ما موقف الإسلام مما يسمى “عيد الأم”، الذي يحتفل به البعض في العالم العربي يوم 21 مارس من كل عام، وحول ما إذا كان الاحتفال بهذا اليوم حراماً؟
جواب فضيلة الشيخ د. يوسف القرضاوي:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
لا أقول: إن إقامة عيد للأم حرام، فإن التحريم لا يقدم عليه عالم إلا بنص، والأصل في الأشياء والعادات الإباحة، وإن كنت لا أجد حاجة لمثل هذا الأمر في مجتمعاتنا.
وإذا كان لا بد من الاحتفال فلنسمه “يوم الأم” بدل “عيد الأم”؛ لأن فكرة العيد عندنا مرتبطة بالدين، ولا نود أن يكون لنا عيد غير عيد الفطر، الذي نحتفل فيه بإتمام الصيام لشهر رمضان، وعيد الأضحى، الذي نشارك فيه حجاج بيت الله الحرام في يوم حجهم الأكبر.
وأدعو الناس أن يحرصوا في مثل هذا اليوم على ألا ينسوا مشاعر الأبناء والبنات الذين فقدوا أمهاتهم؛ فيصبح هذا اليوم يوم حزن ونكد عليهم، كما أدعو إلى مراعاة مشاعر الأولاد الذين انفصلوا عن أمهاتهم بسبب الطلاق، فحرموا من عطف الأمهات، واستبدلوا بهن زوجات الآباء اللاتي كثيراً ما يعاملنهم بالقسوة والجفاء.
وأود أن ألفت إلى أن التاريخ لا يعرف ديناً ولا نظاماً كرم المرأة باعتبارها أمّاً وأعلى من مكانتها مثل الإسلام، الذي أكد الوصية بالأم وجعلها تالية للوصية بتوحيد الله وعبادته، وجعل برها من أصول الفضائل، كما جعل حقها أوكد من حق الأب؛ لما تحملته من مشاق الحمل والوضع والإرضاع والتربية.
قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (لقمان:14)، {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً} (الأحقاف:15).
وقرر النبي صلى الله عليه وسلم فضل الأمهات عندما جاء رجل يسأله: من أحق الناس بصحابتي؟ قال: “أمك”، قال: ثم من؟ قال: “أمك”، قال: ثم من؟ قال: “أمك”، قال: ثم من؟ قال: “أبوك” (متفق عليه)، وروى البزار أن رجلاً كان بالطواف حاملاً أمه يطوف بها، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم: هل أديت حقها؟ قال: “لا، ولا بزفرة واحدة”! (رواه الطبراني)؛ أي من زفرات الطلق والوضع ونحوها.
وبر الأم في الإسلام يعني إحسان عشرتها وتوقيرها وخفض الجناح لها، وطاعتها في غير المعصية، والتماس رضاها في كل أمر، حتى الجهاد إذا كان فرض كفاية لا يجوز إلا بإذنها، فإن برها ضرب من الجهاد، وقد كانت بعض الشرائع تهمل قرابة الأم، ولا تجعل لها اعتباراً، فجاء الإسلام يوصي بالأخوال والخالات، كما أوصى بالأعمام والعمات، روي أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أذنبت، فهل لي من توبة؟ فقال: “هل لك من أم؟”، قال: لا، قال: “فهل لك من خالة؟”، قال: نعم، قال: “فبرها” (رواه أحمد والترمذي وابن حبان والحاكم والبيهقي).
ومن عجيب ما جاء به الإسلام أنه أمر ببر الأم وإن كانت مشركة، فقد سألت أسماء بنت أبي بكر النبي صلى الله عليه وسلم عن صلة أمها المشركة، وكانت قدمت عليها، فقال لها: “نعم، صلي أمك” (متفق عليه)، ومن رعاية الإسلام للأمومة وحقها وعواطفها أنه جعل الأم المطلقة أحق بحضانة أولادها وأولى بهم من الأب.
والأم التي اعتنى بها الإسلام كل هذه العناية، وقرّر لها كل هذه الحقوق، عليها واجب أن تحسن تربية أبنائها فتغرس فيهم الفضائل، وتبغضهم في الرذائل، وتعودهم طاعة الله، وتشجعهم على نصرة الحق، ولا تثبطهم عن الجهاد استجابة لعاطفة الأمومة في صدرها، بل تغلب نداء الحق على نداء العاطفة.
وقد رأينا أمّاً مؤمنة كالخنساء قبل معركة القادسية تحرض بنيها الأربعة وتوصيهم بالإقدام والثبات في كلمات بليغة رائعة، وما أن انتهت المعركة حتى نُعوا إليها جميعاً، فما ولولت ولا صاحت، بل قالت في رضا ويقين: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم في سبيله!
إن الغرب جعل للأم يوماً في السنة، سموه “عيد الأم”؛ لأن عادة الغربيين بعد أن يبلغ الابن أو البنت أن يذهب كل واحد إلى حال سبيله، ولا يعرف الأسرة ولا يتصل بالأب ولا يتصل بالأم، بل كل منهم مهموم بأمر نفسه، الابن يبحث له عن صديقة (جيرل فرند) والبنت تبحث عن صديق (بوي فرند)، ولا يذكر ذلك الحضن الذي نشأ في ظله وما له من حق عليهما.
بر الوالدين فضيلة لا وجود لها في المجتمع الغربي، ونحن لسنا هكذا، الابن عندنا مرتبط بأسرته والابنة مرتبطة بأسرتها وكل أيام أمهاتنا أعياد وليس يوماً في السنة، بخلاف الحال عندهم حيث لا يرى الآباء والأمهات أولادهم ولا أولادهم يرونهم، فكان لا بد من تخصيص يوم للأب ويوم للأم في كل عام، فما حاجتنا لهذا؟ لماذا نقلدهم تقليداً أعمى؟
إن كان لا بد أن نحتفل بعيد الأم؛ فلنحتفل بها في عيد الفطر وعيد الأضحى، فلو كان أحدنا غائباً عن أمه فعليه أن يزورها يوم عيد الفطر ويوم عيد الأضحى، وغير ذلك لا معنى له.