تمر تونس هذه الأيام بآخر محطات الانتقال الديمقراطي، انتقال ساهمت حركة النهضة في إنجاحه باختيارها خطابا توافقيا أخرج البلاد من المأزق السياسي الذي وصلت إليه إثر اغتيال النائب بالمجلس التأسيسي محمد البراهمي وأدخلها كما يرى المراقبون في وضع داخلي مضطرب
تمر تونس هذه الأيام بآخر محطات الانتقال الديمقراطي، انتقال ساهمت حركة النهضة في إنجاحه باختيارها خطاباً توافقياً أخرج البلاد من المأزق السياسي الذي وصلت إليه إثر اغتيال النائب بالمجلس التأسيسي محمد البراهمي، وأدخلها – كما يرى المراقبون – في وضع داخلي مضطرب، لعل أبرز مظاهره الأخيرة تمثلت في استقالة حمادي الجبالي، القيادي والأمين العام السابق لحركة النهضة، ورئيس أول حكومة شاركت فيها الحركة.
وحول نتائج الانتخابات الأخيرة في تونس, ومسألة الهوية الفكرية، وعن التصدعات التي تشهدها حركة النهضة بزعامة الأستاذ راشد الغنوشي ورغبته في ترك زعامة الحركة, كان هذا الحوار مع الأستاذ لطفي زيتون، المستشار السياسي لرئيس حركة النهضة، عضو مكتبها السياسي وعضو مجلس شورى الحركة:
كيف تقرؤون نتائج الانتخابات التشريعية التي أفرزت تقدم حزب نداء تونس ومنحتكم المرتبة الثانية؟
– المشهد السياسي الذي أفرزته الانتخابات التشريعية الأخيرة يتضمن إيجابيات وسلبيات.
أما السلبية الرئيسة فتتمحور حول انصراف أغلبية التونسيين عن المشاركة في العملية الانتخابية؛ إذ امتنع ما يقارب ٣ ملايين تونسي عن التسجيل في سجل الانتخابات، بينما عزف مليونان آخران عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع رغم أنهم مسجلون، وفي هذا رسالة ذات دلالة سلبية جداً، فنحن إزاء أغلبية صامتة لم تتحمس للانخراط في العملية السياسية عبر الانتخاب.
وبالنسبة للإيجابيات، فإن هذه الانتخابات لم تفرز كتلة برلمانية ذات أغلبية مسيطرة، بل وزعت الحضور السياسي على عدة كتل وبنسب متفاوتة؛ وهو ما يمنع عملية الارتداد الديمقراطي على المكتسبات السياسية للثورة، ويقصد به هنا تعديل الدستور أو نقض القوانين الأساسية والهيئات الدستورية التي يحتاج تمريرها موافقة الثلثين من أعضاء البرلمان. وعلاوة على ذلك، توضح لنا هذه التركيبة أن الشعب التونسي انتصر لمنظومة الحكم التوافقي؛ لأن الملفات الثقيلة المطروحة على الطاولة تحتاج إلى أن تكون منظومة الحكم ذات قاعدة سياسية وازنة، وهذا الائتلاف أو التشارك كما صورته نتائج الانتخابات محوره القوة الأولى والقوة الثانية في البلاد، ومن حولهما تدور باقي القوى السياسية الراغبة في الانخراط في هذا المسار؛ وعدم الإنصات لهذه الرسالة سيفرز في تقديري حكومة “عرجاء” هشة غير قادرة على معالجة كم المشكلات التي تنتظرها.
استقالة الغنوشي
مسألة القيادة والزعامة لحركة النهضة ذات ثقل وأهمّية كبرى, والرّئيس الحالي لحركتكم الشّيخ راشد الغنّوشي سبق وعبّر عن رغبته في إتمام مدة ولايته الحاليّة ومغادرة منصبه من أجل التّفرّغ للبحث والفكر, فمن المرشّحون لخلافته؟ وهل ستُؤثّر مغادرته على تماسك حزبكم؟
– بداية, فإن حياة الحركات والجماعات الكبيرة لا تتوقّف على الأشخاص، ولكن هناك شخصيات استثنائية تؤدي دوراً رئيساً في مراحل من حياة هذه الجماعات, والشيخ راشد الغنوشي ينتمي لهذا النّوع من الشخصيات, والآن ليست حركة النّهضة وحدها من يمر بمرحلة تحتاج لمثل هذا الشخص، وإنما البلاد نفسها تمر بمنعطف حسّاس تحتاج فيه مثل هذه الشخصيّات الكاريزميّة ذات التّاريخ والمستوى العالي من التجرد والحكمة، ويتمتع الشيخ راشد الغنوشي بهذه الخصال, وبالطبع لست هنا بصدد الإطراء، لكن هذا الشخص قبل أن يعود من منفاه بعد أكثر من 20 عاماً في الغربة وقد انتصرت نظريّته في التغيير، التزم ألا يدخل في أيّ صراع حول المناصب السياسية أو مناصب النّفوذ في الدّولة, ويعتبر هذا التزاماً غير عادي في حياة الزعماء والمناضلين السياسيين وهو التزام لا يقدر عليه أي شخص، وهذا المستوى من التجرد يؤهّل الرّجل لممارسة أدوار متقدّمة في هذه المرحلة.
