أدار الحوار: هاني صلاح
على الرغم من وجود بعض مسلمين ذوي الكفاءة العالية وخبرات في مجالات مختلفة، منهم رئيس البرلمان التايلاندي السابق، ووزراء للوزارات المتعددة بيدهم زمام الأمور في المملكة التايلاندية فضلاً عن رؤساء محافظات وعمداء في الجامعات وأساتذة دكاترة في تخصصات مختلفة أو اقتصاديين أو فنيين أو الجيش أو الشرطة؛ إلا أنه ليس لدى المسلمين في تايلاند مشروع أو رؤية مستقبلية خاصة بهم.
من ناحية أخرى، حقوق المواطنة للمسلمين مكفولة في الدستور التايلاندي حيث يتمتعون بحقوق المواطنة مثل غيرهم سواءً بسواء، فالحكومة التايلاندية تقنن بعض القوانين واللوائح لخدمة المسلمين، وما يميز تايلاند هو مبدأ التعايش السلمي بين العرقيات المختلفة فلا مكان للتصادم بين العرقيات المختلفة خاصة في المجالات الرسمية حيث يمنع الدستور التايلاندي التمييز بين المواطنين على أسس العنصرية أو الديانة أو الجنس.
جاء ذلك في الجزء الثاني من حوار: “واقع الدعوة والتعليم الإسلامي في دولة تايلاند”، مع الدكتور غزالي بن مد، عميد كلية الدراسات الإسلامية، جامعة فطاني، جنوب تايلاند، وهو الحوار الرابع على الموقع الإلكتروني لـ”المجتمع” بالتشارك مع “مبادرة حوارات الأقليات المسلمة على الفيسبوك”، والتي يجريها الصحفي هاني صلاح على الصفحة العامة للحوارات بعنوان “الإسلام والمسلمون في العالم”.
وإلى الحوار..
المشاركة الثالثة.. من: محمد سرحان، صحفي متخصص في ملف الأقليات المسلمة، وتتضمن ثماني أسئلة (أرقام: 9 ـ 16)
9ـ إلى أي درجة وصلت مظاهر التعايش السلمي وحقوق المواطنة للمسلمين في تايلاند بعد عملية السلام؟
بشكل عام، وبغض النظر عن الصراعات السياسية في الجنوب، ليست هناك مشكلة في التعايش السلمي بين العرقيات المختلفة حيث يسود الاحترام المتبادل بين مختلف العرقيات في تايلاند سواء كان في الأمور الاجتماعية أو الدينية.
ولكن على مواقع التواصل الاجتماعي الإلكترونية – وتحديداً من أشخاص مجهولة – بدأت ظاهرة عداوة للمسلمين وتصاعد الهجوم عليهم في مواقع التواصل الاجتماعي، الحكومة تحذر من هذه الظاهرة، وأكدت دائما على مبدأ التعايش السلمي بين أبناء الشعب التايلاندي بمختلف عرقياته وانتماءاته، وتحذر أشخاص معروفة من الرهبان البوذيين ـ من المعجبين بالراهب البوذي البورمي الذي يشارك في عملية إبادة المسلمين في بورما/ميانمار – من أن يؤذوا المسلمين في تايلاند.
كذلك في الآونة الأخيرة وإثر ظهور حملات إسلاموفوبيا في تايلاند، هناك بعض مؤشرات سلبية خاصة في مجتمع الأقليات المسلمة في محافظات الشمال أو الشمال الشرقي حيث يوجد متطرفون بوذيون يعارضون بناء المساجد في هذه المناطق متحججين بأن صوت الأذان يسبب الضوضاء في المنطقة، وتأذية المسلمين لكلابهم وحجج أخرى، ولكن الحكومة حسمت هذا الأمر لصالح المسلمين بحيث أعطت تصاريح بناء المساجد في هذه المناطق ذات الأقليات المسلمة بعد جولات من النقاش وتحديد النقاط المتفقة فيما بينهما.
وحقوق المواطنة للمسلمين مكفولة في الدستور التايلاندي حيث يتمتعون بحقوق المواطنة مثل غيرهم سواءً بسواء؛ فالحكومة التايلاندية تقنن بعض القوانين واللوائح لخدمة المسلمين خاصة مثل قانون إدارة الهيئات الإسلامية 2540، وقانون أحكام الأسرة، والميراث للمسلمين 2489، وقانون البنك الإسلامي التايلاندي 2550، وقانون الجمرك التي يستثني المتبرعين للمساجد والمدارس الإسلامية من أن يدفع الجمارك للحكومة، ولوائح الوزارات في اللباس الرسمي للموظفين المدنيين المسلمين والموظفين المسلمين في البلاط الملكي، وغيرها، إضافة إلى ذلك تستطيع القنوات الفضائية الإسلامية الأربعة أن تقوم بالمحاضرات الدينية والدعوة الإسلامية بحرية تامة حسبما وكيفما تشاء ويستحق المسلمون أن يقوم بأنشطة دينية ودعوية كما يشاءون بلا معارضة.
