تلخيصاً: السبب المعلن: حكم القانون، الأيديولوجيا وأمان الناتو.
سبب هلع الغرب والاهتمام بتركيا عسكرياً حقيقة فيما أرى: الطاقة وأمان الناتو.
اختصاراً:
1-تاريخياً: مبدأ ترومان، وكلمته في الكونجرس كانت سبباً رئيساً في “إعادة إعمار” تركيا بعد هزيمة الدولة العثمانية. بالأمس قطعت أمريكا الدولة العثمانية وهزمت الأتراك، واليوم نعيد بناءها! وهو الحد الفاصل التاريخي الذي نظر فيه الغرب لتركيا على أنها دولة “عازلة” تؤمن حدود “الغرب” الذي تم تشكيله جديداً بعد الحرب العالمية الثانية. و على ذلك يهتم الغرب اهتماماً عظيماً بالحالة الفكرية لدولة تركيا. لأنها تمثل دولة العزل بين الفكر الاشتراكي في ذلك الوقت و تمدده، و بين الديمقراطية الليبرالية التي تبنتها أمريكا و حاولت أن تبثها في أوروبا بدعم خطة مارشال. و إن انتهى الحال بأوروبا لتبني نظام الاقتصاد المختلط(بسبب ممانعة التجمعات العمالية والنقابات)، مع تبني نفس الأيديولوجيا بأوروبا(الليبرالية الديمقراطية)، ومن ثم الغرب الحديث وبداية الحرب الباردة.
2-إستراتيجياً: تركيا تمثل حائط الصد الدفاعي الأول ضد روسيا أو الشرق عموماً. و مجرد عبث الأمريكان بجورجيا (جارة تركيا) بهندسة ثورة ملونة أمريكية الصنع( سلمية ك 25 يناير) أدت لاحتلال جورجيا مباشرة من قبل روسيا 2008م. القاعدة التي تم تعطيل الكهرباء عنها بتركيا وقت الانقلاب 2016م، بها 50 رأس نووي أمريكي، و منظومة دفاع صاروخي من تلك القاعدة الجوية التي قطعت عنها الكهرباء! يعني أنه كان هناك وقت مثلت تركيا (الدولة العازلة) تهديداً مباشراً على أمن دول الناتو كله بسبب تعطيل الأنظمة الدفاعية و الهجومية ضد روسيا… أو غيرها. حاول أن تتفكر ولو لحظة في تبعات ذلك.
3-اقتصادياً: أوروبا مهددة أغلب الوقت بسبب اعتماد وسط أوروبا على الأخص على الطاقة الروسية. لذلك مع كل مناوشات #روسيا مع الغرب لا تتم حرب مباشرة بين الطرفين. الحل؟ تركيا. تركيا تعمل ك “كوريدور” (طرقة) للطاقة الإيرانية والأذرباجانية، والعراق المحتلة… تركيا تمثل البوابة الجديدة و”صمام” الرحمة من ضغط الروس (اعتبرها حنفية زيادة).
تركيا دولة مهمة جداً حتى “تتنفس” أوروبا و تحيا بطاقة العراق المحتل أو أي طاقة من تفاهمات أخرى… لأنها “الطرقة” التي تعبر منها الطاقة. في 17 مايو 2016م احتفلت #تركيا و #اليونان بافتتاح ال “تاب” خط الغاز العابر من أذربيجان لليونان، و يضخ فيه الغاز المسال بداية من 2018-2020م لكل أوروبا من طرق “الشرق” المختلفة. تركيا تملك تلك الأهمية بالنسبة لأوروبا الآن. وتمثل بالتبعية ورقة ضغط على روسيا بتواجد ذلك “الكوريدور” للطاقة. (راجع المصادر للتفصيل+الخريطة).
بفهم الثلاثة أمور السابقة: أثر الجغرافيا على الأهمية الاقتصادية(الطاقة) والأيديولوجيا والأهمية العسكرية… تفصيلاً، أو حتى بشكل مبسط، نعرف أن الأتراك فيما بعد الحرب العالمية أجادو اللعب على “الحبل” بين أوروبا(ممثل الغرب الجائع للطاقة) وأمريكا (كابتن الناتو وحافظ السلام العالمي الجديد) و بين روسيا.. بين الشرق و الغرب. هذا هو قدرهم دائماً. ثم مع صعود الأيديولوجيا “الإسلامية” (ما بين ألف قوس) يصبح المفهوم التاريخي لمبدأ ترومان والديمقراطية الليبرالية تحت التهديد المباشر.، لكن أوروبا التي تكره ذلك، لا تريد أن تغلق باب الطاقة الخلفي بعيداً عن روسيا. فلا أوروبا قادرة على ضم تركيا بسبب الأيديولوجيا ولا قادرة على تركها تذهب لحال سبيلها لروسيا. على الجانب الآخر علاقة الروس بالأتراك تحمل الكثير من التاريخ المتقلب.