أما بالنسبة لحركة النّهضة, فقد مرّت بمحنة شديدة خلال الثلاثين عاماً الماضية, وهي محنة تسبّبت, ضمن جملة ما تسببت فيه, في تقسيم الحركة إلى فئات مسارها السياسي والحياتي والتكويني مختلف فيما بينها كلّ الاختلاف, فمجموعة في السجون ومجموعة أخرى خارج السجون علاوة على من جرى نفيهم في أكثر من 40 دولة, كل هذا إضافة إلى التنوع التاريخي الذي كان موجوداً في الحركة على مر تاريخها سواء على مستوى الرؤية السياسية والأيديولوجية أو في تنوع الاهتمامات باعتبارها حركة شاملة دعوية سياسية تربوية ثقافية اجتماعيّة.
وكل هذه الفئات ومع عمق التباين بينها وشدّة تنوّعها على مستوى الرؤية أو الاهتمامات تحتاج شخصاً يجسّد تنوّعها وتلتقي عنده، لاسيما وأن عمليّة الانصهار بين هذه المكونات لم تكتمل بعد، ومازال أمامها طريق طويل, ولذلك أقدّر بأنّ انسحاب هذا الرّجل الآن سيتسبّب في تفكّك هذه الحركة وهذا رأيي الشّخصي طبعاً.
ومن المنصف أن نقول: إن عمليّة الانصهار هذه يؤمنها مجموعة من الشخصيات الوازنة في الحركة، لكن يبقى الشيخ راشد الغنوشي هو الشخصيّة الرئيسة؛ ولذلك تجدد الثّقة فيه في كلّ مؤتمر رغم أنّه يطلب الإعفاء من هذا المنصب.
صحيح أن القانون الدّاخلي للحركة يمنع شغل هذا المنصب لأكثر من دورتين ولكن أعتقد بأن هذا التحديد أتى كاستجابة غير واعية لضغط ليس في محلّه، وبالرّجوع لتجارب الأحزاب العريقة نجد أن الرّئيس يبقى لفترات طويلة؛ لأن رئاسة الأحزاب ليست كرئاسة الدّول، ومحاولة المقاربة بين الاثنين أساسها غير سليم، وعلى كلٍّ؛ المؤتمر القادم سيّد نفسه، وموقفي الشّخصي أن الحركة مازالت تحتاج هذا الرّجل وما يقدّمه لحزبه وللبلاد.
هناك من يقول: إنه يجب على حركة النّهضة أن تتجاوز انتماءها لما يُسمّى بتيّار الإسلام السياسي حتّى تحقق المزيد من الانفتاح على الشّعب التّونسي، وما بين من يدفع نحو هويّة المحافظين، ومن ينادي بالتّونسة، هل تشهد حركة النّهضة أزمة هويّة؟
– بالطبع، إن وقوع ثورة في بلادنا وتغيّر شكل الدّولة هذا التغيير الجذري وتبدل المشهد السياسي بينما تبقى حركات جامدة صامدة على أسس قديمة يعد هذا وضعاً شاذاً.
ولكن في الوقت نفسه، أن نطلب من هذه الحركة التي بنيت على التنوع وعلى الشمول والتي لم يكن الدافع السياسي هو الدافع الرئيس للانتماء لها, أن نطلب منها التحول إلى حزب سياسي يجتمع كل أفراده على برنامج معيّن فهذا مطلب صعب المنال، بيد أن تراكمات التجربة والنضال وما أنتجته من طيف واسع من القيادات السياسية, فإنها تكون مؤهّلة لأن تنتج مجتمعاً سياسياً.
ففي هذه الحركة تجد السياسي الذي يميل إلى اليسار والسياسي الوسطي واليمين الاجتماعي وحتى اليمين المتطرّف، إذن نحن نتحدّث عن ولادة وإنتاج طيف أو مجتمع سياسي وليس إنشاء هويّة سياسيّة مختزلة.
