أستاذي الكريم د، يحيى، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية وتقدير لمجلة «المجتمع»، وتقبل جهود العاملين عليها ومساهماتهم الطيبة، لقد ترددت كثيراً خجلاً أن أكتب إليكم، وكثيراً ما كنت أهمّ بالكتابة فأستحي من الحديث عن معاناتي، ولكن ما جرأني لطرح هذه المشكلة هو للأسف تكرارها لصديقات لي وإن اختلفت أسبابها وآثارها، أتمنى أن تجد عندكم من الأهمية لمناقشتها وطرح سبل التعامل معها.
أنا سيدة في بداية الأربعينيات من عمري، وزوجي في منتصف الأربعينيات، مر على زواجنا عقدان من الزمان ونحن في سعادة وهناء، كان زوجي يبذل جهوداً مضاعفة لتنمية وتطوير شركته، لم يقصر زوجي في مسؤولياته تجاه أسرته، وامتدت ساعات عمله حتى وقت متأخر من الليل؛ اضطرب نظام حياته، فلم يعد يأكل بانتظام ولا يذهب للنادي، لاحظت قصوراً في أدائه، وخجلت أن أبدي ذلك.
كثيراً ما كنت أستعد شوقاً للقائه، ولكنه كان ينام أثناء تناوله للعشاء، وإن حاول خجلاً فكثيراً لا يستكمل اللقاء حيث كان يصل وينتهي قبل أن أصل! مما كان يسبب لي آلاماً عضوية ونفسية، بل كنت أتصنع النشوة لأرضي غرور زوجي، خاصة أنه مثالي في كل شيء، فلماذا أضن عليه بأنه قادر على تلبية احتياجاتي على الفراش؟
الدافع الرئيس للزواج العلاقة الخاصة وبها يتم إحصان النفس فهي من أهم العلاقات بين الزوجين
ولله الحمد لم تعد رغبتي تمثل لي أي ضغط، فأنا أغض بصري وأغلق أذني ولا أخضع بالقول حتى لا يطمع من في قلبه مرض، لم أعد أهيئ نفسي للقائه حتى لا أسبب حرجاً له ولي أيضاً، ما آلمني هو تجاهله لتصرفي غير المعتاد، ولا أدري هل هو لم يلاحظ حيث يعود عادة منهك القوى، أو أنه وجد ذلك حلاً بعد أن تكررت محاولاته التي كثيراً ما كانت عادة ما تبوء بالفشل.
صعقت باتصال مدير مكتبه، بأن زوجي بالمستشفى نتيجة غيبوبة، هرعت إلى المستشفى، وطمأننا الطبيب؛ فكانت غيبوبة سكر، ونهره كيف يهمل صحته طوال هذه الفترة حتى ساءت حالته لهذه الدرجة؟! وحذره من عدم الالتزام بالعلاج خاصة تغيير نمط حياته، قرأت عن مرض السكر وآثاره المدمرة على من يهمله، وأدركت أنه السبب الرئيس على تدهور أداء زوجي، وسامحته رغم آلام الحرمان من حقوقي الزوجية.
حاولت من جانبي إعداد الطعام الخاص به، بل وشاركته فيه وجلست معه لإعادة ترتيب أولوياته وأن صحته هي الأهم، خاصة أن الشركة تضاعَفَ حجمها عدة مرات، الحمد لله التزم زوجي وتحليلاته تحسنت، ولم يمض أكثر من شهر حتى بدأ يخل بتعليمات الطبيب وعاد يتأخر، مبرراً ذلك بافتتاح فرع جديد.
المشكلة التي تدمر حياتنا الآن هي أنه رغم حرصي على ألا أشعره بأي تقصير منه وقد بلعت حرماني كزوجة وسامحته، فإن شعوره بالعجز جعله سريع الغضب وتكرر خطأه فيّ، واتهمني بأنني لم أعد «أثيره»، وأصبح دائم النقد لشكلي وأسلوب حديثي.
أستاذي الفاضل، زوجي من قراء مجلتكم الموقرة، فآمل أن تجد مشكلتي من اهتمامكم؛ ما يساعد زوجي على تخطي هذه العقبة التي تكاد تحطم حياتنا.