سبعة حروب طاحنة بين روسيا والدولة العثمانية، لم تنتصر الدولة العثمانية غير باثنين منهما. ودمرت الدولة العثمانية بمساعدة الروس في الحرب العالمية الأولى في أخر فصول تلك الحرب، ولكن مع قيام الثورة الروسية 1917م تغير الأمر وبدأت محاولات الروس التقارب مع الأتراك كيداً في الأمريكان… وصولاً لمبدأ ترومان من بعد الحرب العالمية الثانية، و قلب الطاولة على روسيا. تاريخياً، روسيا أيضاً دولة كلما هدمتها حرب قامت بسبب الموارد. في كل مراحل التاريخ، كانت تنهض مجدد بسبب تلك الموارد الطبيعية، هكذا ببساطة. بفهم ذلك، نفهم أيضاً تهديدات “كيري” إن صدقت عن توقيف عضوية تركيا في الناتو بأنها ليست في محلها قطعاً، ولو كانت فهي لمجرد الضغط على الأتراك في ملفات أخرى لا نعلمها. و إن صدرت فعلاً… و كان التهديد حقيقياً، فيعني ضمنا أن تركيا سترتمي كما هو الحال تاريخياً في كفة روسيا. يعني ضمنا يصبح “صنبور” الطاقة الأوروبي كله في يد روسيا والأتراك، وهو أهم ما في القصة هنا، ثم يتم تهديد مصالح أمريكا الاستراتيجية عسكرياً و أيديولوجياً. ولا جدال تبدأ مباشرة الحرب العالمية الثالثة، وإلا تبدأ روسيا و تركيا في خنق أوروبا أو فرض رؤيتهم عليها. الحرب تصبح على مرأى العين للجميع. على ذلك، يمكن القطع أن عملية قطع الكهرباء عن قاعدة الناتو الجوية بتركيا سيكون له تبعاته. ولكن يلزم الفهم أن التحجج بدولة القانون من الغرب، و مخاوف تبدل الأيديولويجا و هيستيريا الغرب… لها أصولها التاريخية، وأسبابها الاقتصادية والعسكرية قبل أي شيء آخر. كل الأمور الأخرى بما فيها قضية اللاجئين… هي أمور هامشية. محل النظر الأساسي لأي مهتم واعي يجب أن يكون: الطاقة و أمان الناتو عسكريا. الحديث أعلاه، الهدف منه وضوحاً، هو أن أي تركيز على حديث ثائر بخلاف ملفي الطاقة و الجيش (أمن الناتو) من قبل الغرب، لا يستحق الأولوية التي يظهر عليها. اللهم إلا توجيهه لعوام الناس للتأثير عليهم بأمور هامشية. كذلك نفهم أن إرهاصات القوائم الجاهزة لاعتقال داعمي جولن، أو عبث الطيب أردوغان بالدستور أو شكل الدولة، وكل النزاعات سواءً في الحزب الحاكم نفسه، أومع المعارضة، أو مع الانقلابيين… يجب أن تلتزم في النهاية بالإطار الأكبر للعبة: حفظ طاقة أوروبا، وأمان الناتو عسكرياً. و أخيراً، تخيل أنه كان هناك وقت، يملك أحدهم في تلك القاعدة العسكرية الجوية بتركيا: 50 رأساً نووياً أمريكية، ولو كان التحكم فيها بيد أمريكا… وربما بيده… وأصبحت فجأة قوى انقلابية، سواءً كان هناك نية-مقدرة على استخدام هذه الرؤوس النووية من عدمه، ثم تم قطع الكهرباء و توقفت نظم الدفاع الصاروخية كلها لفترة… ثم حاصر تلك الوحدة قوات الجيش التركي مباشرة… ووقعت بأكملها في يد أي فريق من الطرفين. أي تهديد يمثله ذلك للناتو؟ يمثله لسكان إسطنبول كلها؟ سكان الكوكب الأرضي الذي نحيا فيه… أمانك أنت شخصياً! تخيلت؟!
المصدر : صفحة الكاتب على موقع فيس بوك