إذن يبقى السّؤال: كيف ستتم عمليّة التحول والولادة هذه؟ قد تنطلق عبر منتديات تجمع أبناء الحركة أو أن تصبح المؤتمرات مجالاً للتنافس بين البرامج السياسية، ويجري اختيار القيادة وفقها، وكل هذه الأشكال ممكنة.. وعموماً، فإن الحركة السياسية في البلاد كلّها في حالة تشكّل، وصارت الثّورة في مستوى الشّارع وستعقبها ثورة في داخل النخبة السياسية.
وتجديد المشهد السياسي في تونس بلّغنا رسالة من الشّعب التّونسي مفادها أنّه يجب أن نتجدّد، لكن أقدّر بأن الخروج من هويّة الإسلام السياسي وولادة هويّة جديدة للحركة يحتاج مزيداً من الجهد والوقت.
العلاقة مع الإخوان
وبالحديث عن موضوع الهويّة.. ما علاقة حركة النّهضة بالتيار الإخواني أو بالإخوان المسلمين؟
– حركة النّهضة في نشأتها عندما كانت تسمى الجماعة الإسلامية كانت جزءاً من التيّار الفكري للإخوان المسلمين, وكُلّما توغّلت في الواقع التّونسي أكثر تشكّلت لها شخصيّة مستقلّة, خاصّة بعد المشاركة في الحكم، وصحيح أننا نعتبر أنفسنا حركة تونسيّة ذات مرجعيّة إسلاميّة, لكن حتى المرجعيّة الإسلاميّة أو الفكريّة لم تعد مرجعيّة إخوانيّة، وأصبح الجزء الغالب على هذه المرجعيّة ما نسمّيه بالفكر الإسلامي التّونسي، ككتابات الشيخ بن عاشور، وأيضاً الكتابات المغاربيّة، فالرّحلة الفكريّة لحركة النّهضة تجاوزت بأشواط الرحلة السياسيّة، وهذا جليّ في كتابات وخطابات مفكّريها وقياداتها.
وهناك تمايز واضح بين السمت الإخواني والسلوك السياسي والنمط الفكري لحركة النهضة، وعلى المستوى التنظيمي طبعاً لا يوجد أي رابط بين حركة النهضة وجماعة الإخوان المسلمين.
المصالحة
حركة النهضة ترفع منذ أكثر من سنة شعار التوافق والمصالحة الوطنية، لاسيما مع ما يسمى بالنظام القديم، ألم يكن الأجدر بها تبني نهج التوافق والانفتاح والمصالحة مع النظام في بداية التسعينيات، وأن تتجنب المحرقة التي عاشها مناضلوها، وأن توفر على البلاد عقدين من الاستبداد والفساد بحجة مواجهة الإسلاميين؟
– في بداية التّسعينيات, مباشرة إثر انطلاق المحاكمات، دعا الشيخ راشد الغنوشي إلى المصالحة الوطنيّة، كما قام أصدقاء مشتركون بمحاولات للمصالحة بيننا وبين النّظام، لكن الأخير رفضها لأنّه كان عازماً على بناء شرعيّته من خلال ضرب حركة النهضة المنافس الرئيس له، وكان هذا مرتبطاً بأوضاع دوليّة ولم يكن ملفّاً تونسياً صرفاً؛ وبالتالي فغير صحيح أن حركة النّهضة وأصدقاءها لم يبذلوا جهداً من أجل تجنّب الكارثة، ولكن ما حدث أن النّظام بنى شرعيته الدولية على ما أسماه هو مقاومة الإرهاب الإسلامي في بداية التسعينيات قبل أن يصبح هذا الشعار شعاراً دولياً، والدليل على ذلك أن الحركة رغم هول المحنة التي تعرّضت إليها لم يسجّل ضدّها سواء في الدّاخل أو الخارج أي ردّ فعل عنيف خلال العشرين عاماً الماضية، وهذا ليس شأن الحركة السياسية التي تدفع إلى القطيعة.
