المؤمن طاهر القلب، طاهر السلوك، عظيم الغيرة، رافض لكل ما هو دنيء، والدياثة انحطاط أخلاقي لا يقبله حتى بعض الحيوانات على قطيعها، حتى لو لم تكن الدياثة محرمة تحريماً قاطعاً، وجرمها كبير في الإسلام، فالنفوس السوية ترفضها وتأباها وتنفر منها، لكن منزلتها بين الذنوب عظيمة.
والدياثة معناها: داث الشيء ديثاً: لان وسهل، ويعدى بالتثقيل، فيقال: ديثه غيره، ومنه اشتقاق الديوث، وهو الرجل الذي لا غيرة له على أهله، والدياثة بكسر الدال، وتخفيف اليا هي فعل الديوث(1)،
يقول الله تعالى: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (النور: 3)؛ قال القاسمي: الله سبحانه قد جعل بين الزوجين مودة ورحمة؛ فأحدهما يحب لنفسه ما يحب للآخر، فإذا رضيت المرأة أن تنكح زانياً فقد رضيت عمله، وكذلك الرجل، ومن رضي بالزنى فهو بمنزلة الزاني.. وأعظم الخلة خلة الزوجين، وأيضاً فإن الله تعالى جعل في نفوس بني آدم من الغيرة ما هو معروف، فيستعظم الرجل أن يطأ الرجل امرأته أعظم من غيرته على نفسه أن يزني، فإذا لم يكره أن تكون زوجته بغياً وهو ديوثاً كيف يكره أن يكون هو زانياً؟!
ولهذا، لم يوجد من هو ديوث أو قواد يعف عن الزنى؛ فإن الزنى له شهوة في نفسه، والديوث له شهوة في زنى غيره، فإذا لم يكن معه إيمان يكره من زوجته ذلك، كيف يكون معه إيمان يمنعه من الزنى؟!
فمن استحل أن يترك امرأته تزني استحل أعظم الزنى، ومن أعان على ذلك فهو كالزاني، ومن أقر عليه مع إمكان تغييره فقد رضيه، ومن تزوج غير تائبة فقد رضي أن تزني؛ إذ لا يمكنه منعها؛ فإن كيدهن عظيم(2).
ويقول تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً {24} وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (النساء).
فقوله: محصنات أي: فانكحوهن والحال أنهن عفيفات عن الزنى؛ فهذا شرط من شروط نكاحهن غير مسافحات؛ أي: غير الزانيات علانية، اللاتي لا يمتنعن من أحد أرادهن بالفاحشة، ولا متخذات أخدان؛ أي: ولا تنكحوا أيضاً الزواني المتسترات اللاتي يتخذن أخلاء وأصدقاء لاقتراف الزنى معهم خفية، فإن الله سبحانه حرم على عبده أن يكون قرناناً ديوثاً زوج بغي، فإن الله تعالى فطر الناس على استقباح ذلك واستهجانه، ولهذا إذا بالغوا في سب الرجل قالوا: زوج قحبة، فحرم الله على المسلم أن يكون كذلك(3).
وفي الحديث النبوي، عن المغيرة قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «تعجبون من غيرة سعد؟ والله لأنا أغير منه، والله أغير مني، من أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن» (رواه البخاري، ومسلم)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وإن غيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه» (رواه البخاري، ومسلم).
أسبابها
توجد بعض الأسباب الدافعة والمؤدية لأن يكون الرجل ديوثاً، منها:
1- نقص الإيمان: وبالرغم من أن الغيرة فطرة للنفس السوية، فإن للإيمان دوراً كبيراً في غرس قيم الغيرة والمروءة والكرامة عند الإنسان عامة، وبقدر ما كان الإيمان قوياً، كانت الغيرة حاضرة.
2- التدخلات الخارجية للعولمة الثقافية التي اقتحمت بيوت المسلمين عبر الفضائيات أولاً، ثم وسائل التواصل الاجتماعي، التي نقلت ثقافة الاختلاط وحضارة العري، وقد استجاب بعض المسلمين لتلك الدعاوى التي ربطوها زيفاً بالتحضر والتقدم والتنوير، وانتقلت أنماط الحياة الغربية إلى فئة كبيرة من بلاد المسلمين فأفسدتها.