كذلك نذكر مرة أخرى بأن الحكومة التّايلانديّة تقوم بدعم المدارس الإسلاميّة الأهليّة التي يبلغ عددها أكثر من 500 مدرسة دعماً كاملاُ من رواتب إداريين ومعلمين وميزانية أنشطات تعليمية مختلفة.
10ـ هل لدى المسلمين في تايلاند مشروع أو رؤية مستقبلية لتطوير واقعهم كمكون رئيس في تايلاند ؟ وإن وجدت فما هي أهم مرتكزات هذه الرؤية وماذا ينقصها؟
برغم من وجود بعض مسلمين ذوي الكفاءة العالية وخبرات في مجالات مختلفة، منهم رئيس البرلمان التايلاندي السابق، ووزراء للوزارات المتعددة بيدهم زمام الأمور في المملكة التايلاندية فضلاً عن رؤساء محافظات وعمداء في الجامعات وأساتذة دكاترة في تخصصات مختلفة أو اقتصاديين أو فنيين أو الجيش أو الشرطة؛ إلا أنه ليس لدى المسلمين في تايلاند مشروع أو رؤية مستقبلية خاصة بهم، وأسباب ذلك هي:
1ـ طبيعة تنظيم هرم المجتمع التايلاندي (المسلم)، حيث ينص قانون إدارة الهيئات الإسلامية رقم (2540) على أن شيخ الإسلام التايلاندي هو الذي يترأس هرم السلطة المطلقة للمسلمين، وشيخ الإسلام التايلاندي عادة ما يكون من علماء الدين لكي يكون مفتياً وصاحب القرار الأخير في الفتاوى كما هو منصوص في ذلك القانون، ولكن في نفس الوقت القانون يفرض عليه أن يكون رئيس سلطة إدارية تنفيذية للمجتمع المسلم التايلاندي وهي تكاليف فوق طاقة أي إنسان عادي لكي يجمع هذه الأمور في شخص واحد فقط.
وأعتقد أنه لو يتم تعديل القانون بحيث يفرق بين منصب شيخ الإسلام ومنصب رئاسة الإدارة التنفيذية؛ لكان الوضع في المستقبل أفضل من الوضع الحالي لأن الناخبون وقتها سوف يستطيعون أن يبحثوا عن الشخص المناسب لكلا المنصبين (الدين والإداري).
وأشير إلى أن منصب شيخ الإسلام التايلاندي يكون بالانتخاب من قبل أعضاء المجالس الإسلامية في كافة المحافظات التايلاندية، كما أن أعضاء هذه المجالس الإسلامية يتم انتخابهم كذلك من قبل أئمة المساجد، والمشكلة أن خلفيتهم الثقافية لأغلبهم ترجع للمدارس الإسلامية التقليدية (فوندوق) المنقطعة عن مواصفات وعلوم عصرية، وكذلك أشير إلى أنه عادة أئمة المساجد يتم انتخابهم كذلك من قبل جمهورهم (رواد المساجد)؛ فمن هنا يتضح لنا خريطة الهرم الإسلامي كيف يتشكل في تايلاند، ويبقى السؤال: كيف يتأتى رؤية مستقبلية وليس لذوي الكفاءات العالية فرصة للمساهمة في هذه الهيئات الإسلامية؟
لذلك جاء البعض ليقدم مشروع القانون المعدل لكي يستفيد المجتمع المسلم من ذوي الكفاءات العالية في مجالات مختلفة ولكن للأسف ذهبت سدى لأنه مرفوض من هذه الهيئات الإسلامية، لذلك الحكومة التايلاندية لا تعدل هذا القانون، ولحد الآن لا يستطيع المسلم التايلاند أن يكون عنصراً فعالاً أو مكون رئيسي في المجتمع التايلاندي ككل بل محافظات ذات أغلبية مسلمة وهي محافظات جنوب تايلاند من أفقر محافظات تايلاند وأكثر تدخين ومخدرات وأدنى ترتيب مستوى المدارس في تايلاند.