وعلاوة على ما سبق, فلم يكن هناك أي تشابه بين الظّروف في كلا الحالتين، فقياس الآني بعد أن مكننا الشعب من الحرية والدّيمقراطيّة وأنتجنا دستوراً جديداً وكنا من المساهمين في تشكيل الجمهوريّة الثّانية, على وضع سابق كانت فيه الدّولة مبنيّة على استئصالنا قياس غير سليم.. واليوم الدّولة التونسية هي دولتنا وساهمنا في بناء دستورها بل وسمحنا لهذه الأطراف (النظام القديم) بالمشاركة في الحياة السياسية، رغم أننا كنّا قادرين, نظريّاً على الأقل, على منعهم من المشاركة، فكيف لا نتفاعل معها؟
انشقاقات
كيف استقبلتم استقالة القيادي في حركة النهضة, حمادي الجبالي؟
– عمليّاً, حمّادي الجبالي انفصل عن الحركة شعوريّاً منذ الأزمة التي وقعت في 6 فبراير 2013م عندما استقال من الحكومة.. وإثر الأزمة حدث صدع في العلاقة بينه وبين الحركة، وظلت هناك محاولات من الطرفين لرأب هذا الصدع، ولكن يبدو أنّها لم تنجح، وحمادي الجبالي قال: إنّه استقال من تنظيم حركة النّهضة؛ وبالتالي مازال يعتبر أنّه ضمن عائلة حركة النّهضة الكبيرة, هو شخصيّة ذات تاريخ عريق في النّضال من أجل الحرية والديمقراطيّة والهويّة وقائد من قادة تيّار النهضة.
ولم تشكّل هذه الاستقالة مفاجأة بالنسبة لي على عكس التبرير الذي ساقه فهو شخصيّة إصلاحيّة, ليس في مساره ولا في أدبيّاته ولا في ممارسته كحاكم ما يدلّ أنّه ينحو منحى الثّورة, التبرير المتعلق بالثّوريّة مفاجئ نوعاً ما، ولعلّه يتعلّق بجزء من التّحوّل في فكر الرّجل ناتج عن تقييم سياسي للمرحلة، وهذا ما قد نجزم به من خلال التحاور معه ومتابعة مساره بعد هذه الاستقالة.
أعقب استقالة حمادي الجبالي بيانين للشيخين الصادق شورو، والحبيب اللوز، وردا بلهجة لم نعهدها داخل حركة النهضة, حيث أعربا عن عدم رضاهما عن المنحى السياسي الذي انخرطت فيه قيادة الحركة, ما الذي يحدث داخل حركتكم؟ هل انتهت أسطورة الحزب المنضبط؟
– هذا يندرج ضمن سياق ما تحدّثنا عنه آنفاً من وجود التنوّع السياسي داخل الحركة، وأصبح جليّاً أن المحور الفاصل بين هذين الخطّين داخل الحركة يتعلّق بتأويل الثّورة.
فهناك تأويل يرى أن الثّورة يجب أن تنشغل بتصفية تركة الماضي، ويرى في الماضي حاضراً ويرى الرّدّة ماثلة إذن هو طرح قائم على الثأر والمحاسبة.
بينما التأويل الآخر يعتبر أن الثورة وقعت بين 17 ديسمبر و14 يناير 2011م؛ بمعنى أن الثّورة في الشّارع، وبعدها قد آن الأوان لتحقيق أهداف الثّورة, وبالفعل قد حقّقنا الأهداف السياسية للثورة والمرحلة الحالية هي مرحلة عمل من أجل تحقيق الأهداف الاجتماعيّة وترجمة الثّورة بالنسبة لأصحاب هذا الطّرح هي المحافظة على المكاسب السياسية ومعالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعيّة والنّظر إلى المستقبل، وهذا لا يجري إلا عبر مشاركة كل الكفاءات والطاقات في البلاد.
أما الخطّ المتبنّي للتأويل الأوّل يريد أن يحتكر تأويل الثّورة، ويعتبر كلّ من لا يوافقه في الموقف من النّظام القديم أو من يقدّر بأن النّظام القديم انتهى, يعتبره غير ثوري، في حين أنّني شخصيّاً أعتبره ثورياً عقلانياً.
وهذا إذن أصل الخلاف السياسي الذي شقّ حركة النّهضة, فهنالك طرف سمح لنفسه بالتعبير علناً، وهذا مخالف للأعراف التاريخية في التعبير عن الخلاف، ولعلّه تقليد جديد داخل الحركة.. وهناك طرف آخر أتوقّع أن يبادر هو أيضاً بالتعبير عن رأيه؛ لأننا لسنا في مرحلة التنافر أو الاختلاف الشخصي، وإنّما هو تباين في الرّؤى السياسية.
