قرأت بالموقع مقالاً بعنوان “الإصلاح الديني.. المحاولات والتعثر” للكاتب غازي التوبة، والذي أعتقده بأن المقال يمثل تياراً عريضاً في الفكر الإسلامي يطلق على كل حركة داخل هذا الفكر مصطلح “الإصلاح”، وهو خطأ فادح ولا يعبر عن نهج الدعوة الذي تسير عليه المجلة وهو نهج الإخوان المسلمين.
فالفكر الإسلامي شأنه شأن أي فكر تداخلت فيه الأفكار والممارسات، ولا تعد كل نظرة من زاوية معينة للفكر الديني إصلاحاً، وإلا لاعتبرنا ما قام به “داعش” وغيره من الحركات المماثلة إصلاحاً لأنه يقول ذلك.
والكاتب يبدأ مقاله بجعل أول إصلاح في العهد الحديث قام على يد محمد بن عبدالوهاب في القرن السابع عشر، والكل يعلم بأن حركته استثمرت سياسياً، وأن الأمور التي حاربتها ليست من صلب الدين، وكان هناك تضخيم لفكرة الشرك وتكفير المسلمين استناداً لمعطيات واهية وإنما هي ممارسات مارسها المسلمون عن جهل وتقليد كان من الممكن تغييرها بدون معالجتها بمفاهيم القوة باسم الدين، فالدعوة الإسلامية بدأت بين مشركي مكة بالكلمة الطيبة والحكمة (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل:125)، فكيف الأمر بين المسلمين؟
وبقفزة مفاجئة يتحول إلى إصلاح من نوع آخر وهو ما قام به الشيخ محمد عبده تلميذ الأفغاني الذي لم يعد هنالك جدال حول انتمائه الماسوني، فأي رابط بين هذين الإصلاحين؟
والغريب جداً أن يضع الكاتب كتاب علي عبدالرزاق “الإسلام وأصول الحكم”، وكتاب طه حسين “في الشعر الجاهلي” ضمن سلسلة وتأثيرات الشيخ محمد عبده؛ أي في إشارة غير مباشرة على أن الكتابين ضمن دائرة الإصلاح الذي يردده الناس بغير علم ولا كتاب منير.
فكتاب الشيخ عبدالرزاق وما فيه من آراء جاء لنسف فكرة الخلافة التي التف حولها المسلمون رمزاً لوحدتهم، وكانت معظم حججه واهية، وأما كتاب طه حسين فقد أثبتت الدراسات الجادة بأنه كان انعكاساً مباشراً لآراء أستاذه المستشرق الفرنسي مرجليون الذي اشتهر بحقده على الإسلام، وأن كل الآراء التي فيه لا تعدو إلا استنساخاً لآراء مرجليون.
وقد كتب كثير من المشاهير والعلماء في تفنيد آراء طه حسين وسعيه لتغريب مصر، وخصوصاً مصطفى صادق الرافعي رحمه الله في كتابه “تحت راية القرآن”، وما كتبه الشيخ محمود محمد شاكر، وأثبتوا بأن ما جاء به كان المقصود منه نسف الدين وتخريبه لا إصلاح فكرة!
إن السير وراء أعداء الدين بعيون مغطاة باسم الإصلاح هو جناية كبرى يتحمل وزرها من يردد آراء هؤلاء الإصلاحيين ويسهم في نشر آرائهم التخريبية.
وأخيراً، فليس كل من ادعى رأياً معيناً داخل الفكر الديني هو إصلاحي، فالكلمة برّاقة، ولكن قد يكون ما يراد منها أسوأ مما عليه ممارسات بعض الناس أو أفكارهم نتيجة الجهل والدوافع السياسية التي لها باع طويل في نشوء مثل هذه الأفكار.
إن هذا العرض ليس نقداً للمقال، فالمرء يكتب ما يشاء، وإنما إيضاح حسب اعتقادنا لنهج عريض في أدبياتنا لا يفتأ يردد كلمة “الإصلاح” على كل حركة داخل الفكر الإسلامي بدون الغوص في معطياتها ونتائجها، وعلى مجلتنا العزيزة “المجتمع” أن يكون لها موقف متميز من هذا النهج خدمة للحقيقة وأصول الدين، ودمتم.