التحليل
تتميز العلاقات الزوجية بأنها متعددة ومتشعبة وتبادلية التأثير سلباً وإيجاباً، وعدم إدارتها بطريقة صحية يؤدي إلى مشكلات، خاصة إذا تعلقت المشكلة بالعلاقة الخاصة، لا أقصد هنا فقط العلاقة الحميمية بين الزوجين، ولكنني أقصد كل وسائل التعبير عن خصوصية العلاقة الزوجية التي لا يمكن أن تتم إلا بين الزوجين، بدءاً من التعبير اللفظي أو البصري عن الحب، إلى الامتزاج في العلاقة الحميمية، كما أنه بدون التفاعل العاطفي اللفظي والبصري والحسي يفقد الجماع قيمته، ويعتبر مجرد تفريغ للرغبة وليس ارتواءً عاطفياً وجسدياً.
العلاقة الحميمية واجبة على الزوج تجاه زوجه فهي علاقة تبادلية ومن مقاصدها الشرعية الإعفاف
كما أن الدافع الرئيس للزواج هو العلاقة الخاصة، وبها يتم إحصان النفس وطلب للذرية، لذا فهي من أهم العلاقات بين الزوجين، من واقع ما يعرض علينا من مشكلات، فإن أي اضطراب في العلاقة الخاصة يكون سبباً في حوالي أكثر من 95% من المشكلات الزوجية التي تؤدي إلى الانفصال الفعلي أو النفسي بين الزوجين، إن ثمرة توفيق الله للزوجين في العلاقة الخاصة هو الارتواء العاطفي والجسدي والشعور بالاحتواء والامتزاج النفسي المتبادل بينهما؛ مما يقوي أواصر المحبة والثقة والتغافل والتغافر والمسامحة بينهما.
كما أن التعبير عن العلاقة الخاصة خلال اليوم يهيئ الزوجين لليلة هنيئة، خاصة خلال حيضها، من خلال تبادل الزوجين أرق همسات التعبير عن الحب والشوق ونظرات التقدير والامتنان ولمسات الحنان وقبلة الوداع والاستقبال خلال اليوم، مما يقلل من حدة النقاش مهما كانت أسباب الخلاف ويبعد سوء الظن ويحول بينهما وبين والغضب وتبعاته، كم من مشكلة تلاشت أو سهل حلها وذلك بمبادرة أحد الزوجين: «حبيبتي/ حبيبي»!
من خلال ما يعرض علينا من مشكلات، يتبين لنا أن هناك مفهوماً خاطئاً عند كثير من الأزواج، وهو قصر التواصل العاطفي على وقت اللقاء الحميمي، بل إن البعض قد يكون شحيحاً عاطفياً حتى وقت اللقاء! وقد تؤكد الزوجة أن لقاءها مع زوجها سواء من حيث العدد أو الأداء طيب، ولكنها تحتاج إلى الارتواء العاطفي، وقد تتضاعف المشكلة حينما لا يمهد الزوج زوجته للقاء؛ مما قد يجعلها تعاني آلاماً وحرماناً عاطفياً وجسدياً.
إن من الهدي النبوي صلى الله عليه وسلم: «لا يقعن أحدكم على امرأته، كما تقع البهيمة، وليكن بينهما رسول»، قيل: وما الرسول يا رسول الله؟ قال: «القبلة والكلام»، وقال: «ثلاث من العجز في الرجل.. أن يقارب الرجل زوجته فيصيبها (أي يجامعها) قبل أن يحدثها ويؤانسها ويضاجعها فيقضي حاجته منها، قبل أن تقضي حاجتها منه».
ضرورة تلمُّس مشاعر الزوج العاطفية والجسدية وإرواءها خاصة الزوج مع زوجته التي من طبيعتها الحياء
إن العلاقة الحميمية واجب على الزوج تجاه زوجه، كما أنها أيضاً حق له، فهي علاقة تبادلية ومن مقاصدها الشرعية الإعفاف والإحصان، انطلاقاً من القاعدة الشرعية «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب»؛ لذا على كل زوج أن يأخذ بكل الأسباب الشرعية التي تمكنه من أداء واجباته تجاه زوجه، خاصة الواجبات المنوطة به ولا يمكن لغيره القيام بها وهي العلاقة الخاصة، فرغم واجب إنفاق الزوج على زوجته، فإنه إذا قصر لأي سبب فإن أهلها يقومون بذلك، ولكن إذا ما قصر في إحصانها فمن يعوضها؟
عن أبي هريرةَ قَالَ: قالَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دعَا الرَّجُلُ امْرأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فلَمْ تَأْتِهِ فَبَات غَضْبانَ عَلَيْهَا؛ لَعَنتهَا الملائكَةُ حَتَّى تُصْبحَ» (متفقٌ عَلَيهِ)، هذا في حق الزوج الذي مباح له أن يتزوج بأربع نساء، فهو غير محبوس على زوجة، فما بالنا بمن هي محبوسة على زوجها؟! يقول المولى عز وجل: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة: 228).
