إن الصبر خلق رفيع في الشريعة الإسلامية حثت على الاتصاف والتخلق به مرارًا، وإن الصابرين لهم خير العباد؛ حيث مدحهم الله تعالى في كتابه في مواضع متفرقة، ولما كان لهذا الخلق من ميزات وجزاء كبير لم يكن من السهل على النفس البشرية التحلي به إلا بعد محاولات عديدة بعد مجاهدة وتدريب وعناء للتغلب على شهوة الانتقام تارة ورغبات النفس تارة أخرى.
ولنقف أولًا سويًا مع تعريف الصبر لنفهم جيدًا كينونته ومراده وغايته، فالصبر كما عرّفه ابن القيم في كتابه «عدة الصابرين» فقال: هو حبس النفس عن الجزع والتسخُّط، وحبس اللسان عن الشكوى، والجوارح عن لطم الخدود وشق الثياب ونحوهما.
ناهيك عن أن الصبر وصية الله تعالى لعباده المؤمنين كافة، حيث خاطب الله عباده بخطاب واضح في كتابه الكريم يوصيهم بالصبر ويخبرهم بالمكافأة التي سينالها من يتصف منهم به، فقال عز وجل: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ {155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ {156} أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة).
ولأهمية الصبر ومكانته لم يخلُ أرشيف السلف الصالح والرعيل الأول لهذه الأمة من أقواله تشجع على التخلق به والتأدب باتصافه، ولذلك سنسرد جزءًا يسيرًا مما ورد من أقوال السلف الصالح حول أهمية الصبر التحلي بالصبر للانضمام إلى زمرة الصابرين.
ونبدأ مع الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث قال حيال الصبر: أفضل عيش أدركناه بالصبر، ولو أن الصبر كان من الرجال كان كريمًا.
ولنتأمل ما قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين قال: ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قُطع الرأس بار الجسم، ثم رفع صوته فقال: ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له، فالصبر مطية لا تكبو.
ولنمر على القول الوجيز لعبدالله بن مسعود رضي الله عنه حيث لخص الأمر فقال: الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله.
وها هو سيد الزهاد الحسن البصري يحدثنا عن الصبر فيقول: الصبر كنز من كنوز الخير، لا يعطيه الله إلا لعبدٍ كريم عنده.
وإليك ما قاله عمر بن عبدالعزيز: ما أنعم الله على عبد نعمة فانتزعها منه، فعوَّضه مكانها الصبر إلا كان ما عوضه خيرًا مما انتزعه.
وقد قال سعيد بن جبير: الصبر اعتراف العبد لله بما أصابه منه، واحتسابه عند الله ورجاء ثوابه.
أما شقيق البلخي فقال: من شكا مصيبة به إلى غير الله؛ لم يجد في قلبه لطاعة الله حلاوة أبدًا.
وهذا سؤال يونس بن يزيد الذي قال: سألت ربيعة بن أبي عبدالرحمن: ما منتهى الصبر؟ قال: يكون يوم تصيبه المصيبة مثله قبل أن تصيبه.
أما الحريري فقال: الصبر هو ألا يفرِّقَ بين حال النعمة وحال المحنة مع سكون الخاطر فيهما.
ونختم مع أبي علي الدقاق الذي قال: فاز الصابرون بعز الدارين لأنهم نالوا من الله معيته، فإن الله مع الصابرين.