2ـ وسبب آخر يتمثل في عدم تجمع المسلمين تحت قيادة واحدة بحكم الأقلية التي ليس لرئيس المسلمين المنصوص قانونا نفوذ لإخضاع كل المسلمين لطاعته فلا يستطيع أن يوحد الرؤية المستقبلية وما إلى ذلك..
ـ كما أن هناك أسباب أخرى تحتاج إلى دراسات ومناقشات مستقلة…
11ـ ماذا عن دور مسلمي تايلاند إزاء مخيمات اللاجئين من مسلمي الروهنجيا في الجنوب أم يقتصر الأمر تجاه هذه المخيمات على الموقف الرسمي للدولة؟
لمسلمي تايلاند من عموم البلد دور محمود إزاء مخيمات اللاجئين من مسلمي الروهنجيا في الجنوب، وفي محابس الشرطة، أو ملاجئ الحكومة، وجزاهم الله عنهم خيراً؛ حيث أسست المشيخة الإسلامية “هيئة الإغاثة الإنسانية”، والتي قامت بجمع التبرعات لصالح مسلمي الروهنجيا في الجنوب مراراً عديدة، بالإضافة إلى مسلمي الأويغور من تركستان الشرقية، وكذلك من سورية.
وتعمل هيئة الإغاثة الإنسانية تحت إشراف المشيخة الإسلامية، وأعضاءها من فئات متعددة من المجتمع التايلاندي.
12ـ هل هناك تواصل ما بين المسلمين في الشمال والمسلمين في العاصمة بانكوك وضواحيها مع المسلمين في الجنوب والتنسيق المشترك فيما يخص قضايا المسلمين أو قضايا الدولة ككل أم تقتصر على علاقة المواطنة فقط نظرا لاختلاف الأعراق؟
نعم، هناك تواصل ما بين المسلمين في الشمال وبانكوك مع المسلمين في الجنوب والتنسيق فيما يخص قضايا المسلمين لأن المجلس الإسلامي الأعلى الذي يترأسه شيخ الإسلام أعضاؤه من كل مناطق تايلاند فمنهم تايلاندي وملايوي وصيني وباكستاني ويتشاركون جميعاً في قضايا المسلمين بدون النظر إلى العرقيات.
أما فيما يخص قضايا الدولة فلا يوجد موقف موحد لهم، لأن البعض مع الحكومة والآخر مع المعارضة، نظراً لاختلاف ميولهم السياسية.
13ـ حفظة القرآن الكريم في تايلاند متميزين ويتصدرون مسابقات القرآن الدولية ووجدت أن الدولة تحتفي بهم فلو تحدثنا عن مؤسسات ومراكز تحفيظ القرآن في تايلاند من حيث المناهج والانتشار وما يميزها عن نظيراتها في الدول الأخرى؟
مراكز تحفيظ القرآن في تايلاند كثيرة، وطلابها في بعض المركز يتجاوز الألف طالباً، وهذه المراكز أنواع متعددة ، وأكبر مراكز تحفيظ القرآن في تايلاند تابعة لجماعة الدعوة والتبليغ في جنوب تايلاند وشمالها والعاصمة بانكوك، والطلاب فيها بضعة آلاف، ويقدر عددها بالعشرات من المراكز، ومنهج التحفيظ عندهم يتمثل في التفرغ التام لحفظ القرآن الكريم وبحيث لا يدرس الطلاب أي علوم عصرية.
وهناك نوع أخر، وهو مراكز تحفيظ القرآن في المدارس الإسلامية العصرية الأهلية، حيث يحفظ الطلاب القرآن الكريم وفي ذات الوقت يدرسون العلوم العصرية في المراحل التعليمية قبل الجامعة.
وهذا النوع مازال في بداية التأسيس فقط؛ لذا فعددها قليل في عموم تايلاند ولا يتجاوز خمس مراكز.
وحول المسابقات القرآنية؛ فعادة طلاب مراكز تحفيظ القرآن التابعة لجماعة الدعوة والتبليغ لا يشاركون في المسابقات، وفقط النوع الثاني هو الذي يشارك.
14ـ ماذا عن إشكاليات التوظيف واللغة لدى مسلمي الجنوب الذين يتحدث أغلبهم اللغتين العربية والملايوية؟ وما هي رؤية المسلمين للتغلب على هذه الإشكالية؟
اللغة العربية والملايوية لدى مسلمي الجنوب ليست مشكلة؛ بل هما مزايا لأهل هذه المنطقة. مثلا كل الطالبات الوافدات إلى دولة قطر في دورات تدريبية في اللغة العربية كن من أهالي هذه المنطقة. إضافة لذلك فإن اللغة الملايوية هي لغة الشعوب المسلمة بدول جنوب شرق آسيا مثل إندونيسيا وماليزيا وبروناي وسنغافورا.