متطلبات أساسية
لذا، واجب على كل زوج:
– أن يلم بالمعارف والمهارات والقدرات التي تمكنه من حسن التفاعل مع زوجه في العلاقة الخاصة، والحرص على متابعة التعلم، ولله الحمد هناك الآلاف من الصفحات الإلكترونية يشرف عليها مسلمون متخصصون يتناولون كل ما يخص العلاقة الخاصة بأسلوب علمي حييّ.
– أن يعتني بصحته البدنية بدءاً بنظافة أسنانه حتى كفاءته الجنسية، وكذلك صحته النفسية، نعم على الزوج أن يجدّ لطلب المال الحلال لإعالة أهله، لكن عليه أيضاً ألا يهلك نفسه في طلب المال فيعجز عن أداء حق زوجته، إن لله حق العبادة، ولكن دون أن يؤثر ذلك سلباً على حق الزوج، فالزوجة لا يحق لها صيام التطوع وزوجها حاضر دون إذنه، وقد استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمنا عائشة ليناجي ربه ليلاً!
رغم أهمية العلاقة الحميمية للزوجة فإنه بالحب والحنان عادة ما ترضى وتستمر علاقتها بزوجها على خير
– الشفافية: دون أن يخدش الزوج حياء زوجه، يجب أن يلفت نظره إلى ما يساعده على أداء هذه الأمانة، ولا يخجل ويظلم نفسه وزوجه، وقد ينفجر.
– التطوير والإبداع: إن الرتابة والأداء النمطي المتكرر يؤدي إلى الفتور والملل ومن ثم ضعف الأداء، ولكن التطور والإبداع سواء في الحديث أو طريقة التناول أو في شكل الفراش وغرفة النوم والزي والتجمل وتذكّر لحظات خاصة مبهجة بين الزوجين وغيره الكثير يجعل كل ليلة هي الأجمل في اللقاء.
– التجمل: قد يعتقد بعض الأزواج أنه فقط على زوجته التجمل والظهور بأبهى صورة له، في حين أنه يهمل التجمل لها، روي عن ابن عباس: «إني أحب أن أتزين لامرأتي، كما أحب أن تتزين لي، لأن الله تعالى يقول: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)».
– لا تضع زوجك في عوز: تتميز العلاقة الخاصة بحساسية عالية جداً، وصعب على نفسية الزوج أن يبادر، فيغفل زوجه أو يتغافل عن تلبية احتياجه، فيصد وتتعقد العلاقة، خاصة إذا ما كانت الزوجة هي المبادرة، وإذا كنا ننبه دائماً كلا الزوجين ألا تضع زوجك في عوز، بل استشعر احتياجاته واحرص على إشباعها، قبل أن تعنّ عليه، لذا فإن تلمس مشاعر الزوج العاطفية والجسدية وإرواءها خاصة الزوج مع زوجته التي من طبيعتها الحياء واجب.
– حجرة النوم: حجرة النوم للنوم، وليست للعتاب أو حل المشكلات، دائماً ما أكرر: اترك كل ما يشغلك ومهما كانت المشكلات على باب غرفة النوم، وهيئ نفسك لحضن دافئ يجمعك وزوجك.
– التواصل رغم امتناع العلاقة: قد تمتنع العلاقة الحميمية مؤقتاً لأسباب شرعية أو طبية، وقد تضعف أو تتلاشى لأسباب طبية دائمة، وهذا ليس معناه انقطاع التواصل العاطفي بين الزوجين، إن القصور في العلاقة الحميمية يجب أن يلازمه تدفق مضاعف في التعبير العاطفي، لأن كلا الزوجين يكون في احتياج إلى التعويض عن النقص في إشباع العلاقة الحميمية.
– الزواج ليس فقط علاقة خاصة: يضخم كثير من الأزواج هذه العلاقة وكأن قيمته عند زوجته أداء العلاقة الحميمية! وأؤكد أنه رغم قيمة وأهمية العلاقة الحميمية للزوجة، فإنه بالحب والحنان والتواد عادة ما ترضى الزوجة وتستمر علاقتها بزوجها على خير، في المقابل على الزوج أن يبذل جل وكل جهده لترتوي زوجته، وهناك من العديد من الأساليب لذلك، بشرط توافقهما معاً.