“للمركز الإسلامي والمسجد الكبير بإستكهولم، دور رائد في الانفتاح والتنسيق والتعاون مع الجهات الحكومية والسلطات المحلية ومؤسسات المجتمع المدني”.. بهذه الكلمات، شدد الشيخ الداعية محمود الخلفي، إمام ومدير للمركز الإسلامي والمسجد الكبير بإستكهولم، في حوار خاص مع “المجتمع”، على أن المراكز الإسلامي يتعدى تقديم الخدمات للمسلمين في دولها إلى المشاركة المجتمعية بالتعاون مع المؤسسات الرسمية والمدنية.
وأشار إلى أن هذا الدور الرائد يوجه عدد من العقبات والتحديات معاً، فعن أبرز العقبات قال: “الطموحات كبيرة والجهود جبارة، لكن ضعف الإمكانيات يعيق تحقيق الأهداف”.
بينما عن التحديات الحاضرة أمام المراكز الإسلامية في السويد خاصة والغرب عامة، أشار إلى أننا تتمثل في تنامي المد العنصري المتنامي، استمرار التحريض ضد المؤسسات الإسلامية الذي تمارسه بعض البلدان الإسلامية للأسف، انتشار الفكر المتطرف الذي استدرج عدداً كبيراً من الشباب للتعصب والتطرف والانخراط في “داعش” وغيره.
إلى الحوار:
- بداية؛ نشكركم على قبول دعوتنا للحوار عبر “المجتمع”، نرجو تعريف أنفسكم لجمهورنا الكريم تعريفاً إنسانياً واجتماعياً ودعوياً؟
– السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية مباركة طيبة.
محمود الخلفي، مواطن سويدي من أصل تونسي، لجـأت للسويد منذ سنة 1988م بسبب القمع والاستبداد، وحرمت من زيارة أهلي وبلدي لمدة 23 سنة ظلماً وعدواناً، مقيم بإستكهولم، متزوج ولي أربعة أبناء، اشتغلت كضابط في الجيش التونسي.
وفي السويد قمت بعدة تخصصات في تقنية الاتصال والإدارة والقيادة، ودرست العلوم الشرعية وحاصل على الإجازة في الشريعة وأصول الدين من الكلية الأوروبية للعلوم الإنسانية.
انخرطت في العمل الدعوي والقيادي في الرابطة الإسلامية في السويد منذ قدومي للسويد، وتحملت عدة مسؤوليات دعوية وقيادية، أعمل الآن كإمام ومدير للمركز الإسلامي والمسجد الكبير بإستكهولم.
- بشكل مختصر، كيف بدأ نشاطكم الدعوي في السويد؟
– بدأ نشاط الرابطة الإسلامية في السويد من خلال جمعية وحيدة بالعاصمة السويدية إستكهولم في سنة 1980م.
ثم ما لبثت تلك الجمعية الصغيرة التي كانت عبارة عن عدة أمتار مربعة في أسفل إحدى العمارات والعدد القليل من روادها أن نما وتطور عاماً بعد عام، حتى أسست بفضل الله وتوفيقه المراكز والجمعيات في معظم المدن السويدية، وتكونت اتحادات ومؤسسات وبنيت مساجد وفتحت مدارس، وأصبح الإسلام والمسلمون جزءاً مهماً من المجتمع السويدي، يفوق عددهم الآن 800 ألف نسمة.
- وهل من تعريف بـ”الرابطة الإسلامية في السويد”؟
– الرابطة الإسلامية في السويد هي عضو مؤسس في اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، وتضم في عضويتها أكثر من 30 مؤسسة، وهي مسجلة رسمياً في السويد تحت رقم (7893 – 802400).
وتعتبر المحرك الرئيس للعمل الإسلامي في السويد، وتقف وراء العديد من الإنجازات الكبيرة والمهمة التي تحققت في فترة تربو من أربعة عقود من العمل الدؤوب والنشاط المتواصل وبناء المؤسسات المتخصصة لخدمة الإسلام وتوطين الدعوة وتلبية حاجة المسلمين.
تشمل العضوية في الرابطة الإسلامية في السويد عضوية المؤسسات وعضوية الأفراد، وتعمل وفق قانون الجمعيات في السويد، ويغطي نشاط الرابطة العديد من المجالات من خلال المساجد والمراكز الإسلامية، وكذا المؤسسات المتخصصة مثل المدارس والمؤسسات الشبابية والثقافية.