لكن المشكلة العويصة لدى مسلمي الجنوب هي تتمثل في الفقر المدقع، ومن نتائجها أن أكبر نسبة من الطلاب تترك مقاعد الدراسة في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية في هذه المنطقة. مثلا في عام (2012)، كان مجموع الطلاب المسجلين في مقاعد الدراسة بهذه المنطقة 300 ألف طالب، ولكن من أكمل منهم دراسته في المرحلة الثانوية فقط 200 ألف طالب، أي أن نحو 33% من طلاب المرحلة الإعدادية لا يواصلون دراستهم في المرحلة الأعلى والأسباب تعود للفقر المدقع وكذلك بسبب التفكك الأسري.
وفي هذا المقام أريد تذكيركم بأن تناصر الضعفاء في هذه المنطقة ضعيف جدا. مثلاً وجدنا آلاف الأيتام في منطقة الجنوب الذين فقدوا آباءهم في العمليات الصراعية وليست هناك مؤسسة محلية لتكفلهم؛ حتى جاءت مؤسسات الشيعة فأخذتهم جميعاً.
وأيضا في حالة التفكك الأسري بالطلاق حسب دراسات متعددة، لا يوجد هناك الإنفاق على الأطفال ونفقات تعليمهم إلا نادراً وإلا في حالة تواجدهم مع الآباء، لأن معظم الطلاق لا يسجل مع المسجل الحكومي، وإنما يكتفي بمحضر الطلاق من إمام المسجد الذي لا يقدر على فرض النفقات على الرجل المطلق لزوجته والأطفال في رعاية الأم..
إذن الوضع يزداد سوءا.. ظلم داخلي أفحش من ظلم أجنبي خارجي بكثير..
15ـ لو تحدثنا عن الواقع الاجتماعي وكيف هي عادات الزواج لدى مسلمي تايلاندي؟
بحسب الواقع الاجتماعي في المجتمع المسلم التايلاندي من ناحية الوظيفة فمعظم المسلمين قد اشتغلوا بزراعة المطاط والفواكه والصيد والمهن الحرة، وقليل منهم اشتغلوا كموظفين بالحكومة.
والوضع الاقتصادي للمسلمين عامة كان مـتـدنيًا للغاية؛ فالمحافظات الجنوبية ذات الأغلبية الإسلامية من أفقر محافظات تايلاند ككل وذلك لعوامل متعددة منها العوامل الخارجية مثل الصراعات الدموية وسيطرة الصينيين على الوضع الاقتصادي التايلاندي أجمع وأخرى داخلية مثل تفشي المخدرات بصفة واسعة في قرى مسلمة ولا يستثنى منها أية قرية، ومنها تدني نسبة المثقفين من خريجي الجامعات وطبيعة المسلمين المفضلين للترفيه والتسلية في كل المناسبات على الأمور لجدية، مثلاً وجدنا جمهور من رجال المسلمين يلعبون بالطيور في معظم البيوت أو القرى في حين وجدنا جمهور المسلمات في المزارع والأسواق.
هذه هي ظاهرة عامة، ولكن كلهم على ذلك الشكل، ومع ذلك يوجد بعض المسلمين يجتهدون في الأعمال الاقتصادية حتى صاروا من أصحاب المستشفيات والفنادق والمصانع والمحلات التجارية الكبرى، وهذا ليس أمراً ميسوراً لأن الوضع الاقتصادي التايلاندي أجمع تحت سيطرة الصينيين ويصعب للمسلمين أن يجتاز مثل هذه العراقيل ، هذا هو أحد الأسباب برغم وجود رجال الأعمال المسلمين ذوي الكفاءات في الاقتصاد التايلاندي ولكن وجدنا شبه العدم من المسلمين الذين يعملون في مجال تصدير المنتجات التايلاندية إلى الدول العربية مثلا.
أما عن عادات الزّواج للمسلمين؛ فيبدأ من يوم الخطبة حيث يحضر أقارب الخاطب إلى منزل ولي المخطوبة مع هدايا ومـأكولات خفيفة لطلب يدها، وبعد ذلك تتم الخطبة بشكل اعتيادي، حيث من الواجب أن يهدي الخاطب خطيبته خاتماً من ذهب والسلاسل الذهبية، كما يشكل هذا جزءا من المهر الذي سوف يدفعه العريس لعروسه.
