جاء تكريم صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه، من الأمم المتحدة لا ليمثل اعترافاً بحيوية ومركزية دور دولة الكويت في العمل الإنساني، بل تجاوز ذلك ليرسم صورة عالمية للكويت في مجال قدراتها المتفردة في صناعة الخير وقوة الت
فهد زيد المطيري
مدير إدارة لجان الزكاة في نماء للزكاة والخيرات – جمعية الإصلاح الاجتماعي
جاء تكريم صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه، من الأمم المتحدة لا ليمثل اعترافاً بحيوية ومركزية دور دولة الكويت في العمل الإنساني، بل تجاوز ذلك ليرسم صورة عالمية للكويت في مجال قدراتها المتفردة في صناعة الخير وقوة التأثير المتزايدة لدولة الكويت في المجال المحلي والإقليمي والعالمي.
هذه السمعة الطيبة عبر عنها صاحب السمو الأمير في خطابه السامي الذي ألقاه في الأمم المتحدة في حفل تكريمه قائداً للعمل الإنساني قائلاً: “إن أعمال البر والإحسان قيم متأصلة في نفوس الشعب الكويتي، تناقلها الأبناء والأحفاد، بما عرف عنه من مسارعة في إغاثة المنكوب وإعانة المحتاج ومد يد العون والمساعدة لكل محتاج، حتى عندما كان يعاني في الماضي من شظف العيش وصعوبة الحياة، ولا تزال وستظل أعماله الخيرة ومبادراته الإنسانية سمة بارزة في سجله المشرف”.
فالعمل الخيري ليس مجرد تعبير عن وفرة الثروة المادية، ولا هي مبادرات شخصية من رجال ورموز تحب الخير، بل هي صناعة إنسانية تفوق بها المواطن الكويتي وتميز بها من خلال العمل المؤسسي والرسالة الحضارية التي تعبر عن هوية هذا الشعب المحب للخير.
إن هذا التكريم جاء تتويجاً لعمل طويل ومستمر على المستويين الحكومي والشعبي، وإن الواجب الديني والوطني يحتم على الجميع العمل للحفاظ على هذه الصناعة الوطنية الحضارية؛ وهي صناعة الخير، من خلال العديد من الوسائل التي نذكر في هذه العجالة عشارية الوسائل التي تحفظ لنا العمل الخيري.
1- التكامل: بين الجهود الرسمية والشعبية، حيث تتكامل الجهود الرسمية والتي يأتي على رأسها المبادرات الخيرية والإنسانية السامية لصاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه أمير دولة الكويت، ومؤسسات دولة الكويت الرسمية كالصندوق الكويتي للتنمية، والجهود الشعبية المتمثلة في المؤسسات الخيرية العريقة التي شملت أعمالها القارات الخمس، منطلقة من العمل الخيري داخل دولة الكويت، ومبادرة لمد يد العون لكل إنسان محتاج.
2- العمل المؤسسي: فالعمل الخيري تجاوز منذ زمن الاجتهادات الفردية المبنية على مبادرات الأفراد، رغم حفظنا لجميل الرواد من شخصيات أهل الخير في دولة الكويت في تأسيس العمل الخيري، حيث هذه العالمية في التكريم تفرض المؤسسية في العمل ما يواكبها من رؤية ورسالة وخطة واقعية وإدارة متطورة وكوادر بشرية مؤهلة.
3- التزام الضوابط الشرعية: الضوابط الشرعية لا تنحصر في الحلال والحرام والجواز من عدمه، بل هي رؤية تسهم في تقديم فلسفة حضارية متكاملة للعمل الإنساني شاملة الموارد والمصارف ومحددة للأنصبة الشرعية وآداب العمل الخيري، وتحديد العلاقة بين المتاح والمستفيد، ومنسجمة مع قيم الإصلاح الاجتماعي ودور الصدقة في تحقيق التكاتف الاجتماعي، مما يمثل دستوراً أخلاقياً وقيمياً للعمل الخيري الإنساني الذي يرتفع فوق ألوان البشر وأعراقهم وأجناسهم وصولاً لتحقيق الكرامة الإنسانية.
4- معادلة التوازن: بين العمل الخيري داخل دولة الكويت وخارجها، حيث تتخصص لجان خيرية في المهمة الأولى داخل دولة الكويت، وتنسق بشكل مستمر مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل؛ حيث العشرات من الجاليات العربية والمسلمة والوافدة والتي لا تعدم يد المساعدة حينما تحتاجها، وخاصة أنها تعيش على أرض الخير وبين أهلها، كما تتخصص لجان خيرية في المهمة الثانية بالعمل خارج دولة الكويت، وتنسق مع الدولة ممثلة في وزارة الخارجية، وصولاً لرفع اسم دولة الكويت عالياً وتحقيق سمعة طيبة بين شعوب العالم، وهذا التخصص في جمعية الإصلاح الاجتماعي يجعل اسم دولة الكويت يطير عالياً في سماء العمل الخيري بجناحين؛ الأول نماء للزكاة والخيرات داخل دولة الكويت، والثاني الرحمة العالمية خارج دولة الكويت.