- عودة لمركزكم الإسلامي، هل من نبذة تعريفية به وبأبرز الأقسام والملحقات التي يضمها؟
– من العلامات البارزة في تاريخ المسلمين في السويد أن منَّ الله علينا ووفقنا لبناء أول مركز إسلامي ومسجد جامع في العاصمة السويدية، وهو أهم مركز إسلامي في السويد من حيث الحجم واتساع النشاط.
وقد افتتح المسجد عام 2000م في منطقة سودر مالم، ويتكون من خمسة طوابق تزيد مساحته على 4000 متر مربع، ويشتمل المركز زيادة على مصلى الرجال والنساء، على قاعة رياضة وقاعة محاضرات ومكتبة وقاعات تدريس ومكاتب.
وقد أصبح المركز بفضل الله منارة للإسلام وقبلة للمسلمين ومعلماً دينياً وحضارياً يشع بنوره وخيره على المسلمين وغيرهم، حيث يقصده الآلاف من السويديين كل سنة وأصبح المسجد يقوم بدور كبير في مجال التعريف بالإسلام وخدمة المسلمين وإعطاء صورة مشرقة عن ديننا الحنيف، والرابطة الإسلامية في السويد صاحبة هذا الإنجاز الكبير.
- وما أهم الأنشطة التي يقوم بها المركز؟
– يستقبل المركز يومياً أعداداً كبيرة من المسلمين لأداء شعائرهم تفوق 700، وأيام الجمعة يصلي في المركز أكثر من 2000، ويقدم المركز الخدمات الإدارية المختلفة من إرشاد وتوجيه ووثائق إدارية، ويتمتع مركزنا بسمعة طيبة لدى السلطات السويدية حيث إن لدينا تصريحاً رسمياً لإبرام عقود الزواج الشرعية وتسجيلها لدى الدوائر المختصة، كما يسلم المركز وثائق إدارية وشرعية مختلفة للمسلمين في السويد وتحظى تلك الوثائق بالقبول لدى البلدان الإسلامية وسفاراتها المعتمدة في السويد.
وفيما يلي ذكر لأهم الأنشطة والخدمات التي يقدمها المركز:
– استقبال الناس في المركز من جميع الأصناف (شباب، كبار، أزواج)، يومياً لمعالجة القضايا الاجتماعية المختلفة.
– الإجابة عن الأسئلة عن طريق الهاتف يومياً.
– تقديم الاستشارات القانونية والشرعية يومياً.
– تنظيم الأنشطة الدعوية والتربوية المختلفة؛ مثل:
– تنظيم المؤتمرات والندوات.
– تعليم الأطفال القرآن الكريم واللغة العربية والتربية الإسلامية: أكثر من 350 طفلاً.
– تنظيم دورات تربوية وشرعية للشباب.
– إحياء رمضان.
– تنظيم دروس ومواعظ يومياً.
– خطب الجمعة: يستقبل المركز أكثر من 2000 مصل.
– تعليم واحتضان المسلمين الجدد.
– استقبال الزوار من غير المسلمين: أكثر من 15 ألف زائر سنوياً.
– التعريف بالإسلام لغير المسلمين في المعاهد والمؤسسات السويدية.
- وماذا عن دور المركز التفاعلي مع المشكلات المجتمعية المحيطة والتواصل مع المؤسسات السويدية؟
– رؤية الرابطة الإسلامية هي جعل المسلمين جزءاً فاعلاً في المجتمع السويدي، ولذلك فإن المركز الإسلامي والمسجد الكبير بإستكهولم له دور رائد في الانفتاح والتنسيق والتعاون مع الجهات الحكومية والسلطات المحلية ومؤسسات المجتمع المدني وأود الإشارة إلى الأمثلة التالية:
– المساهمة في حل أزمة اللاجئين:
خلال تدفق أعداد اللاجئين من سورية وبلدان أخرى خلال عامي 2015 – 2016، كان مسجد إستكهولم الكبير سباقاً في فتح أبوابه لإيواء المئات منهم، وتقديم الطعام واللباس لهم إلى حين تم استيعابهم من طرف مؤسسات الدولة، وقد كان ذلك بالتنسيق مع الجهات الرسمية وبالتعاون مع الكنائس ومؤسسات المجتمع المدني.