وولي المخطوبة يصنع الوجبة وتقديمها لجماعة الخاطب ويتفق الفريقان على موعد الزفاف. أما بيت الزوجية فلا يعتبر به مطلقاً ولا يوجد إلا نادراً، وعادة عقد النكاح يكون ليلة العرس في مسجد القرية أو بيت ولي المرأة.
وفي يوم العرس تزين العروس والعريس بزي الزفاف ويذهب العريس إلى بيت العروسة ومن عادات وتقاليد الزواج التايلاندية – التي بدأت في الانحسار رغم وجودها ـ قبل الوصول يعترض الأطفال موكب العريس في الطريق ولا يسمح بالمرور حتى يأخذوا منه أموال وعادة العريس يعد عدة ظروف بيضاء ويضع بداخل كل منها مبلغ مالي لحوالي عشرة من الأطفال.
16 ـ كيف يستقبل المسلمون في تايلاند شهر رمضان وما هي أهم عاداتكم وتقاليدكم في هذا الشهر وأهم الأكلات المرتبطة برمضان؟
يستقبل المسلمون شهر رمضان بفائق السرور والفرحة بعد إعلان شيخ الإسلام بقدوم رمضان عبر القنوات التلفزيونية الحكومية وتقوم بعض المساجد بتوزيع الطعام والشراب وإقامة الموائد بدءاً من ليلة الإعلان عن ثبوت رؤية هلال شهر رمضان إلى طوال الشهر الكريم، خاصة مساجد في العاصمة و مدائن كبرى نظرا إلى كثيرين من المسافرين فيها.
وهنا الملاحظة أنه وبالرغم من أن القانون التايلاندي قد نص على أن شيخ الإسلام فقط هو المنوط به إعلان رؤية هلال بداية رمضان أو أي مناسبات دينية أخرى، ويعاقب المخالف بعقوبة أدبية؛ إلا أنه مازال البعض – وهم جماعة من الناس – يعلنون تلك المناسبات من تلقاء أنفسهم.
وفي رمضان أيضاً توجد برامج دينية في قنوات تلفزيونية مختلفة سواء حكومية أو أهلية، سنياً أو شيعياً، إضافة إلى قنوات فضائية إسلامية أربعة.
وفي السنوات الأخيرة أقامت الحكومة التايلاندية موائد إفطار رمضان لسفراء مسلمين ورؤساء الهيئات الإسلامية التايلاندية، كذلك المؤسسات الحكومية في المحافظات المختلفة تقيم حفل الإفطار لأئمة المساجد وعلماء المسلمين في مناطقها مع توزيع هدايا رمضان لكل بيوت المسلمين فيها.
وفي كثير من المؤسسات الإسلامية الأهلية تخفف وقت الدوام للموظفين وعطلة عشرة أواخر رمضان إعانة لهم للتفرغ للاعتكاف والعبادة؛ لذلك وجدنا كثيراً من مساجد ممتلئة بالمعتكفين وحتى معتكفات خاصة في محافظات الجنوب، ويخرجون لصلاة العيد في فناء المسجد بعد إعلان شيخ الإسلام بيوم العيد عبر القنوات التلفزيونية الحكومية مرة أخرى.
وللأسف صفاء الروح في رمضان للمجتمع المسلم التايلاند يبدأ يعكر بالمجادلة والمخاصمة بمكان صلاة العيد!
المشاركة الرابعة.. من: د. جمال عبد الناصر، صفحة الفكر الديني بجريدة الأهرام المصرية، وتتضمن سبع أسئلة (أرقام 17-23):
17ـ بدايةً.. هل ممكن نبذة عن الشعب التايلاندي وطبيعته وما يتصف به وأبرز سماته والعرقيات التي يتشكل منها، وكيف هي حالة التعايش بين مختلف هذه العرقيات؟
المجتمع التايلاندي:
1- الدّيانات والعقائد:
ومسألة (تعداد المسلمين بين الواقعية وسياسة التقليل):
يعتنق حوالي 94,6% من السكان التايلاندي البوذية، وفقًا لإحصاء عام2000مـ ويمثـل المسلمون ما نسبته 4,6%، بينما توجد أقليّة هندوسية، وتسكن غالبًا في المدن الكبرى، كما تمثل النصرانية 0,7% من السكان، ويوجد أيضاً أتباع للدّيانة السيخيّة.
والجدير بالذكر أن نسبة أتباع الأديان المذكور أعلاه في عملية الإحصاء تستخدم فيها طريقة بدائية وهي البيانات الشفهية حيث يطوف موظفو الحكومة ومساعدوهم ليسألوا أهالي كل بيت في المملكة عن الديانة والعمل والدخل وأشياء أخرى، وليس عبر الطريقة الإلكترونية؛ لذلك فقدت المصداقية عند المشيخة الإسلامية وجمهور المسلمين الذين يرون أن نسبتهم أكثر من التعداد الحكومي بضعفين على الأقل.
