– إدارة الوقت من أهم المهارات التي يجب على الإنسان اكتسابها لتحقيق النجاح
– أهم ما يُشعِر الشباب بقيمة أوقاتهم أن يكون لهم هدف بالحياة ثم تحديد الأولويات
– ما أدركت أمة من الأمم قيمة الوقت إلا نهضت.. وما أهدرت قيمة الوقت إلا ضعفت وذلَّت
في عالم ينضح بالتفاهة ويفقد قيمة الوقت شيئاً فشيئاً، أصبح التحدي كبيراً على الشباب العربي والمسلم أن يدير وقته ويوازن بين مهام يومه، وسط المشتتات والملهيات التي تستهدف وقته في المقام الأول، فلم يستهدفوا قيم المسلمين ومبادئهم فقط، بل استهدفوا أوقاتهم وهي أغلى ما يملكون، وأغلى ما يقدمون لأمتهم إذا قضوها فيما ينفع.
فكيف نتمكن من الموازنة واستغلال الوقت بشكل أفضل؟ وكيف كان علماء المسلمين أشد الناس حرصاً على أوقاتهم؟ وكيف يتمكن شبابنا اليوم من إدارة الوقت وتحقيق الإنجاز؟ هذا وأكثر تتناوله «المجتمع» في هذا التقرير.
إدارة الوقت من أهم المهارات التي يجب على الإنسان اكتسابها لتحقيق النجاح في جميع جوانب حياته، فمن خلال تنظيم الوقت بشكل فعال يمكن تحقيق العديد من الفوائد، منها: زيادة الإنتاجية والإنجاز، وتقليل التوتر والقلق، وتحسين التركيز، وتحقيق التوازن في الحياة، كما أن التخطيط الفعلي للوقت يمكن أن ينتقل بك من العشوائية إلى الحياة العملية والمنظمة.
وأهم ما يُشعِر الشباب بقيمة أوقاتهم وأعمارهم أن يكون لهم هدف في الحياة، ثم بعد ذلك يحددون أولوياتهم وينظمون أنشطتهم اليومية، فجزء كبير من النجاح يكمن في التخطيط اليومي.
ثم يأتي دور الرقابة ومقارنة ما سبق تخطيطه بما تم تنفيذه، بهدف تحديد الانحرافات والاستفادة من الإيجابيات وتجنب السلبيات، فالعادات القديمة السيئة تعود سريعاً، عندما يواجه بعض الشباب صعوبات في تنفيذ الخطة اليومية يعودون إلى ممارسة عاداتهم السيئة القديمة، لذلك وجب المراجعة والصبر على التغيير.
المسلمون والوقت
ما أدركت أمة من الأمم قيمة الوقت إلا قويت ونهضت، وما أهدرت أمة قيمة الوقت إلا وذلت وضعفت ودهستها أقدام الأقوياء، وهكذا كانت أمة الإسلام ورجالها، فقد عظَّم الإسلام من قيمة الوقت، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اغتنم خمساً قبل خمس؛ شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك».
وهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كان شديد الحرص على استغلال وقته في خدمة الإسلام والمسلمين، وكان قليل النوم يقسّم الليل إلى ثلاثة أقسام: قسم للنوم، وقسم للصلاة والقيام، وقسم لإدارة شؤون المسلمين، وكان يقول: «لو نمتُ بالنهار ضاعت رعيتي، ولو نمت بالليل ضاعت نفسي، فكيف بالنوم مع هذين؟!».
وكان الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود معروفًا بحرصه على الوقت واستغلاله في طاعة الله، وكان يقول: «ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي».
ويروى عن الإمام الشافعي أنه كان شديد الحرص على وقته، وكان يحمل معه دوماً أدوات الكتابة، فإذا سمع شيئاً جديداً ولم يجد ما يدوّن عليه، كان يكتب على كُمِّ ثوبه أو على باطن يده، خشية أن يضيع عليه الوقت أو ينسى العلم، ومن أقواله: «صحبت الصوفية فما انتفعت منهم إلا بكلمتين، قولهم: الوقت سيفٌ فإن قطعته وإلا قطعك، ونفسك إن شغلتها بالحق وإلا شغلتك بالباطل».
وكان ابن الجوزي يشتكي من كثرة زواره لأنهم يضيعون وقته، فيقول: ثم أعددت أعمالاً لا تمنع من المحادثة ولكن لا بد منها، كي لا يمضي الزمن فارغاً، فأرجأت قطع الكاغد وبري الأقلام وحزم الدفاتر لأوقات زيارتهم لئلا يضيع شيء من وقتي، فهذه الأعمال لا تحتاج إلى فكر وحضور قلب.