– تأسيس مجلس حوار الأديان:
في إطار التعاون والتنسيق بين الطوائف الدينية في السويد لتحقيق الاستقرار والسلم الاجتماعي بادرنا مع آخرين إلى إنشاء مجلس حوار الأديان الذي كان اجتماعه التأسيسي يوم 16/ 08/ 2017م، بمسجد إستكهولم الكبير.
– مشروع مساعدة اللاجئين:
وهو مثال رائع للعمل المشترك بين المسجد والكنيسة لمساعدة الوافدين الجدد من خلال تقديم دروس في اللغة السويدية والاستشارات القانونية ومساعدتهم على الانخراط في المجتمع وإيجاد عمل، وقد انطلق المشروع منذ سنتين.
- وكيف يمكنكم متابعة العمل وتقييم الأداء، ماذا عن آلية العمل في مركزكم من الناحية الإدارية؟
– استفاد المسلمون من التجربة السويدية في مجال قيادة وإدارة مؤسسات المجتمع المدني وتسيير الجمعيات، قيادة وتسيير مركزنا تتم من خلال إدارة منتخبة لسنتين قابلة للتجديد مسندة بعدد من الموظفين على رأسهم مدير تنفيذي وعدة لجان تغطي كل التخصصات، كالتالي: الرئيس، نائب رئيس، المدير التنفيذي، مسؤول المال، السكرتير، مسؤول الدعوة والتعريف بالإسلام،، مسؤول الأمور الاجتماعية، مسؤول الإعلام، مسؤول شؤون المسجد، وتتكون الإدارة الحالية من ثلاث نساء وستة رجال.
- ما أبرز التحديات التي تواجهكم في عملكم بالمركز؟
– أول التحديات هي ضعف الإمكانيات المالية، الطموحات كبيرة والجهود جبارة، لكن ضعف الإمكانيات يعيق تحقيق الأهداف، ولكن بفضل الله نسعى جاهدين للتغلب على هذا التحدي وقطعنا خطوات موفقة.
ومن التحديات الخطيرة أيضاً المد العنصري المتنامي، والخذلان؛ بل قل التحريض ضد المؤسسات الإسلامية الذي تمارسه بعض البلدان الإسلامية للأسف، نحن نسعى لمواجهة هذا التحدي من خلال التواصل والتعاون والتنسيق مع كل القوى الخيرة في المجتمع.
ومن التحديات الخطيرة الفكر المتطرف الذي استدرج عدداً كبيراً من الشباب للتعصب والتطرف والانخراط في “داعش” وغيره، ونحن نحاول في مركزنا جاهدين لتحصين الشباب ونشر الفكر الوسطي المعتدل وقيم التسامح والاحترام والتعايش السلمي.
- ما أهم الإنجازات التي تحققت حتى اليوم من وجهة نظركم؟
– أهم الإنجازات الانتقال من قبو في أسفل إحدى العمارات لا تتوافر فيه الشروط الصحية والأمنية إلى مركز من عدة طوابق في قلب العاصمة السويدية يليق بالإسلام والمسلمين، ويعتبر نموذجاً للمؤسسات الإسلامية الناجحة في أوروبا.
ومن الإنجازات المهمة استثمارنا في الإنسان وإنتاج عدد من القيادات البارزة من بين شباب الجيل الثاني.
- من خلال تجربتكم السابقة، ما أهم التوصيات المستقبلية من أجل تطوير الأداء؟
– المراكز الإسلامية عموماً تعاني من ضعف الإمكانات المادية، والتطور والإتقان على مستوى يحقق طموحاتنا لا يتحقق بالعمل التطوعي فقط، سر النجاح والارتقاء هو العمل المؤسسي والقيادة المؤهلة مع ضمان موارد مستدامة.
- في ختام حوارنا، هل من كلمة أخيرة؟
– لا يسعنا إلا أن نشكر الله على نعمه ظاهرة وباطنة وعلى حفظه لنا وتوفيقه، ثم نغتنم هذه المناسبة الطيبة لنسدي الشكر لأهله وننوه بكل العاملين وبجهودهم الخيرة، ونتقدم بأسمى آيات العرفان والامتنان لكل من قدم دعماً معنوياً أو إسناداً مادياً أو ساهم من قريب أو من بعيد في تحقيق ما أنجز أو في الحفاظ على ما اكتسب أو تطوير ما حصل، سائلين العلي القدير أن يبارك في الجهود، ويرفع الدرجات في الجنات، وأن يثقل الموازين بالحسنات، وأن ينفع المسلمين بما تم وبما هو آت، فإن أحب الناس إلى الله أنفعهم لعباده.