تقرير: فريديريك أوتران
التصريحات المستفزة والتحريضية التي يتعمد الملياردير المنتمي للحزب الجمهوري الإدلاء بها، تغري كل الساخطين على النظام السياسي الأمريكي، وجزءاً من الطبقة الوسطى.
في غضون أسبوع واحد، دعا دونالد ترامب إلى غلق الحدود الأمريكية أمام المسلمين، و”التخلص” من العائلات الجهادية، وخلال الأسبوع الماضي قام بالسخرية من إعاقة جسدية يعاني منها صحفي، وطالب أيضاً بفرض مراقبة أمنية خاصة على المسلمين.
وقد ازدادت قائمة الزلات التي وقع فيها هذا الملياردير الذي يعيش في نيويورك، وأصبحت هفواته لا حصر لها، وباتت ردود الأفعال أيضاً معروفة، فمن جهة تندد الصحافة والمعلقون وعدد من المسؤولين الأمريكيين بالعنصرية والفاشية التي يتصف بها ترامب، ومن جهة أخرى يصفق أنصاره لتصريحاته ويتزايد عددهم يوماً بعد يوم.
ورغم أنها تعرضت للنقد في كافة أنحاء، إلا أن فكرة ترامب بمنع المسلمين مؤقتاً من دخول الأراضي الأمريكية زادت على ما يبدو من شعبيته، ومنحته تقدماً في استطلاعات الرأي على بقية المرشحين المحافظين في السباق على البيت الأبيض.
حيث أشار استطلاع للرأي قامت به صحيفة “الواشنطن بوست” وقناة “إيه بي سي”، إلى أن 59% من الناخبين الجمهوريين يوافقون على هذا الإجراء الذي اقترحه ترامب، وكنتيجة لذلك أصبح ترامب يحظى بدعم 38% من الناخبين الجمهوريين، في ظل تقديرات وردت في دراسة قامت بها جامعة في نيوجرسي، توصل هذه النسبة إلى 41%، وهو ما يمثل رقماً قياسياً، إذ إن هذه النسبة تمثل ثلاثة أضعاف نسبة التأييد التي يحظى بها ملاحقه المباشر تيد كروز (14%).
التكلم بصراحة
في نظر مناصريه، يمثل ترامب الشخص الذي يتكلم بصراحة، بقطع النظر عن لوبيات الضغط والمعايير السياسية التي تكبل خصومه، ولكن من التكلم بصراحة لا يعني دائماً قول الحقيقة، وهو ما ينطبق على ملياردير العقارات ترامب.
آخر مثال على ذلك كان ليلة الإثنين الماضي، خلال لقاء في لاس فيجاس حول هجمات باريس، حيث قال ترامب: بحسب ما سمعت، فإن كثيرين من الأشخاص الآخرين سيموتون لأنهم مصابون بجروح بليغة، وواصل ترامب ادعاءاته الكاذبة، حيث قال في معرض حديثه حول مجزرة مسرح الباتاكلان: لديَّ رخصة لحمل السلاح، ولو كان هناك أشخاص مثلي هناك وكانت لدينا أسلحة للرد على الإرهابيين، لكانوا ماتوا قبل أن ينفذوا عمليتهم.
ويوافق أنصار ترامب، المتأثرون بجرأته الكبيرة، على مواقفه من النخبة السياسية، حيث يقول إدي زيبيرر، أستاذ العلوم السياسية في الكلية العسكرية بجورجيا، في هذا السياق: أولئك الذين يدعمون أشخاصاً من خارج النخبة السياسية من أمثال دونالد ترامب، لم يعد لديهم الثقة في السياسيين المحترفين، وهذا يذكر بما قاله أبراهام لينكولن حول ملل الناس من هؤلاء السياسيين التقليديين الذين يتمسكون بالسلطة.
وبحسب استطلاع للرأي قامت به صحيفة “نيويورك تايمز” وقناة “سي بي سي” الأمريكية، وتم نشره يوم الثلاثاء الماضي، فإن 93% من أنصار ترامب يقولون: إنهم غاضبون وغير راضين عن النظام السياسي في العاصمة واشنطن، وهي نسبة عدم رضا غير موجودة لدى أنصار أي من بقية المرشحين.