2- العرقيّات في تايلاند:
شعوب تايلاند تتكون من أصول مختلفة ولكن غير مسجلة بصفة رسمية، وهذه العرقيات غير مذكورة في كل المستندات الحكومية لذلك لا يستطيع أحد الإحصاء بدقة، اللهم إلا من خلال التقاليد والعادات التي تظهر حجم كل عرقية.
أما بصفة رسمية الكل تايلاندي جنسيا وعرقيا حتى في المنطقة الجنوبية فيكثر عدد السكان، الّذين ترجع أصولهم إلى عرق الملايو، وغالبيتهم من المسلمين ولكن بصفة رسمية هم تايلانديون جنسيا وعرقيا.
وهذه العرقيات تظهر في تقاليد وعادات مثلا في عيد أو لغة التخاطب أو معبد خاصة أو جمعية عرقية. فنجد أن عرقيات صينية تعم تايلاند وهم نخبة حاكمة من رؤساء الوزراء وأعضاء مجلس الوزراء ورؤساء الشرطة ومحافظون ورؤساء البلدية وأعضاء مجلس النواب ومجلس الشيوخ والأطباء وأصحاب البنوك وما إلى ذلك وهم يسيطرون على نحو 80% من المصالح التجاريّة التايلانديّة.
3- الثقافات في تايلاند:
تشكَّلتْ الثقــــــافة التــــايلاندية، من المعتقدات الدينية في المقام الأول، عن طريق الروحانية والهندوسية والبوذية.. وتأثرت الهوية الثقافية، بشكلٍ كبير، بثقافات الهند القديمة والصّين وكمبوديا، وثقافات جنـــوب شرق آسيا،. أمّا جـــنــوب تايـــــلاند، فقد تأثر بالحضارة الإسلاميّة.
ورغم مزاج التايلانديين الانفعالي إلاّ أنّهم يحافظون على هدوئهم معظم الوقت حتّى أثناء النقاشات. كما أنّ الانفجارات الغاضبة أو القهقهات العالية تعتبر فلتاناً يؤدّي فوراً إلى عدم الاحترام لهذا الشخص. ومع ذلك، فإنّ التايلانديين يؤمنون بالضّحك والدّعابة، الّلذين يشكّلان عمـاداً من أعمدة ثقافتهم.
4- اللغة التايلانديّة:
اللغة التايلاندية هي لغة البلاد الرّسمية، هي اللّغة الأم للشعب التايلاندي، ولها حروف أبجديّة خاصّة، وهي قريبة بلغة “لاوس” حيث يتشارك الكلمات بينهما ويقدر الشعبين أن يشاهد الإذاعية والأنشودة والمسلسات التلفزية بعضهم لبعض.
5- التعايش بين العرقيات المختلفة
عامة، ليست هناك التصادم بين العرقيات المختلفة خاصة في المجالات الرسمية حيث يمنع الدستور التايلاندي التمييز بين المواطنين على أسس العنصرية أو الديانة أو الجنس، والحكومة دائما تحرص على التعايش السلمي بين العرقيات المختلفة، مثلا يعين مسلماً من عرقية ملايوية كوزير أو عضو المؤسسة الوطنية المختلفة.
ولكن في القطاع الخاص أو الغير رسمي؛ فهناك بعض المشاكل، ولكن من مشاكل التعايش بين الأديان، مثلا في بعض الشركات الخاصة أو مؤسسة تعليمية خاصة لم يقبل عامل مسلم أو لم يسمح لتلبس الحجاب الشرعي.
18ـ ما هي أهم المشكلات التي تواجه المسلمين بتايلاند؟
أهم المشكلات التي تواجه المسلمين بتايلاند:
1ـ ضعف العلاقات بين المؤسسات المسؤولة عن المسلمين في تايلاند، والمؤسسات الدولية المسؤولة عن المسلمين في العالم على كافة المستويات بدءاً من المشيخة الإسلامية التايلاندية، وما تحتها من رؤساء المسلمين التايلانديين على مستوى المجالس الإسلامية في المحافظات وحتى الأئمة والوعاظ الذين يترأسون نحو 4 ألاف مساجد في تايلاند.