وشيخ الإسلام ابن تيمية كان من شدة حرصه على وقته إذا أراد أن يدخل الخلاء قال لحفيده أو أحد أولاده: اقرأ هذا الكتاب وارفع صوتك بالقراءة لكي أسمع، وورد أنه ألَّف كتابه الشهير «زاد المعاد» وهو ذاهب للحج على راحلة.
نماذج شبابية
ومن شباب أمتنا الكثير ممن ينفقون أوقاتهم فيما ينفع، ويحاولون إدارة أوقاتهم لتحقيق الإنجازات رغم تحديات ومشتتات العصر، وقد تحدثت «المجتمع» مع بعض الشباب المتميز الذي يتمكن من الإنجاز وإدارة الوقت رغم التحديات، لنعرف سر نجاحهم في إدارة أوقاتهم.
وبالحديث عن نموذج ليوم ناجح، يخبرنا المستشار في تأسيس وإدارة المشاريع، مدير منصة «عمران»، إبراهيم هواري، قائلاً: اليوم الناجح بالنسبة لي هو اليوم الذي يبدأ بصلاة الفجر في جماعة، ثم أبدأ أنشطة يومي مباشرة بعد الصلاة، لأن أفضل وقت للعمل والإنجاز هو من الفجر إلى وقت الضحى، لكي أرتب جميع الأعمال قبل اجتماع العمل الصباحي، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بورك لأمتي في بكورها».
وأشار إلى أن أكثر ما يساعده على إدارة يومه هو ربط الأعمال بمواعيد الصلوات، وتقسيم اليوم لأربع مراحل؛ أولها العمل الفردي من الفجر إلى الضحى، ثم اجتماعات مع فريق العمل الخاص به من الضحى إلى صلاة الظهر، ومن وقت الظهر إلى العصر للاتصالات وإقامة العلاقات مع العملاء، ومن وقت العصر إلى المغرب يخصصه للعلاقات الاجتماعية خارج العمل المهني، وقال: إن الأفضل بعد ذلك هو النوم بعد صلاه العشاء مباشرة، لأن كل ساعة سهر ستؤثر على اليوم التالي.
وقال هواري: إن مما يساعده على تنظيم وقته محاولة إنجاز مهام محددة قبل دخول وقت الصلاة، وإن هناك متسعاً من الوقت من صلاة الفجر حتى صلاة الظهر دون صلوات مفروضة، وهذا من حكمة تقسيم أوقات الصلوات في الإسلام.
ويرى رئيس اتحاد الطلاب المصريين بجامعة «UTM» بماليزيا عام 2022م، محمد عليّ، أنه لا يوجد نموذج ثابت لليوم، بينما هناك أعمدة ثابتة في اليوم لا يجب تجاوزها، مثل الصلوات الخمس والأذكار والرياضة وصلة الرحم، ثم يتم وضع الأعمال الخاصة والمتغيرة في كل يوم، مثل الذهاب للجامعة أو مذاكرة مادة معينة أو إنجاز بعض الأعمال وهكذا.
وأردف أن أكثر ما ساعده على إدارة وقته هو إدراكه لعظم أهدافه، قائلًا: المرء كلما كانت له غاية عظيمة يشعر بالخزي إذا أضاع وقته، أما إذا كانت الأهداف صغيرة وتحتاج إلى وقت قليل فلن يهتم الإنسان إذا أضاع باقي وقته.
وأضاف عليّ قائلاً: ما ساعدني أيضاً على استغلال وقتي هو أنني أقحِم نفسي في الأعمال التي تخدم أهدافي وأورط نفسي فيها، وهذا يحفز الإنسان على الإنجاز رغماً عنه، فمثلاً من يريد ممارسة الرياضة يذهب ويشترك في الصالة الرياضية ليجبر نفسه على الالتزام، وهكذا عندما يقحم الطالب نفسه في الأنشطة الطلابية يصبح مسؤولاً ومضطراً لإنجاز مهامه.
وأشار إلى أن أكثر ما يُحدث له خللاً في إدارة اليوم عدم تحديد الأعمال التي يجب إنجازها خلال اليوم، أو إذا حلت الأعمال الأقل أهمية بدل الأعمال المهمة؛ لذا وجب حضور فقه الأولويات لتنظيم الأعمال.
ويقدم عليّ نصيحة للشباب أن يقدروا قيمة أوقاتهم، ولا يضيعونها بطريقة بخسة لأنها أثمن ما يملكون، ويستشعروا أنهم محاسبون على هذا الوقت أمام الله تعالى.