اقترح ريتشارد فولك، المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967م، ثلاث خطوات عملية لمواجهة قرار واشنطن الاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”.
وفي مقابلة عبر البريد الإلكتروني مع “الأناضول”، أوضح فولك أنّ الخطوات المقترحة ترتكز على اللجوء للمحكمة الدائمة للشعوب بالعاصمة الإيطالية روما، أو إلى مؤسسة “برتراند راسل” للسلام في بروكسل، وكذلك تطبيق مقاطعة شعبية تجارية للولايات المتحدة، فضلًا عن اللجوء، اليوم الخميس، إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لتمرير قرار يدين خطوة ترمب التي تنتهك قرار مجلس الأمن الدولي رقم (478).
وعن الخطوة الأخيرة، توقع فولك إحالة القضية إلى المحكمة الدائمة للشعوب، وفي معرض ردّه عمّا إن كان لجوء الفلسطينيين إلى محاكم أمريكية لمقاضاة ترمب على خلفية قراره، يجدي نفعًا، قال الخبير الأمريكي من أصل يهودي: إنه لا يعتقد ذلك، لأن جميع المحاكم تقريبًا بالولايات المتحدة ستعتبر قرار ترمب “مسألة سياسية، أي من صلاحيات السلطة التنفيذية، ولا تخضع للمراجعة القضائية”.
وتابع أن “الأنفع من ذلك هو التوجه إلى المحكمة الدائمة للشعوب بروما، أو مؤسسة برتراند روسل للسلام في بروكسل، بمبادرة من المجتمع المدني”.
ورغم أن خطوة مماثلة لا تشكّل “مطالبة رسمية بالإعلان عن الحقوق والواجبات القانونية، إلا أن حيثياتها تسمح بوضع ونشر تحليل يستند إلى القانون الدولي، ويمكن أن تمارس تأثيرًا كبيرًا على الرأي العام الدولي، خصوصًا إذا تم تنظيمها بشكل فعال وتم نشر نتائجها على نحو سليم”.
ولفت الخبير الأمريكي إلى وجود أمثلة عديدة تدلّ على فعالية هذه الوسيلة التي تتطلب تمويلًا كافيًا، وقدرة تنظيمية فعالة، وتخطيطًا بارعًا، على حد تعبيره.
والمحكمة الدائمة للشعوب، هي محكمة رأي عام معترف بها دولياً، أنشئت في 1979، وتتخذ من روما الإيطالية مقرًا لها؛ وتعمل بشكل مستقل عن سلطات الدول، كما تطبق قانون وسياسات حقوق الإنسان المعترف بها دوليا على القضايا المعروضة عليها.
وظهرت بعد تأسيس محاكم مؤسسة “برتراند روسل” للسلام، والتي عرّت، في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، جرائم الحرب المقترفة في الفيتنام.
مقاطعة شعبية للولايات المتحدة
وبخصوص ما إن كانت مقاطعة الولايات المتحدة تجاريًا يمكن أن تشكل ضغطًا عليها للتراجع عن قرارها بشأن القدس، قال فولك: “أعتقد أن تطبيق مقاطعة غير رسمية (شعبية) قائمة على نداء الضمير وحقوق الفلسطينيين، فضلا عن إظهار احترام القانون الدولي وسلطة الأمم المتحدة، قد تكون جديرة بالاهتمام، باعتبارها مبادرة رمزية تتخطى إلى حد ما الخطابة، وستكون أكثر دلالة على التزام جدي”.
وأضاف أن “تقديم الدعم لحملة حركة مقاطعة “إسرائيل” قد يكون الرد الأكثر فعالية، فضلًا عن الانضمام إلى الغضب العام للتعبير المستمر والمتنامي عن التضامن العالمي مع الكفاح الفلسطيني، من أجل تحقيق الحقوق بموجب القانون الدولي، تمهيدا للتفاوض على سلام مستدام”.
وتابع: “من وجهة نظري، لا يوجد طريق متاح للسلام ما لم تتخل “إسرائيل” عن سياسة الفصل العنصري القائمة على إخضاع الشعب الفلسطيني”.
التوجّه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة
بوجود حق النقض أو “الفيتو” الأمريكي في مجلس الأمن الدولي، قال الحقوقي الأمريكي: إن “ما تستطيع الأمم المتحدة فعله في سياق خروج ترمب عن الإجماع الدولي بشأن القدس، هو تمرير قرار إدانة وعدم شرعية قراره في الجمعية العامة”.
