق قفزات نوعية في بناء الوعي الديني
ورغم هذه الجهود المقدَّرة التي تقوم بها هذه المؤسسات، فإن ما هو منتظر منها أكبر من ذلك بكثير.
مع ذلك، يبرز الباحث محمد الأمين أن مشكلة هذه المؤسسات تكمن في أمرين أساسيين؛ أحدهما: أنها في بعض البلدان لا تمتلك رؤية لتعزيز الهوية وحمايتها، وإنما تنطلق من آراء من يحكمونها، واجتهاداتهم الفردية لا تضبطها رؤية، ولا توجَّهها أهداف ولا غايات كبرى.
الثانية: أنها في كل بلدان المغرب العربي تابعة للأنظمة السياسية، وموجَّهة من طرفها، وليست لها من القوة والجرأة التي تجعلها تمتلك القدرة على تجاوز الخطوط الحمراء التي يضعها السياسيون في وجهها.
ويختم: فلو تحرَّرت المؤسسات الدينية من التبعيَّة السياسية؛ بما يعني ارتهان الموقف الشرعي للموقف السياسي، وامتلكت رؤية واضحة للمجال الديني؛ تشخِّص الخلل، وترسم الأهداف والغايات لأمكنها أن تحقِّق قفزات نوعيَّة في بناء الوعي الديني، وتعزيز الهويَّة الإسلامية داخل البلدان المغاربية.