ولكن رفض الأمريكيين للنخب السياسية لا يكفي لتفسير الشعبية الجارفة التي تحظى بها “ظاهرة ترامب”، إذ إن هذه الظاهرة تتغذى أيضاً من عوامل أخرى، من بينها حيرة البيض المنتمين للطبقة الوسطى، الذين يعانون من تبعات العولمة، والحنين نحو “أمريكا عظمى”، وافتقادهم لموقعهم المميز في ظل التغير الذي يطرأ على المجتمع الأمريكي الذي أصبح يتميز بالتعدد العرقي، وكل هذه العوامل تأتي أيضاً في سياق دولي يعمق الشعور بانعدام الأمن، وكذلك بحث الأمريكيين عن كبش فداء، مثل المهاجرين غير الشرعيين (الذين يريد ترامب طردهم)، والمسلمين (الذين يريد غلق الحدود الأمريكية أمامهم).
وقد كتب المحلل الأمريكي جون جوديس في صحيفة “ناشيونال ريفيو” التابعة للتيار المحافظ: سيكون خطأً جسيماً الاعتقاد بأن أنصار ترامب منجذبون فقط لشخصيته وكونه من خارج الطبقة السياسية، في الحقيقة، دونالد ترامب يدافع عن جملة من المواقف الأيديولوجية المتناسقة، رغم أن هذه المواقف ليست كلها محافظة أو ديمقراطية.
المنسيون
بحسب جوديس، فإن أنصار ترامب ينتمون لفئة وصفها في أواسط سنوات السبعينيات عالم الاجتماع “دونالد وارن” بأنها الأمريكيون الوسطيون والمتطرفون، بمعنى أنهم ليسوا منتمين إلى اليمين تماماً وليسوا منتمين أيضاً لليسار، هؤلاء المتطرفون ينتمون إلى الطبقة البيضاء المتوسطة التي تشعر أكثر فأكثر بأنها تم التخلي عنها.
وهذه الطبقة تشكو من عدم ارتفاع أجورها منذ بداية الأزمة في عام 2008م، رغم أن الاقتصاد الأمريكي بدأ يستعيد عافيته.
هؤلاء الناخبون الذين ليست لدى أغلبهم شهادات جامعية، ويشتغلون كعمال وموظفين، يشعرون بأنهم عالقون في المنتصف بين من هم في الأعلى ومن هم في الأسفل، ففي الأعلى توجد النخبة المنشغلة بمصالحها الذاتية، وفي الأسفل هنالك الأكثر فقراً الذين ينتمون غالباً إلى الأقليات العرقية، والذين يستفيدون عموماً من الإعانات والدعم الحكومي المخصص للفقراء.
وأنصار ترامب الذين يتبنون موقفاً شديد التطرف من ملف الهجرة، يشعرون بآثار هذه الإعانات والتهرب الضريبي على الوضع المالي والاقتصادي في البلاد، ولهذا فإن رجل الأعمال ترامب يعد بتصعيد اللهجة مع الصين واليابان والمكسيك لكسب معارك تجارية جديدة، كما أنه يقوم بشيطنة الأثرياء وأصحاب الأعمال الذين يتهربون من دفع الضريبة على الدخل، وبنفس هذا المنطق يتعهد بحماية التأمين الاجتماعي والتغطية الصحية، وهي أمور يسعى منافسوه الجمهوريون إلى تقليص نفقاتها.
ترامب الذي لا يمكن تصنيفه سياسياً مع أي جهة، يتملق كل الأمريكيين الذين يشعرون بأنهم منبوذون بأنهم تم التخلي عنهم، ورغم أن تصريحاته العنصرية تجلب له سخط الأغلبية من الأمريكيين، فإنها لا تؤثر على قناعات مناصريه الأوفياء، ومع ذلك فإن هؤلاء لن يكونوا بالعدد الكافي من أجل إيصال دونالد إلى البيت الأبيض، ولكن في الوقت الحالي على الأقل، يمكن لهذا الملياردير بفضلهم أن يواصل تسميم الحملة الانتخابية للحزب الجمهوري بقدر ما يشاء.
الرابط: http://www.liberation.fr/planete/2015/12/16/trop-c-est-trump_1421301