أطلقت الحكومة الفرنسية قبل أيام برنامجاً وطنياً طموحاً يمتد لثلاث سنوات من أجل إيجاد حلول عملية للحد من هدر الطعام الذي يمثل آفة في بعض البلدان المتقدمة.
وحسب أرقام رسمية، فإن 10 ملايين طن من الطعام الصالح للاستهلاك تلقى في النفايات سنوياً في فرنسا، مما يكلف بين 12 و20 مليار يورو (14.1 – 23.5 مليار دولار) سنوياً حسب آخر تقرير للمعهد الفرنسي للبيئة والطاقة.
وكانت فرنسا أول دولة في العالم تسن قانوناً يمنع المحلات التجارية الكبرى من التخلص من المواد الغذائية الصالحة للاستهلاك غير المبيعة، وذلك بمنحها مجاناً للجمعيات الخيرية التي تعيد توزيعها على الفقراء والمعوزين الذين يزيد عددهم على 9 ملايين فرنسي.
5 آلاف جمعية
وفي تصريح لـ”الجزيرة نت”، قال عضو حزب الجمهوريين أراش ديرامبارش، وهو صاحب فكرة قانون محاربة هدر الطعام: إنه بعد سنة من تشريع القانون أنشئت أكثر من 5 آلاف جمعية جديدة للتكفل بجمع الطعام من المحلات وتوزيعه على المحتاجين، ووزعت الجمعيات حوالي 10 ملايين وجبة.
وكشف ديرامبارش، الذي استقبله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه الأسبوع الماضي، عن أنه حث الرئيس على إقناع المفوضية الأوروبية بتعميم قانون محاربة هدر الطعام في كل دول الاتحاد الأوروبي.
وأشار صاحب كتاب “معا من أجل مناهضة هدر الطعام” إلى أن الطريق لا يزال طويلا لتقليل كميات الأغذية المهدرة في فرنسا، مؤكدا أن التكنولوجيا والتطبيقات الذكية ستساهم مستقبلا في مواجهة هذه الآفة التي تمس الدول المتقدمة خصوصا.
تطبيقات ذكية
وأعلنت الحكومة الفرنسية قبل أيام إطلاق مبادرة هي الأولى من نوعها في أوروبا على شكل تطبيق ذكي يدعى “فودلايف” يهدف إلى ربط الجمعيات الخيرية بأكثر من 7 آلاف سوق ومحل تجاري في كل أنحاء فرنسا.
ويمكن للجمعيات من خلال هذا التطبيق معرفة نوع وكمية الأطعمة غير المبيعة بشكل مباشر في كل المحلات القريبة منها، وبالتالي يسهل الحصول عليها.
وظهرت أيضاً عدة مبادرات على يد شباب فرنسيين يرغبون بالمساهمة في تغيير عدد من العادات السلبية التي دأب عليها مهنيو المطاعم والمحلات التجارية، فقد أطلقت جمعية فرنسية تطبيق “لينكي” الذي يعتبر حلقة وصل بين المطاعم والجمعيات الخيرية في باريس.
وفي تصريح لـ”الجزيرة نت”، قال المتحدث باسم “لينكي” ماثيو شوكارنو: إن “الفكرة جاءت بعدما لاحظنا كميات الطعام الصالحة للاستهلاك التي يتم التخلص منها في النفايات، في حين يوجد آلاف الأشخاص الذين يبيتون في العراء – بعضهم من اللاجئين – ولا يجدون ما يسدون به رمقهم”.
وأوضح شوكارنو أن “لينكي” يعتمد على متطوعين لتوزيع ما لا يقل عن ألف كيلوجرام يومياً من الطعام، بعضه يتم الحصول عليه من مطاعم وفنادق فاخرة.
بدورها، لجأت جمعية “بيوسيكل” إلى سياسة القرب عبر الاعتماد على الدراجات العادية من أجل توزيع الطعام بشكل مباشر على المحتاجين في العاصمة باريس.
الابتكار والتوعية
وقد أصبحت آفة هدر الطعام محل دراسة من طرف عدد من الشركات لمساعدة الأسر على إيجاد حلول ناجعة من أجل تغيير نمط استهلاكهم، فقد اخترعت شركة “كريلوغ” الفرنسية شريحة إلكترونية تعرض تاريخ انتهاء صلاحية الطعام، وتغير الشريحة لونها حين يقترب ذلك التاريخ، وهو ما يسهل على الشخص معرفة الأطعمة التي يجب استهلاكها قبل فوات الأوان.
كما أطلقت الحكومة الفرنسية على مستوى وزارة التعليم مبادرة وطنية لتوعية الطلاب بشأن الحد من هدر الطعام من خلال أنشطة تربوية، بينها دورات في كيفية تدوير بقايا الوجبات الغذائية، وطبعت كتيبات لشرح آثار هدر الطعام على كوكب الأرض وما يترتب عليه من تلوث بيئي وارتفاع في نسبة الكربون.