5- النقد البنَّاء: الذي يساعد على علاج الأخطاء وينبه لأوجه القصور، منطلقاً من نوايا تحتسب أجر الإصلاح وابتغاء الثواب، فالعمل الخيري رغم أهدافه الإنسانية السامية في النهاية عمل بشري قابل للصواب والخطأ، فالنصيحة المخلصة والنقد الهادف من أسس تقويم المسيرة وتطويرها وتعزيزها، وهناك الكثير من الأفكار المبدعة والوسائل المتجددة في العمل الخيري انطلقت من ملاحظة مخلصة أو نصيحة متجردة.
6- التعاون والتنسيق: بين الدولة ممثلة في وزاراتها المعنية بالعمل الخيري كوزارتي الشؤون الاجتماعية والعمل، ووزارة الخارجية؛ لتحقيق الأهداف المشتركة والتنسيق في توزيع خريطة المساعدات والمشاريع الإنسانية؛ منعاً لتكرار الجهود، وتحقيقاً للتنوع المنشود، وسداً لأي ثغرات أو نواقص قد تكون موجودة، وتعزيزاً للخبرات الموجودة، وصولاً لتحقيق أعلى فاعلية ممكنة، وتوجيه الموارد المالية نحو مشاريعها المستحقة؛ لتحقيق أهداف المانح والمتبرع، والقيام بالرسالة الخيرية والإنسانية، لكن وفق السياسات المرعية والضوابط المعتمدة التي تنفي عن العمل الخيري أي شبهات أو ملاحظات تشوه صورته أو تسعى لمحاصرته.
7- التزام اللوائح والقوانين: فما وضعت تلك اللوائح والقوانين والمواثيق إلا لتعزيز العمل الخيري، وتسديد مسيرته المباركة، وتوفير آليات تدقيق ومتابعة تضمن الانضباط وتصحح المسار وتوفر بيانات مالية تفصيلية ترفع عن كاهل العمل الخيري أي اتهامات مرسلة، كما أنها توضح حجم الإنجاز الكبير الذي تحققه تلك المؤسسات الخيرية.
8- الشفافية والوضوح: وهي من المزايا الأساسية التي تحفظ صناعة الخير من أي شكوك حول أداء المؤسسات الخيرية، وهي من قيم العمل الأساسية لدينا في نماء للزكاة والخيرات، فلم يعد من المقبول في عالمنا المفتوح أن تمارس أي لجنة خيرية سياسة الغموض وعدم الوضوح، بل الشفافية من أسس العمل الخيري الذي يحقق نجاحه، ويبعد أي ظنون أو شكوك حوله، فالعمل الخيري من الأعمال التي هي محل اعتزاز الإنسان وتبنى على الثقة، فمثل هذه الثقة لا بد من تعزيزها بمبدأ الشفافية في العمل وخططه وموارده ومصارفه وآلياته وإنجازاته وتقاريره المالية الحولية.
9- الابتعاد عن النقد الهادم: وهو النقد غير المسؤول الذي يقوم على الأوهام، أو تصفية الحسابات الشخصية أو الصراعات السياسية، فيجب أن يبقى العمل الخيري خارج إطار أي صراع بشري، ويجب أن يتسم النقد بالمسؤولية بعيداً عن إلقاء التهم جزافاً أو ترديد الإشاعات دون بينة أو دليل أو برهان، فإضرار العمل الخيري سيصيب الأرملة واليتيم والمريض والعاجز وصاحب قلة الحيلة والمحتاج والفقير والمسكين، فمثل هذه القضايا تحتاج إلى تثبت، فالفرق كبير بين من يخاف على العمل الخيري من الأخطاء والشوائب ويسعى مخلصاً لإصلاحها، وبين من يتصيد أخطاء وهمية لا وجود لها، ويبخل على العمل الخيري بكلمة توجيه حسنة، ويريد من الناس أن يبخلوا كما بخل هو.
10- محاسبة المندسين والمتجاوزين: فهناك من يستغل نوايا الناس وأهل الخير الطيبة والحرص على التبرع والإحسان لتحقيق مآرب ومصالح شخصية لا تمت للعمل الخيري بصلة، فمثل هذا الصنف من الناس يجب أن يبقى مرصوداً تحت المجهر، وأولى الجهات المعنية برصد مثل تلك التجاوزات المؤسسات الخيرية ذاتها؛ لأن من مصلحتها أن تحافظ على ثوب العمل الخيري خالياً من البقع التي تسيء لنظافة سمعته الطيبة والعطرة بين الناس.