لا حديث للناس في الإجازة الصيفية إلا عن الحر، كيف يواجهونه، ويتغلبون عليه؟
“الحر” له معنا موعد لن نخلفه نحن ولا هو، يطاردنا ويلاحقنا في كل مكان، في البيت، وأماكن العمل، والمنتزهات، إن كان بقي لها مكان في جداول الناس.
وللناس طرقهم في الهرب من “الحر”.. منهم من يرحل إلى أوروبا، أو ييمم وجه شرقاً لآسيا، ومنهم من يرحل إلى مصايفنا في أبها والطائف وما بينهما، ومنهم من يكتفي بالتأفف منه، ومنهم من يقيم في بيته على مضض، “فهفيف” مكيفه في وقت اشتداد الحر، خير له من مصايف الدنيا.
ومحاولة الهروب من الصيف تفتح باباً جديداً من الاستهلاك، فالهرب من الحر يتطلب أن تكون جيوبك “ملأى” بالدراهم، وأسوأ الناس من يقترض كل سنة الآلاف ليهرب من “الصيف”!
الحر مدرسة تعلمنا الصبر، والتكيف مع أوضاعنا، فالمؤمن إن أصابته سراء شكر، وإن أصابته ضراء صبر.. ونتذكر النعم التي نعيشها، فالحر الذي لا طاقة لنا به، كيف يقاسيه “المشردون” واللاجئون، حينما لا يجدون شيئاً يظلهم؟ وكيف كان آباؤنا يقاسون لهيبه ويتجرعون مراراته، بينما نحن آمنون، ووسائل التكييف لدينا، ونتضجر، ولا نطيق له صبراً؟!
الحر يذكرنا بمشهد يوم القيامة عندما تقترب الشمس من رؤوس الخلائق، ويكون العرق منهم على قدر أعمالهم، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه ومنهم من يُلجمه العرق.. ويذكرنا الحر بهول جهنم – أعاذنا الله وإياكم منها- فقد قال عليه الصلاة والسلام: “اشتكت النار إلى ربها، فقالت: رب أكل بعضي بَعضًا، فأذن لها بنفسين؛ نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فأشد ما تجدون من الحر، وأشد ما تجدون من الزمهرير”.
وفي برامج تطوير الذات، لا بد من النظرة الإيجابية لما حولنا، وهل هناك إيجابية في “الحر”؟
يقول الأديب أحمد أمين – رحمه الله – في كتابه “فيض الخاطر”: خطرت لي مَحْمدة جليلة للحر، والبرد، وقلت: إن هذه المحمدة تفوق كل ما كان للحر والبرد من سوء، ولولاها ما تقدمت الإنسانية، ولظل الإنسان هائمًا على وجهه كالوحوش؛ ذلك أن الشمس بنارها اللافحة، والحر بشدته اللاذعة، والبرد بحدته القاسية، وأمطاره المنهمرة، وببَرده وثلوجه، والطبيعة العنيفة بعواصفها ورياحها، كل ذلك هو الذي ألجأ الإنسان قديمًا إلى أن يبحث له عن ملجأ يأوي إليه من الحر والبرد، فسكن الكهوف في نشأته الأولى، وظل يرتقي في ضروب من الارتقاء حتى أسس البيت، وأسس الأسرة، وكونت الأسر القبائل والمدن، وكونت هذه القبائل الأمم؛ ثم تعاونت الأمم على ترقية النوع الإنساني، فلولا الحر والبرد ما أظن أن قد كان بيت، ولولا البيت ما كانت الأسرة، ولولا الأسر ما كانت أمم، أليس الحر والبرد إذًا كان أفعل في ترقية النوع الإنساني من كل مظاهر الحياة وظواهر الكون؟