3- شخصية الرجل وقوامته تشكل عاملاً كبيراً في انتشار الدياثة، وكلما ضعفت شخصيته ومروءته ودينه واحتواؤه لأهل بيته؛ زاد الاختلاط المقيت وتحول لنفس مشوهة لا تغار أو تشعر.
4- الاختلاط الفاسد في المدارس والجامعات، ثم الاختلاط في العمل بين الرجال والنساء مما أزال المسافات بينهما وصار الحديث عادياً، وتناول الطعام معاً أصبح أمراً عادياً كذلك من منطلق الزمالة البريئة، والأب والأخ والزوج يعلمون، لكن فطرهم تلوثت بفعل الانغماس في وسائل العولمة فانبطحوا ورضوا بالأمر الواقع.
صورها
تتعددي صور الدياثة في المجتمع المسلم، ويقع فيها الكثيرون وهم يظنون أنهم يحسنون صنعاً، ومنها:
1- الاختلاط الماجن في البيوت بين الإخوة وزوجاتهم بحجة القرابة والأخوة والمودة بين الإخوان بعضهم بعضاً.
2- الاختلاط في المدارس بحجة عدم وجود مدارس فتيات مستقلة أو العكس.
3- الاختلاط في الأعراس وما يحدث فيها أفعال مخجلة ولا تليق بالمسلم أو المسلمة.
4- التساهل مع الفتاة والترخص من ولي أمرها في الملابس بحجة أنها صغيرة، في حين أن من شب على شيء شاب عليه، وحين تشب الفتاة يكون من الصعب إجبارها على ارتداء الحجاب الذي لم تتعود عليه.
وسائل تجنبها
1- معرفة أن الدياثة كبيرة من الكبائر.
2- الدعاء والاستعانة بالله عز وجل في تطهير القلب والسلوك وغرس المروءة والكرامة في قلب المسلم.
3- معرفة أهمية الغيرة في الإسلام وفضل الرجل الغيور.
4- مصاحبة الأخيار والصالحين وأصحاب الخلق الرفيع والحياء الطيب.
5- معرفة سير الصالحين ومذاكرة أخلاقهم وسلوكياتهم، قال ابن حزم: يجب أن تؤرخ الفضائل والرذائل؛ لينفر سامعها عن القبيح المأثور عن غيره، ويرغب في الحسن المنقول عمن تقدمه، ويتعظ بما سلف(4).
6- منع الاختلاط في محيط الأسرة فوراً وبغير رجعة، من حيث الزيارات المختلطة وحضور الحفلات، كذلك ضبط ملابس الفتيات وإجبارهن على ارتداء الحجاب، مع تعليمهن أمور دينهن وذلك هو الأهم على الإطلاق.
وإن من الأحكام والآداب الخاصة بالنساء ما شرع لسد ذريعة الفساد، وحفظ شرف المرأة وكرامتها من تعدي سفهاء الرجال عليها، ومحاولتهم إفسادها، كدأب الفاسقين في كل زمان؛ فقلما يوجد امرأة خبيثة في العالم إلا وقد كان المفسد لها رجلاً خبيثاً أو امرأة أفسدها الرجال من قبل، وصارت تتقرب إليهم بإفساد أمثالها، إلا الفساد الأكبر الذي اتخذ صناعة وتجارة يشترك فيها الخبيثون والخبيثات لأجل جمع المال لا لأجل الخبث نفسه(5).
7- قيام الرجال بواجباتهم تجاه أهليهم، واستشعار المسؤولية عنهم؛ قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً) (التحريم: 6).
_________________________
(1) تهذيب الأسماء واللغات للنووي (3/ 107).
(2) محاسن التأويل (7/ 324).
(3) المرجع السابق.
(4) رسائل ابن حزم (1/ 384).
(5) حقوق الناس في الإسلام لمحمد رشيد رضا.