فرغم وجود هيئات ومؤسسات إسلامية عالمية مسؤولة عن المسلمين في العالم مثل منظمة التعاون الإسلامي أو أيسيسكو أو رابطة العالم الإسلامي أو مؤسسات تعليمية إسلامية كبرى أو وزارات الأوقاف في العالم الإسلامي؛ لا توجد أي هيئات أو مؤسسات إسلامية عالمية تشارك المسؤولين عن الإسلام هنا في تايلاند في رفع مستوى 4 ألاف من أئمة المساجد في تايلاند.
العلاقات بين جانبين هامشي مثل يبعث الدعاة إلى بعض المدارس الإسلامية العصرية أو ما إلى ذلك.
وحكومة تايلاند لا تمول مشاريع المشيخة الإسلامية التايلاندية أو رؤساء المسلمين التايلانديين – وهي إحدى المشكلات أيضاً – فكلهم يعملون في سبيل الله بلا رواتب أو أي مكافأة؛ فكيف يقدر على تبنى مثل تلك المشاريع بأنفسهم بلا مشاركة ولا مساهمة من إخوانهم في الخارج ماديا أو معنويا؟
2ـ ومنها مشكلة المدارس الإسلامية التقليدية المعروفة محليا ب (فوندوق) وهي بمثابة معهد الأئمة التي يدرس كتب التراث الإسلامية فقط، ليس لها علاقة بالعالم المعاصر ولكن للأسف ولها المنزلة العظيمة في المجتمع المسلم التايلاندي حيث المشيخة الإسلامية في تايلاند تتكون من شيخ الإسلام يطلق عليه بـ”جولا راج مونتري” هو وأعضاء مجلس المشيخة الإسلامية وجمهرة الأئمة والوعاظ معظمهم من خريجين هذه (فوندوق)، وهذه المدارس كالجواهر الخامة المكنونة ليس لها أحد من إخوانهم العلماء من العالم الإسلامي يتعامل معها ويشاركها في أعمالها.
3ـ ومن المشكلات التي تواجه المسلمين، طبيعة المسلم التايلاندي نفسه، منها عدم الجدية وحب الراحة وضعف العزم حيث لا يستطيع استغلال الفرص المتاحة لرفع مستوى المجتمع المسلم التايلاندي أو دعوة الآخرين مثلا رغم وجود مؤسسات تعليمية إسلامية مدعومة كاملا من الحكومة التايلاندية ولكن تلك المؤسسات التعليمية الإسلامية لا تستطيع استغلال الدعم لرفع المستوى التعليمي، فأغلبية المدارس الإسلامية تتبوأ أواخر ترتيب أكفأ المدارس في عموم تايلاند عند التقييم.
19 ـ ماذا عن التصوف في تايلاند؟ هل ينتمي للتصوف السني أم البدعي؟
قبل كل شيء نحن باسم مسلمي تايلاند نشكر الله على هدايته، ونشكر أهل الطريق الصوفية الذين جاءوا إلينا قبل قرون لنشر دين الله حتى أسلم أهل هذه المنطقة على أيديهم، فجزاهم الله عنا خيرا..
واليوم، أهل الطريق الصوفية مازال لهم حضور قوي في بعض المناطق خاصة بعد مجيء أصحاب الطرق الصوفية من الدول العربية في الآونة الأخيرة بدعم من حكومة تايلاند.
على كل حال التصوف في تايلاند أنواع مختلفة مختلطة بين التصوف السني والبدعي، فبعضهم كان من أهل الباطنية ولا يصلى كهيئة الصلاة المعهودة عندنا ولكن بطريقة الباطنية ولكن هم ليسوا بكثير اللهم إلا العمل الصوفي مثل الورد والدعاء الجماعي بعد الصلوات مازال منتشرا بين المجتمع المسلم ومراسيم المولد النبوي الشريف.
20ـ ما هي أهم التيارات الإسلامية في تايلاند؟.. وما مدى تأثير التيارات الفكرية في تايلاند على الفكر الإسلامي هناك؟
أكبر التيارات الإسلامية الفعالة في تايلاند هي المدارس الإسلامية التقليدية، وجماعة الدعوة والتبليغ التابعة لجماعتهم الأم، ثم مؤسسة السلام التابعة لجامعة فطاني، حيث يتبنى أنشطة مختلفة ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا ثم الدعوة السلفية.