ورغم أن هذه الخطوة، المقررة اليوم الخميس، تواجه مقاومة شديدة من قبل “إسرائيل” والولايات المتحدة وصلت لحد تهديد ترمب الدول التي ستؤيد قرار الإدانة، إلا أنها تختبر، وفق فولك، “عزم وإصرار بعض الدول المعارضة لقرار ترمب غير أنهم لا يزالون مترددين حيال دفع ثمن أي انتقاد مفتوح”.
وسبق أن أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن بلاده ستنقل مشروع القرار المتعلق بالقدس إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، عقب عرقلته بـ”الفيتو” الأمريكي في مجلس الأمن.
تداعيات القرار والانتهاكات “الإسرائيلية”
وحول التداعيات والآثار السلبية التي قد تترتب على الجانب الحقوقي للفلسطينيين جراء قرار ترمب، اعتبر فولك أنه “من السابق لأوانه تقييم آثار القرار على القضية الفلسطينية وسياسات الشرق الأوسط”.
واعتبر أن “خطوة ترمب تفنّد بلا شك الادعاء بأن الولايات المتحدة تلتزم الحياد أو تحترم القرارات الدولية والأممية لتحقيق السلام”.
وتابع أن “قراره يضرب عرض الحائط بالإجماع على أن تحقيق السلام يكون عن طريق إقامة دولة مستقلة لفلسطين وعاصمتها القدس”.
أما فيما يتعلق بالانتهاكات “الإسرائيلية” لحقوق الأطفال الفلسطينيين، قال فولك: إن “إسرائيل” لديها سجل سيئ جدًا في احترام حقوق الأطفال الفلسطينيين.
ولفت أن “الاحتلال القمعي بسماته العنصرية وطرقه الإرهابية، يشكّل تحدياً خطيراً للنمو البدني والعقلي الصحي لكل طفل فلسطيني”.
دور الأمم المتحدة “مهمّش”
المقرر الأممي السابق رأى أن “دور الأمم المتحدة فيما يتعلق بقضايا الصراع الفلسطيني “الإسرائيلي” مهمّش، بسبب الممارسات الأمريكية”.
وقال: إن “الولايات المتحدة تفعل كل ما تراه لازمًا لحماية “إسرائيل” من الضغوط التي تدعوها للامتثال للقانون الدولي، وحمايتها من الانتقاد قدر ما تستطيع”.
وأشار إلى أن “الأمم المتحدة توفر ساحة تستطيع الدول ذات السيادة من خلالها التعبير عن مظالمها والتماس سبل الإنصاف، إلا أنها تظل -مع ذلك- ساحة تهيمن عليها القوى الجيوسياسية القادرة على إضعاف إرادة موقف الأغلبية الساحقة الذي تتبناه الدول الأعضاء في الأمم المتحدة”.
سياسة ترمب “سامّة”
وصف الخبير الأمريكي سياسة ترمب بـ”السامة”، لأنها “تؤجج التطرف العنيف، وتدعم المواقف المعادية للولايات المتحدة، عبر إذلال الحركة الوطنية الفلسطينية، وتجاهل المكانة الرمزية للقدس عند المسلمين والشعب العربي”.
واعتبر أنه “من الغباء” إعلان هزيمة تنظيم “داعش”، في وقت يمثل فيه التطرف السياسي أولوية قصوى لواشنطن، ومن ثم اعتبار القدس عاصمة لـ”إسرائيل”، علما أن ذلك سينتج عنه حتمًا غضب شعبي ورد فعل متطرف”.
ولفت أيضًا إلى أن جهود ترمب لطالما ركّزت على “القضاء على حل الدولتين، وتسهيل عملية تحويل احتلال الأراضي الفلسطينية منذ عام 1967 إلى واقع دائم يجمع بصورة غير قانونية بين ضم الضفة الغربية، والحفاظ على واقع السيطرة على الشعب الفلسطيني من خلال فرض سياسات الإذلال والأبارتايد (نظام الفصل العنصري)”.
يذكر أن ريتشارد فولك؛ أمريكي الجنسية، هو أستاذ فخري للقانون الدولي في جامعة “برنستون” بولاية نيو جيرسي الأمريكية. وهو أيضا مقرر سابق للأمم المتحدة معني بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، عرف بمواقفه المناهضة للسياسات الإسرائيلية والمؤيدة للحقوق الفلسطينية، ولذلك تعتبره الخارجية الإسرائيلية “شخص غير مرحب به”.