بل أقول: إنّه من المفيد للحركة أن تخوض مثل هذه النّقاشات علناً؛ لأنّه حينما يكون التّدافع أمام الجمهور تنقص حدّته جدّاً، ولا ضير في أن نرسي تقاليد حزبيّة جديدة كالتي نراها في أحزاب الدّيمقراطيات العريقة التي تكون اختلافاتها السياسية علنيّة، بل وتكون محور مناظرات بين أعضاء الحزب الواحد.
كلمة أخيرة
واختتم زيتون حواره بكلمة وجهها إلى أبناء حركة النهضة وشبابها قائلاً: إن حركتكم تحمل في تراثها قسطاً وافراً من التاريخ الوطني، ومن كسب هذا الشعب في الدفاع عن الهوية والمطالبة بالحريات، وقد تعرضت في سبيل ذلك لأكبر حملة استئصال على مدى تاريخ هذه البلاد الطيبة، بلغت من القسوة والعمق ما تنوء بحمله الجبال، ولكن إخوانكم وأسلافكم صمدوا في السجون وفي السجن الكبير وفي المنافي صمود الأبطال، حتى جاءت حركة الجماهير من خلال ثورة الحرية والكرامة لتوقف هذه المعاناة، ولتدفع بحركتكم إلى تحمل مسؤولية الحكم بما شابها من صعوبات وإكراهات وتعثرات وعجز عن رفع المظالم، ثم في الانتخابات الأخيرة؛ لتحفظ لكم مكانتكم السياسية فاعلاً أساسياً في البلاد، وتدفع بحركتكم في طريق الإصلاح لترتقي إلى مصاف الحزب الوطني المنفتح على أبناء البلاد بمختلف انتماءاتهم، يجمعهم برنامج سياسي وفكري متجذر في قيم الثورة، ويرنو إلى تحقيق أهدافها في العدالة الاجتماعية وفي الاقتصاد الوطني الحر وفي محاربة الفقر والبطالة وفي التنمية العادلة والشاملة.
وأشار إلى أن من هذا المنطلق لم يعد الجزع وارداً على وحدة الحركة، وقد كنا كذلك فيما مضى من سنوات عندما كانت رحى الاستئصال تدور تأكل الأخضر واليابس، وكان الفراغ هو ما يجده الباحث عن وجود ولو رمزي للحركة، وحتى وقتها فقد استعصى الميراث التنظيمي الصلب وشديد المحافظة، رغم ضعفه، على الكسر، فما بالك وقد عادت الحركة أو أغلبها، وإن كان من إنجاز يذكر، والإنجازات عديدة لو نظرنا إلى الواقع كما هو لا كما يصوره الغضب والقلق والحسابات، لقيادة الحركة ولشخص رئيسها خاصة في العشرين عاما الماضية من المحنة، فهو المحافظة على وحدة الحركة في أجواء أشد بمراحل من الأجواء التي تكسرت فيها حركات أخرى في أقطار أخرى بعضها أقدم من النهضة وبعضها أوسع من النهضة.
وأوضح أن القيادة النهضوية تمتعت بمقدار من سعة الصدر وقدرة على إدارة الخلاف والحوار بين مختلف أبنائها، والتزام بخط التوافق التاريخي؛ مكنها من الخروج بسفينة النهضة من السواحل الصخرية التي انجرفت إليها على مدى التسعينيات والعقد الأول من الألفية، لتعود إلى المياه العميقة سالمة إلا من شروخ بسيطة، وكما نجح أبناء النهضة في المهجر وفي السجون في جهد جماعي جبار في المحافظة على الخط الفكري والسياسي الوسط بين دعاة الانبطاح للدكتاتورية ودعاة السلاح.
وأرى أن التطورات التي تمر بها الحركة تتيح لنا استعادة توازننا بالنظر إليها كتجمع تطوعي لخدمة الوطن فتح باب الدخول فيه على مصراعيه لمن اقتنع بأهدافه وخطه السياسي الوفاقي المعتدل، وباب الخروج أيضاً كذلك لمن تغيرت أولوياته أو أهدافه أو اختار اختياراً حراً لطريق آخر ما حافظ على أمانات المجالس وعلى رابطة الأخوة التي تهيمن على غيرها من الروابط.
ولا يعني ذلك أن انفصال أي أخ عن الجسم العام هو مما يبعث السرور في النفس، بل الحركة قيادة وصفاً مطلوب منها أن تبذل الجهد في الحفاظ على أي فرد من أبنائها، والاستماع إلى مشاغلهم وانتقاداتهم، والتفاعل مع المعقول منها مهما بدا شاذاً، دون أن يمس ذلك بمسارها السياسي أو منهج التوافق الأصيل في تركيبتها.