ـ ممكن نقول بأن المدارس الإسلامية التقليدية المعروفة محليا بـ (فوندوق) هي تيار إسلامي لأنها توجه المجتمع المسلم التايلاندي بطريقتها الخاصة ولها نفوذ كبير حيث المشيخة الإسلامية في تايلاند تتكون من شيخ الإسلام يطلق عليه بـ “جولا راج مونتري” هو وأعضاء مجلس المشيخة الإسلامية وجمهرة الأئمة والوعاظ معظمهم من خريجين هذه (فوندوق) وممكن نقول أغلبية المجتمع المسلم التايلاندي القديم و المستقبل القريب تحت توجيهاتهم المحصورة في بعض الأمور مثل المحاضرة وطقوس العبادات.
ـ أما مؤسسة السلام التابعة لجامعة فطاني والدعوة السلفية تؤثر أكثر بين الأجيال الصاعدة من إتحاد الطلاب الجامعية وبعض الأئمة الشبان.
21ـ باعتباركم من خريجي جامعة الأزهر الشريف، فما هو واقع الطلاب المبتعثين التايلانديين بمصر؟ وما هي أبرز المشكلات والعقبات التي تواجههم؟ وكيف ترون الحلول اللازمة لها؟
الطلاب المبتعثين التايلانديين بمصر عامة كطبيعة التايلانديين الآخرين بحيث لا يحرصون أو لا يستطيعون على الاستفادة بخبرة علماء الأزهر أو صحبتهم ويكتفون بحضور قاعة المحاضرة وقراءة مذكرة وهي لا تكفي لتلبية متطلبات العصر بعد الرجوع إلى بلدهم؛ فأهم مشكلاتهم تتمثل في أنه ليس لهم فرصة للاستفادة بخبرة علماء الأزهر أو صحبتهم لذلك أقترح أن يدرسهم كبار العلماء المعترفين لدي الطلاب كحلقة علمية في العلوم الشرعية في مسجد البحوث يوميا أو أسبوعيا وأن يقوم بالمحاضرة عامة شهريا أو يعقد مجلس المناظرة العلمية بين الطلاب أو تقدم المقالة بإشراف الدكاترة.
22ـ من وجهة نظركم كأحد المسئولين عن الدعوة والتعليم الإسلامي في تايلاند؛ ما هو الدور المأمول من كل من مؤسسة الأزهر الشريف، وكلية دار العلوم بجامعة القاهرة كمنارتين للعلوم الإسلامية تجاه المسلمين بتايلاند؟
رسالة الأزهر تتصف بالوسطية والأصالة ورسالة كلية دار العلوم بجامعة القاهرة تتصف بالمعاصرة والتجديد والاجتهاد، رسالتان مرحبتان لدي العالم الإسلامي أجمع وأرى أن في يديهما دواء الأمراض العويصة للأمة الإسلامية.
على كل حال، هذا الأمر مشروط بقيام المؤسستين الشامخين بمهمتهما في تكوين علماء متبحرين زاهدين باسلين مثل أيام العلامة عبد العظيم الزرقاني، والشيخ محمود شلتوت، والشيخ محمد يوسف موسى، والشيخ محمد أبو زهرة، والشيخ محمد عبد الله دراز والشيخ محمد الغزالي وغيرهم.
لذلك أرى أن ينشر رسالة هذين المؤسستين الشامخين إلى المجتمع العالمي بكل وسيلة بحوثا ومؤتمرات وترجمات أو غير ذلك..
23ـ هل من إطلالة على مسيرتكم العلمية ورحلتكم في البحث العلمي وانعكاس كل هذا على الواقع الدعوي والتعليمي في بلدكم تايلاند؟
من أبرز الأعمال التي قمت بها ترجمة كتاب “السيرة النبوية.. دروس وعبر” للدكتور مصطفى السباعي إلى اللغة التايلاندية، و”المحاور الخمسة للقرآن الكريم” للشيخ محمد الغزالي إلى اللغة التايلاندية، وترجمة بعض الفصول لكتاب “الشبهات حول الإسلام” للشيخ محمد قطب إلى اللغة التايلاندية، وبحث لتطوير المحكمة الإسلامية التايلاندية بهيئة القضاء التايلاندية، وبحث لتطوير المجتمع المسلم التايلاندي للأمم المتحدة، وغير ذلك.
ما زلت في بداية الطريق الدعوي والتعليمي ولكن وجدت أن أعمال المفكرين الإسلاميين العظماء التي أقوم بالترجمة والنشر مثلا أعمال الشيخ محمد رشيد رضا أو الشيخ مصطفى السباعي أو الشيخ محمد الغزالي أو الشيخ يوسف القرضاوي أو فكرة مـأخوذة منهم في التواصل بالوسيلة المعاصرة كالشبكة الاجتماعية أو محاضرة عامة كانت مقبولة لدى المجتمع التايلاندي مسلما أو غير المسلم.